كتب ـ محرر الشؤون المحلية:حث مصلون على تجنيب المنابر الدينية الخطب السياسية بما تحتويه على صراعات ونزاعات طائفية، ودعوا لتدعيم أسس لوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع، وتغليب المصلحة العامة على التحزبات الفئوية الضيقة.كشفت نتائج أولية لرصد أجرته «الوطن» لخطب الجمعة في البحرين منذ بداية العام الجاري، أن غالبية الخطب انطوت على مضامين سياسية بحتة، ودعا بعضها للتحريض والعنف، فيما طالب مصلون بإنشاء المرصد الوطني لترشيد الخطاب الديني تنفيذاً لتوجيهات العاهل المفدى.وأظهر الرصد لخطب أشهر الأئمة من الطائفتين، أن الخطاب ـ بمجمله ـ تخلى عن دوره الرئيس في الوعظ والإرشاد والإصلاح وبيان المعاني السامية للدين الحنيف، وأخذ منحى سياسياً يفرق ولا يجمع.وكشف الرصد أن 42 خطبة لاحد الخطباء خلال العام الجاري، تناولت مضامين سياسية، وارتفع فيها سقف الخطاب ليصل إلى التحريض على الدولة ورجال الأمن، بصورة مباشرة أو عبر كلمات مبطنة.سياسية بامتيازوخلت بعض خطب الجمعة تماماً من أي موضوعات دينية سواء بالخطبة الأولى أو الثانية، فيما استغل بعض الخطباء صلاة الجمعة للتعبير عن آرائهم السياسية.وخلال رصد لـ«الوطن» لـ42 خطبة منذ بداية العام الجاري لأحد الخطباء، أظهرت الإحصائية أن جميع خطبه تناولت موضوعات سياسية، تصدرت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الصحف.وارتفع سقف الخطاب لدىه ليصل إلى التحريض على الدولة ورجال الأمن والمواطنين، سواء بشكل مباشر أو عبر كلمات مبطنة، مثل «لن يصرف الشعب عن مطلبه الأساس صارف، لا الألاعيب السياسية القذرة ولا الإعلام المضاد ولا المال ولا القوة ولا شيء آخر مما يمتلكون بقادرٍ على أن ينسي الشعب أو يستغفله أو يثنيه عن الإصلاح الجدي الجذري، حيث لا أمن للشعب ولا حياة كريمة ولا استقرار ولا حرية بدونه على الإطلاق»، وقوله بخطبة أخرى «لا ينتظر أحد على الإطلاق من الشعب أن يعود إلى البيوت والمنازل من غير إصلاح ينادي به ويرتضيه».وكانت خطب أحد السياسيين، أشبه ببيانات، حيث لم يتخلل الخطب أي وعظ أو إرشاد ديني، بل اقتصرت على طرح مواقف الجمعية وإنجازاتها، أو حتى آراءها في الموضوعات والقضايا المطروحة على الساحة السياسية البحرينية.وطغى الخطاب السياسي على مجمل خطب الجمعة لإمام منذ بداية هذا العام، وتناولت بشكل عام الأحداث الجارية في المملكة.وكانت العديد من خطب أحد الشيوخ سياسية، فيما اتسمت خطبه بشكل عام بخلوها من التحريض، بل دعت إلى التقارب والوحدة بين مكونات الشعب.ولم تخلُ أي خطبة لأحد الائمة من الحديث حول مواقف أو قضايا سياسية سواء تخص البحرين أو دول الجوار أو حتى دول بعيدة.وجاءت خطب الجمعة لرئيس جمعية سياسية هي الأخرى، وشهدت في مجملها حديثاً عن الأوضاع في البحرين أو خارجها من دول المنطقة، فيما تخللتها بعض الخطب حول الموضوعات والشؤون الدينية المعاصرة.أما أحد الخطباء المعتدلين بلغت نسبة الخطبة السياسية في خطبه حوالي 30% فيما كان الباقي ديني صرف ولم تتطرق للجانب السياسي، بينما جاءت باقي الخطب شرعية وتناولت موضوعات تتعلق بالإسلام والظواهر الكونية وغيرها.