حوار - جعفر الديري: إن جورج أورويل هذا الكاتب البريطاني الفذ؛ كان مدركاً للمكانة التي سيتبؤها يوماً حين اختار أن يكون كاتباً، فعلى رغم موته وهو في قمة عطائه بمرض السل في السابعة والأربعين من عمره؛ يعرف أورويل اليوم مفكراً سياسياً ومبدعاً روائياً وناقداً اجتماعياً وكاتب مقالة فذاً ومناضلاً مبدئياً، مازالت آثاره تثير اهتمام القرّاء والمترجمين، كشأن المترجم الشاب علي مدن الذي وقع مؤخراً ترجمته لمجموعة مقالات متنوعة في أهدافها ومواضيعها للكاتب البريطاني الشهير، بعنوان «جورج أورويل لماذا أكتب». «الوطن» انتهزت فرصة تدشين الكتاب بالملتقى الثقافي الأهلي، وأدارت مع علي مدن هذا الحوار حول جورج أورويل وهموم الترجمة، فكان هذا اللقاء...* إن اختيار كتاب لعلم مثل جورج أورويل وترجمته للعربية، لا يصدر إلا عن مترجم واعٍ تماماً لخطورة ما يقوم به، فإلى جانب ثراء الكتاب الأصلي، هناك خوف من الإخفاق في الترجمة، ترى ما كان دافعك للدخول في هذه المغامرة؟ - في الحقيقة، لم تكن فكرة الكتاب مطروحة منذ البداية. البداية كانت مع مقالين لافتين. الأول كنموذج لم أعهده عن النقد الأدبي في مقالة أورويل عن تولستوي. والثاني كانت مقالة محكمة عن مشاهدات المؤلف عن مدينة مراكش المغربية. كنت أحاول في ذلك الوقت العثور على مقاربة مناسبة لكتاب أو مقالة مطولة عن شخصية سينمائية معينة، وبدلاً من ذلك وجدت أني أكثر انجذاباً نحو مقالات أورويل. حيث بدا أن فعل الترجمة يشتمل أيضاً على نوع أكثر قرباً وتقصياً من القراءة للنص المترجم. بالنسبة لرد الفعل على الكتاب النهائي، لا أعتقد أن هذا الأمر كان حاضراً بشكل فعلي حتى انتهائي من مسودة معقولة من مجمل النصوص، فلم اتفق مسبقاً مع ناشر عند شروعي في الترجمة. كان لدي قناعة أن ترجمة هذه المجموعة من مقالات أورويل تستحق عناء المحاولة. لا أرغب في التعميم، لكن أميل للاعتقاد أن أي ضمانات عن نجاح عمل أدبي قلما تتوفر في فترة مبكرة. الكتابة في فترة مضطربة * أهمية أورويل تتضاعف يوماً بعد يوم، ولا أدل على ذلك من أن كتبه تثير شهية المترجمين من أمثالك، ما سبب تعاظم أهمية أورويل برأيك؟- عندما يكتب أورويل، عادة ما يجمع بين عدة مجالات معرفية وعدة أجناس كتابية، الأدبي والسياسي من جهة ـ والصحافي والنقدي من جهة أخرى. كما إنه كتب بشكل رئيس في فترة مضطربة. اضطر أغلب الأدباء الآخرين خلال فترة الحرب للصمت، لمشكلات الطباعة والنشر ولصعوبة مواكبة واستشراف الأوضاع القائمة، وبالتالي كتب واهتم بالصورة كثيراً. كما كان لديه انشغال وقناعة بحرية الصحافة. الكثير من المفردات التي استجدها ورؤيته عن دور الصحافة الحرة قريب جدا للفهم المتداول اليوم. موقفه المعادي بشدة للاستعمار والمتعاطف لكن الواقعي في الآن ذاته من دول العالم الثالث يزيد من شعبيته. كما كان ككاتب عمود مشاكساً وسعى لدفع قراءه على التفكير باعتقاداتهم الراسخة. جميع هذه العناصر تجعل أورويل كاتباً معاصراً بشكل لافت. * بحسب علمي فإن هناك ترجمة للروائية والكاتبة الكويتية بثينة العيسى لكتاب أورويل، الذي عكفت على ترجمته، فلماذا مال المترجم علي مدن لترجمة عمل سبق وأن ترجم إلى اللغة العربية؟ - في حدود علمي فإن بثية العيسى ترجمت فقط مقالة واحدة لأورويل من المقالات التي حواها كتابي المترجم، هي مقالة: «لماذا أكتب»، والحقيقة أن فكرة ترجمتي للمقالات تعود إلى أكثر من عام ونصف منذ الآن وجاءت في البدء كفكرة مستقلة ودون دعم أو تنسيق مع مؤسسة ما حتى تبني وزارة الثقافة البحرينية مشكورة نشر المجموعة. وبالتالي من المستحيل معرفة من أنه كان هناك آخرون يحاولون إنجاز شيء مشابه. إضافة إلى ذلك، فإن ترجمة الروائية الكويتية السلسة والأنيقة لمقالة «لماذا أكتب؟» جاءت ضمن سلسلة من مشاركة كتاب عالميين حاولوا الإجابة على هذا السؤال. بينما يجمع كتاب «لماذا أكتب؟» مقالات متنوعة في أهدافها ومواضيعها لجورج أورويل حصراً.