كتب ـ حسين التتان:شهد المؤتمر الدولي «استكشاف آفاق ثقافية جديدة للسياحة» في يومه الأول، توقيع المدونة العالمية لآداب السياحة الخاصة بمنظمة السياحة العالمية، وتعهد من خلالها أهم رواد الاستثمار السياحي في البحرين بتطبيق قيم التنمية السياحية المسؤولة والمستدامة.ووقع المدونة من البحرين مدير عام فندق السفير حميد الحلواجي، ومدير عام فنادق دومين باتريك دي غروت، ورئيس سفريات داداباي عزيز غيليتوالا، وبيتر ماثياس عن شركة ماثياس للسياحة. ودعا المتحدث الرمسي باسم المؤتمر رئيس مؤسسة منتدى أصيلة المغربي محمد بن عيسى، إلى إحداث صندوق إقليمي أو دولي للنهوض بالسياحة الثقافية، يمنح قروضاً محدودة الفائدة وبالتقسيط المريح للدول المتوفرة على مخزون ثقافي خام لم يستغل. وقال في المؤتمر الذي يحظى برعاية صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وافتتحه نائب رئيس الوزراء سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، إن السياحة تحولت إلى وسيلة معرفية لاستكمال التكوين الثقافي، وركيزة في هرم الاقتصاديات الحديثة، لافتاً إلى أن قطاع السياحة يتطلب بحثاً مستمراً عن مقومات النمو، ومصادر تمويل وإعداد البنيات والهياكل الضرورية، وإدراك مخططي علم السياحة أهمية العنصر الثقافي كقيمة جاذبة لتنوع قائمة المنتوج السياحي المعروض.وشكر جلالة الملك على سهره الدؤوب في سبيل الارتقاء بمختلف القطاعات الثقافية والسياحية، مشيداً بجهود وزيرة الثقافة وأمين عام منظمة السياحة العالمية د.طالب الرفاعي، داعياً إلى تسليط الضوء على غنى الرصيد الثقافي في السياحة بعد تقدم المعرفة وارتفاع مستوى الوعي. وقال «استغلال هذا الرصيد للمجتمعات يتطلب استثمارات كبرى لإبراز معالم تراثها الغني وتوسيع أفق المعرفة الثقافية والحضارية لدى الآخر». واعتبر أن هدف المؤتمر «البحث عن أواصر وشائج تقربنا من بعضنا عبر التعريف بثقافاتنا وحضاراتنا، ما يسهم في نشر ثقافة السلم والتعايش لمواجهة صعوبات الحاضر وتأمين تفاهم أفضل في المستقبل». البحرين تستثمر في الثقافةوأكدت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، أهمية الاستثمار في الثقافة من خلال أربعة مشاريع أساسية نفذتها الوزارة، بعد نجاح الاستثمار في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث.وقالت إن المشروع الأول كان أكبرها، ودشن ضمن احتفالات المنامة عاصمة للثقافة العربية 2012، وهو مسرح البحرين الوطني الذي تحقق بدعم مباشر من جلالة الملك الداعم الأول للنهضة الثقافية والسياحية في البلاد، فيما تحقق الثاني عام 2008 حين دشنت الوزارة بدعم من بنك أركابيتا متحف موقع قلعة البحرين ويسجل الحقب التاريخية المتتالية في البحرين، وكان المتحف أساسياً ضمن شروط إدراج قلعة البحرين على لائحة التراث العالمي. المشروع الثالث الذي توقفت عنده وزيرة الثقافة هو مشروع طريق اللؤلؤ الذي أدرج مؤخراً على لائحة التراث العالمي والممتد على طول 3كم ويتضمن 18 موقعاً يحكي قصة صيد اللؤلؤ، عماد الحياة الاقتصادية سابقاً ورمز البحرين، والمشروع مدعوم من شركة تسهيلات البحرين وشركة البحرين للملاحة والتجارة الدولية بالإضافة إلى القرض الميسر من البنك الإسلامي للتنمية. والمشروع الرابع هو موقع باب البحرين الذي بدأ بدعم من شركة المؤيد وشركة فيفا للاتصالات وشركة أميركن إكسبرس، حيث أعيد ترميم وإحياء المكان مع إضافة عناصر جمالية ومركز للمعلومات، ويستكمل المشروع بمتحف خاص للبريد ومكان خاص لتاريخ الشرطة في البحرين.وتطرقت الوزيرة لمشروع إحياء «فندق البحرين» ومشروع إقامة بحيرة مقابل باب البحرين تعيد الحياة إلى ما كانت عليه سابقاً بعد الحصول على قرض ميسر من البنك الإسلامي للتنمية. الجلسة الأولى : الاستثمار في السياحة الثقافية : الشراكات العامة – الخاصة ودور القطاع الخاص. إحصاءات السياحةوأدار الرئيس الفخري للمجلس الدولي للآثار والمواقع غراهام بروكس الجلسة الأولى للمؤتمر، وسلطت الضوء على دور الشركات والمؤسسات في تسهيل المشاريع السياحية، فيما استعرض وزير السياحة المصري هشام زعزوع الإحصاءات السياحية وتوقف عند الثروة الثقافية الموجودة على كامل الأرض المصرية ومنها التراث غير المادي والمتعلق بالأناشيد والفنون الأخرى الجاذبة للسياح.