المرصد الوطنيودعا رئيس الأوقاف الجعفرية محسن العصفور، إلى الإسراع في تنفيذ التوجهيات الملكية بإنشاء المرصد الوطني لترشيد الخطاب الديني، مؤكداً أن المنابر الدينية تم «تدنيسها» من قبل البعض، فيما أثارت منابر النعرات الطائفية بدلاً من دعوتها للوحدة.وقال العصفور إن المرصد يعيد الخطاب الديني لنصابه الطبيعي، مشيراً إلى أن إنشاء المرصد من قبل الجهات المعنية في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ووزارة العدل والوقفين السني والشيعي، من شأنه مراعاة مصلحة المواطن، وحل الأزمة وتهدئة الأجواء، وإعادة اللحمة الوطنية، وضمان استقرار الوطن ووأد الفتن، وإغلاق الباب أمام كل من يحاول التأزيم.وأضاف أن المنابر الدينية جرى «تدنيسها» واستغلالها لمآرب حزبية وفئوية وشخصية، ما أخرجها عن قداستها وموقعها الإيجابي في المجتمع الإسلامي، منبهاً إلى انحراف مسارها للتفريق بدلاً من الدعوة للوحدة وحل المشكلات.وبين العصفور أن مشكلة البحرين تكمن في توظيف دور العبادة للأهداف السياسية، سواء للدعاية الانتخابية أو التجييش، حيث استخدمت المنابر في الفترة الأخيرة لتأزيم البلد بدلاً من وحدة أبنائه.وأكد أن العديد من المنابر الدينية خرجت عن وظيفتها الأساسية في أن تكون عامل وحدة وجذب واستقطاب لكل بوادر الخير في المجتمع وتماسكه، وتعزيز اللحمة بين أبناء المجتمع، مشدداً على أن «المساجد لله»، والمنابر لإرشاد الأمة لخيرها وسعادتها واستقرارها.ولفت إلى أن المرصد يجب أن يضع استراتيجية شاملة لتقليص حدة الخطاب الديني الطارئة بعد أزمة البحرين والأحداث الدائرة في المنطقة، واستخدام القوة الضاغطة للجهات الدينية المختصة، موضحاً أن المنابر انتقلت بشكل سريع إلى الخطاب السياسي، إلا أن عودتها ستكون بشكل تدريجي لتصحيح المسار.وأكد أن الأوقاف الجعفرية تمتلك الرؤية لإعادة المنابر إلى نصابها، وهي الآن ستفعل الآليات، إلا أنها بحاجة لمزيد من التمهيد والمقدمات، كإنشاء معهد للخطباء، ووضع أصول الخطاب الوسطي الملتزم والمتزن بعيداً عن التطرف والإثارة، والمساس بالمكونات الدينية والمجتمعية الأخرى، معبراً عن أمله أن يتحقق ذلك بشكل تدريجي خلال الأشهر المقبلة.ونبه العصفور إلى أن المناهج العلمية بطبيعتها ترشد الخطاب الديني، وأن تدريس الخطباء لمثل تلك القواعد يساهم بالارتقاء بالخطبة، مؤكداً أن الخطاب الديني يحتوي على كنوز ومبادئ وقيم مثالية سامية، وأن تأثيره على المجتمع كبير جداً.بعد أحداث فبرايرمن جانبه أكد المصلي أحمد السعدون أن خطيب الجمعة بالمسجد القريب من منزله انشغل بالسياسة منذ أحداث فبراير 2011، رغم أنه لم يكن يقاربها سابقاً، مشيراً إلى أن التوعية الدينية بحب الوطن لا تكون من خلال ما يتم طرحه من على المنبر.وأوضح أن خطبة الجمعة لديه منذ بدايتها وحتى نهايتها أصبحت بشكل عام سياسية، فيما يطرح المصلون أسئلتهم الدينية عليه في المناسبات كعيد الأضحى وغيرها بعد الصلاة، حيث لم يجيب كباقي الخطباء على التساؤلات المطروحة بشكل مستمر حول القضايا الدينية في تلك المناسبات، داعياً إلى ضرورة الابتعاد عن الخطب السياسية المتضمنة لآراء الخطباء.