حديث - ميكايل هانيكه:* لم يكن العمل سهلاً في موقع ثابت ومحدود. أن تكتب قصة لا تحتوي إلا على شخصيتين في حجرة واحدة هو أصعب من كتابة قصة تحتوي على عشرين شخصية مع ثلاثين موقعاً مختلفاً. هناك ثلاثون قصة ترويها على نحو متواز، بينما ليس لديك هنا سوى قصة واحدة وشخصين، ويتعين عليك أن تكون مبدعاً وخلاقاً أكثر لكي تنجح في تحقيق عملك. بالنسبة للممثلين، ذلك يعد تحدياً هائلاً. * وأنا أكتب السيناريو، تبادرت إلى ذهني شقة والدي في فيينا. الشقة في الفيلم مصممة بحيث تماثل كلياً شقة والدي. إنها الشقة التي نشأت فيها. وأثناء الكتابة، وجدت العون في التعامل مع موقع مادي بدقة. من السهل هنا استخدام الجغرافيا التي تعرفها على نحو حميمي. لقد ساعدني ذلك في تخيل حركات الشخصيات بين المطبخ وغرفة النوم، على سبيل المثال، وماذا سيفعلان أثناء الحركة. لقد أعدت بناء الشقة في الأستوديو الفرنسي، مستخدماً الأثاث الفرنسي حسب الذائقة الفرنسية.الشقة تقول الكثير عن أسلوب حياة هذين الشخصين.* أردت أن أستبعد أي نوع من التشويق الزائف. نهاية الفيلم هي النهاية الممكنة الوحيدة لقصة يتضح مسارها على نحو سريع. لكن ما كان يثير اهتمامي ليس الكيفية التي بها ينتهي الفيلم بل بالأحرى الأحداث التي تقود إلى تلك النهاية. ما كان يثير اهتمامي ليس الموت في ذاته، بل كيفية التغلب على معاناة الشخص الذي تحبه.النهاية معروضة بحيث يراها كل متفرج بطريقة مختلفة.. هكذا تحدث الأمور في الحياة الواقعية. الأشياء نادراً ما يمكن اختزالها إلى شيء واحد أو شيء آخر. هي دائماً تكون مجموعة مركبة بفعل تركيبة من الأسباب والدوافع. لا يمكن اختزالها إلى ثيمة واحدة أو مبرر واحد. السلوك هو نتيجة لحزمة من الأوجه والدوافع المتناقضة. ذلك هو عمل الفن: أن يقدم بطريقة تختلف عن طرائق العلم أو الصحافة التي تسعى لتحديد الأسباب الفردية.صورت مشهد الحلم لأنني كنت بحاجة إلى إيجاد طريقة ما للتحرك بعيداً عن الواقعية الصارخة في الجزء الأول من الفيلم، لأن نهاية الفيلم ليست واقعية كلياً. فأنت لديك، على سبيل المثال، اللحظة التي يسمع فيها الزوج عزف زوجته على البيانو. لذا كان من الضروري جلب الجمهور إلى مستوى روحاني أكثر. وأخيراً، الفعل الأبسط وهو الحلم، الذي كان أصعب مشهد كتبته في الفيلم.* لم أكن أحقق فيلماً يدافع عن حق الفرد في الانتحار، كنت أحقق فيلماً عن كيفية تغلب المرء على الحالات الناشئة من موت شخص عزيز وحبيب. هناك العديد من الأفلام التي مست قضايا وثيمات عرضية.. وهي ثيمات لم أهتم قط بالتعامل معها. ليس هكذا أباشر العمل في مشروع ما. نقطة البدء، بالنسبة لي، دوماً تنطلق من مشاعر معينة كنت قد اختبرتها أو شهدتها أو قرأت عنها، وتلك العاطفة تفضي بي إلى الرغبة في التحري عنها وسبرها. إن ذلك نقيض الطريقة التي يتبعها التلفزيون في التعامل مع الثيمات اليومية أو الأسبوعية. إنها ليست طريقتي.