الانجذاب للنص واهتمام القارئ* أمر مثير حقاً أن تعمد لترجمة أثر صدر عن كاتب توفي منذ أكثر من نصف قرن، بينما نجد المترجمين يحرصون على الترجمة لكتاب معاصرين وأحياء، ألا يشغلك أبداً الهاجس التجاري وأنت صاحب موهبة في الترجمة؟- تقريباً، اخترت الكتابين الذين ترجمتهما ذاتياً، قصدي هذا الكتاب، وكذلك المجموعة القصصية لباتريشيا هايسميث التي اخترت لها عنوان «نزهة في فناء البيت الأبيض»، وحاولت مراعاة انجذابي للنصن إضافة إلى وجود مؤشرات تفيد احتمال اهتمام القارئ العام في هذه الفترة. أعتقد أن هذا التوازن ضروري للشروع في أي محاولة بهذا الحجم، فإجادة الترجمة أو أي عمل إبداعي آخر تعتمد على قدرة الكاتب على الشعور بالشغف والتركيز على العمل الذي بين يديه. * بعد ترجمتك لهذا الكتاب القيم، هل تمكنت من أن تخرج بجواب على السؤال: لماذا يكتب جورج أورويل؟ - المقالة التي تحمل هذا العنوان كانت مشاركة في منتدى وجه هذا السؤال لعدد من الكتاب. وكما هو متوقع حملت مشاركة أورويل وصفاً محدداً لموقفه الفكري والسياسي. من اللافت أنه هذه المشاركة التي أتت بعد نشر ونجاح «مزرعة الحيوان»، تحوي أيضاً تعريفاً وافياً بشخص أورويل وتاريخه الأدبي الذي دخل مرحلة الشهرة في تلك الفترة. من اللافت أيضاً أن أورويل يخصص جزءاً مهماً من مقالته للحديث عن الكتاب بشكل عام. أعتقد أن فترته الأولى جمعت بين طموحه الأدبي، أو تماهيه مع الروائيين الذين يحبهم، وبين رغبته بالإحاطة بحاضره. لكن كتابته بعد انتظام مشاركته الصحافية، وتنامي أعداد قراء أعمدته اكتسبت نوعاً من العملية والمباشرة، ورغم أنه حقق أهم نجاحاته في هذه الفترة، فإن تطور أسلوبه جاء على خلاف طموحاته المبكرة. أعتقد أن جميع الدوافع الأربعة التي يذكرها أورويل في مقالته، الأنا والحس الجمالي والحافز التاريخي والحافز السياسي، تجذبه نحو الكتابة .سياق مناسب للترجمة* لا يمكن لنا أن نسمي الترجمة مهنة أو وظيفة لأنها تمتلك مقومات إبداعية، وبالتالي فهي فعل إبداعي خلاق، كيف يمكن للترجمة أن تعرف بالنتاج الأدبي العالمي وإيصاله إلى مساحاتٍ واسعة ليكون التلقي كونياً؟ - هناك جوانب تقنية تتعلق بالحرص على توفير الوقت والبيئة المناسبة للعمل، إضافة إلى الاطلاع على مصادر وكتب أخرى توضح مقاصد النص. كل هذه ضرورات لإنجاز أي شيء بشكل مرضٍ. لكن لدي شكوك عن الإمكانات الكونية لأي نص. من المهم عند اختيار النص محاولة إيجاد سياق مناسب وأصيل لدى المجتمع الذي تترجم له في النص الأصلي.* لن أسالك عن أوضاع المترجمين في البحرين، فإن حالهم لا يختلف عن حال غيرهم من كتاب ومبدعين، غير أني أترك لك الفرصة لطرح ما يجول في خاطرك من أفكار بهذا الصدد؟ - لست على اطلاع بالتفاصيل في هذا الموضوع، ولكن ما أعتقده أن المهتمين بالترجمة في البحرين يقومون بذلك ضمن مبادرات ذاتية، وليس في سياق مشروع للترجمة تتبناه جهة ثقافية رسمية أو أهلية، كما هو الحال في بعض الدول الخليجية الأخرى كدولة الكويت ضمن مشروعات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وكذلك في دولة الإمارات في السنوات الأخيرة، ضمن مشروع «كلمة» في أبوظبي مثلاً.* هل هناك أي جديد بشأن اشتغالك؟ - نعم هناك مشاريع ترجمة أعمل عليها بشيء من التروي، كذلك مشاريع تأليف في النقد السينمائي خاصة.
علي مدن: رؤية أورويل للصحافة تجعله معاصراً بشكل لافت
19 يناير 2014