ووصف بلال أحمد خطيب مسجد الحي بـ»المحلل السياسي الدولي»، حيث ينشغل بشكل عام بالحديث عما يجري في مصر في كل خطبة، في تغير تام عما كان يحدث قبلها، مبيناً أنه كان يستغرق في الحديث عن بر الوالدين لـ3 جمع متتالية.وقال «تنفسنا الصعداء بعد تغييره بشكل مؤقت إثر ذهابه للحج، إلا أنه وبعد رجوعه، عاد ليمارس ما دأب عليه منذ أكثر من عامين تقريباً، مللنا هذا النهج، وتحدث إليه العديد من المصلين حول ضرورة الابتعاد عن الآراء السياسية من على المنبر دون جدوى».وبين أن الحديث في الأمور الجارية على الساحة السياسية أو الإسلامية مطلوب، إلا أنه لا يمكن أن يطغى أمر على آخر، ويجب أن يكون الحديث عنها بالسبل الإسلامية للخروج من الأزمات سواء بالتمسك بكتاب الله والعودة لشرعه، وليس بأمور سياسية لا يفقه الحديث عنها.الحكمة مطلوبةبدوره قال المصلي ناصر الهاشمي إن المواطنين الشيعة يعانون بشكل عام من تغير الخطب في المآتم والمساجد إلى سياسية بحتة، مشيراً إلى أنه «اشتاق لسماع القصص الدينية والمواعظ والحكم».وأوضح أن ما يجري في المساجد يجب التنبه له من قبل السلطات الجهات المعنية، حيث لا يمكن السماح بالمزيد من التهييج السياسي والديني من على المنبر، مطالباً بضرورة توعية الخطباء وتشديد الرقابة عليهم، لتعود الأمور إلى نصابها.ثقافة إسلاميةمن جهته، قال عضو مجلس الشورى د.عبدالعزيز أبل، إن صلاة الجمعة في الثقافة الإسلامية هي عبارة عن مؤتمر إسلامي يجتمع فيه كافة المسلمين لتداول شؤون دنياهم، دون أن يعني ذلك أن تنصب خطبة الجمعة كلها على الشؤون السياسية.وأضاف أن خطبة الجمعة هي تداول لما يدور في الساحة وما يلم بالمسلمين من أمور ومستجدات، حيث تعالج الخطبة شؤون المسلمين دون أي زيادة في التركيز على موضوع معين أو حدث دون آخر.وأكد أبل أن الخطبة ترشد المسلمين وتؤقلمهم للحوادث وما يلم بهم من أمور وكيفية التعامل معها وفقاً للشريعة، وانطلاقاً من قيم وجوهر الدين الإسلامي، وما فيه من قيم تعزز مكانة المجتمع الإسلامي.وشدد على ضرورة أن تحتوي خطب الجمعة على النصح والإرشاد الإيجابي دون الإغراق في الشؤون السياسية البحتة، آخذة بعين الاعتبار وحدة المسلمين وعدم تفرقهم.وكان سمو رئيس الوزراء وجه وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف لاتخاذ التدابير العملية لضمان أن تكون المنابر الدينية مؤدية لرسالتها المفترضة بمنأى عن التحريض.فيما أكد وزير الداخلية في كلمة له أمام عدد من رجال الدين، أن المنبر الديني لا يعطي حصانة لخطيبه، بل إن الخطيب عليه مسؤولية حفظ مكانة المنبر وإعلاء شأنه، واستغلاله لبث الفرقة أو التحريض مخالفة قانونية صريحة يحاسب عليها، أياً كان هذا المنبر، وأياً كان الخطيب.من جانبه دعا وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف في تصريحات سابقة، إلى ضرورة الالتزام بآداب الخطاب الديني وتأكيد مبادئ الاعتدال والوسطية والتسامح والمواطنة وتعميق قيم الوحدة والولاء للوطن واحترام سيادة القانون خلال الخطب.