* في ما يتعلق بالإضاءة، كنت أبحث عن الضوء الواقعي. هذا الفيلم يستغرق زمنياً عاماً واحداً تقريباً، ومن الصعب تجسيد ذلك على نحو غير مباشر. إنك ترى مرور الزمن على ملابس جان لوي، على الإضاءة، ما إذا كانت أدفأ أو أبرد. ذلك أمر يصعب إنجازه. كنا نصور في الأستوديو، بالتالي كان علينا أن نصور المنظر خارج النافذة بشكل منفصل ثم نضيفه رقمياً (بطريقة الديجيتال). وكان ذلك يتطلب الكثير من العمل في مرحلة ما بعد الإنتاج. غير أننا كنا نسعى إلى جعل ذلك واقعياً قدر الإمكان. * كل متفرج حر في تأويل المشهد الذي يريد، اعتماداً على مدى أهليته وفق التربية الروحية. إني أحاول حقاً، في كل أفلامي، أن أتيح للمتفرج عدداً كبيراً من الاحتمالات لكي يستخدمها، ومعها يوظف مخيلته الخاصة. هناك الكثير من الوسائل المختلفة لفعل ذلك.ليس من المفيد فرض معنى واحد، معين، صارم على العناصر التي تتناولها في فيلمك. لو أخبرت الجمهور بما ينبغي أن يفكروا فيه، عندئذ أكون قد سلبت منهم مخيلتهم وقدرتهم على اتخاذ قرار بشأن ما هو مهم بالنسبة لهم. أفلامي تطرح أسئلة وجودية، والأمر راجع إلى كل متفرج ليقرر إن كان الدين أو المعتقد يوفر إجابات على تلك الأسئلة المطروحة. بوسع المتفرج أن يجد في بعض المشاهد عناصر دينية ويفسرها دينياً. أفلامي لا تسعى إلى تلقين المتفرج. كل متفرج حر في اختيار إجابته الخاصة، وطريقة فهمه للأسئلة. الاختلاف بين الدين والفن هو أن الفن لا يوفر أجوبة، إنه يطرح الأسئلة فحسب.* مثلما كتبت فيلم «المخفي» للممثل دانييل أوتيه Daniel Auteuil، كذلك كتبت هذا السيناريو وفي ذهني أن يمثل دور الزوج ترينتينان Trintignant. الشيء نفسه كان يحدث لي في الماضي مع ممثلين ألمان ونمساويين، لكن المشكلة تكمن دوماً في صعوبة إيجاد الدور المناسب للممثل. إنها وسيلة فعالة في كتابة السيناريو عندما تعرف من سيؤدي الشخصية، لأنك عندئذ تكون قادراً على إضفاء سمات مادية ملموسة على الشخصية المتخيلة.. غير أن هذا لا يحدث دائماً. أنا من المعجبين بجان لوي ترينتينان، كنت أحبه كممثل وأرغب في العمل معه. أشعر بأنه دائماً يحتفظ بسر ما، بأنه يكبح شيئاً ولا يريد أن يفشيه. كل الممثلين العظام لديهم هذه الخاصية. مارلون براندو. دانييل أوتيه. أردت ترينتينان لهذا الدور خصوصاً لأنه يحمل الكثير من الدفء. هو قادر على جعلك تفكر فوراً في الحب. ما كان بإمكاني تحقيق هذا الفيلم مع ممثل آخر. ولا أعرف ممثلاً آخر في ذلك العمر قادراً أن يؤدي الدور. التقيت به للمرة الأولى قبل كتابة السيناريو. كان قد شاهد فيلمي السابق «الشريط الأبيض» وأعجب به. أردت أن أعرف منه مدى استعداده ورغبته في العمل معي. بعد أن أخذت موافقته كتبت السيناريو، راسماً له شخصية الزوج. كان الشخص الوحيد القادر على تجسيد الشخصية. ولو لم يكن متاحاً، لما حققت الفيلم. من الممتع مراقبته وهو يحفظ بعض حواره، ورؤية مدى عمقه. إضافة إلى ذلك، هو شخص في غاية الجاذبية، وأثناء التصوير أحبه الجميع.ترجمة: أمين صالح
هانيكه يتحدث عن فيلمه «حب» (2-4)
12 يناير 2014