وتحدثت رئيسة مجلس إدارة مؤسسة منظمة السياحة العالمية للسياحة المستدامة والقضاء على الفقر دو يونغ شيم، عن أهم مشاريع المؤسسة في 30 دولة مستهدفة حتى الآن، وثمنت التبادل المعرفي والتعاون بين القطاعين العام والخاصن وأعطت مثالاً على خلق فرص العمل وجلب السياحة الثقافية عبر مشروع إنشاء مكتبات صغيرة في 17 دولة. أما أخصائية برنامج آثار الشرق الأوسط في صندوق الآثار العالمي أليساندرا بيروزيتي، فتوقفت عند حماية الآثار العالمية في منطقة الشرق الأوسط وخلق الروح المسؤولة والواعية عند السكان المحليين لحفظ التراث العمراني والثقافي.وركزت مدير عام شركة أعمال واستراتيجيات أوروبا ميخايلا داسكولتو، على دعم المشاريع الثقافية في العالم وكيف أثمر مشروعهم في إسبانيا إلى تحويل السائح من الاهتمام بالشاطئ فقط إلى اهتمام بالسياحة الثقافية بعد إحياء أماكن تاريخية أثرية. السياحة والتراث الثقافيوقارب مستشار أمين عام منظمة السياحة العالمية لشؤون الاستدامة لويجي كبريني في المحور الثاني من المؤتمر مفهوم «السياحة والتراث الثقافي»، وقال إن العالم يتجه اليوم إلى معالجات حقيقية يحاول من خلالها تحقيق الاستدامة في مشاريع السياحة، متناولاً في عرضه مجموعة من مواقع مختلفة للتراث الإنساني الطبيعي والثقافي.وأوضح مستشار مدير عام اليونيسكو المدير العام السابق للمركز الدولي لحفظ وترميم الممتلكات الثقافية منير بو شناقي، أن مواقع التراث الإنساني العالمي بنوعيها الطبيعي والثقافي تسهم في عمليات التنمية الاقتصادية وتشكل ركيزة أساسية في المجال السياحي، مبيناً أن اليونيسكو التفتت إلى هذه الجواذب والمراكز الحضارية والتاريخية منذ عام 1972، حينما أقرت اتفاقية التراث العالمي الهادفة لحماية وصون مواقع التراث، وصادقت عليها 190 دولة مختلفة، وتمكنت الاتفاقية حتى اليوم من تسجيل 962 موقعاً تراثياً عالمياً، بعضها يختص بالتراث الطبيعي والآخر بالتراث الثقافي فيما تمزج بعض المواقع بين الإثنين.واستعرض بو شناقي العديد من المواقع التي أسماها بالأيقونة لتشكيلها رمز هوية وطنية في تركيا والعراق والصين وتونس وفرنسا واليمن ومصر، مستوقفاً كمبوديا كنموذج إنساني واقعي يعتبر من أهم المواقع. وعرض الجهود المبذولة لاستعادة الأهمية التاريخية للمكان، والعناية بالمنحوتات باعتبارها شاهداً ودليلاً توثيقياً لعمر المكان والأنسنة التي مرت به. وألقى الضوء على التجربة المحلية، مشدداً على أهميتها في إدماج المجتمعات المحلية والأهالي في إرثهم وحضاراتهم، مشيراً إلى أن النموذج الكمبودي وكيف أثر في مجتمعه الصغير حينما أتاح الكثير من فرص العمل للسكان وطور أساليب معيشتهم، إلى جانب استدراجهم إلى مفاهيم الهوية والانتماء عبر اشتغالهم في حفظ المكان وتطويره.وقدم غراهام بروكس عرضاً حول دور مجلس الآثار العالمي وأهميته في العناية بالإرث الإنساني والحضاري، مؤكداً أن التكامل ما بين التراثين المادي وغير المادي يضعان استراتيجية واضحة وإمكانات موسعة لعمليات التنمية السياحية، لا يمكن تحقيقها دون الشراكة الحقيقية والتمسك بالمجتمع المحلي باعتباره منفذ الهوية وقوامها. وتطرق إلى أهمية الاستثمار الثقافي عبر المواقع الأثرية لما لها من أهمية في النهوض بالمجتمعات الشعبية وتسويق مكامن فرادتها وتميزها، إضافة إلى ضرورتها في تطوير المنتجات بالتوازي مع تطوير المنجز الإنساني داخل المكان. وفي ذات السياق أشار مايكل جانسن أحد الخبراء رفيعي المستوى باليونيسكو إلى التعامل الذكي والمعالجات الاستثنائية للأمكنة التاريخية والتراثية، وقال «يجب الالتفات إلى الهوية العاطفية والعلاقة بين النسيج المدني للمكان والموقع ذاته، حيث ثمة علاقات وطيدة بين فكرة المكان وساكنيه».وركز ريمي دولوبلانك مسؤول التعليم والثقافة بفرنسا وغريلام رورك مدير موقع سكيليغ مايكل من إيرلندا، على تقديم شرح تفصيلي حول المعالجات والمعاينات لمواقع التراث الإنسان العالمي في البلدين. وقياساً على هاتين التجربتين، انتهى العرضان إلى تحليل الخطوات العملية للإدارة المستدامة والتسويق الثقافي لأغراض سياحية، فيما قدم مدير مشروع تطوير قطاع السياحة بالوكالة الأميركية للتنمية الدولية في الأردن إبراهيم أسطه، نموذج مدينة البتراء التي لم تكتف بتقديم نفسها، بل شملت عمليات إدارتها وتنسيق خطتها السياحية تدريب العملاء والوسطاء السياحيين، واستثمار الوسائط المتعددة وشبكات التواصل الاجتماعي للترويج للموقع.التراث غير المادي والتنمية بعدما تخصصت الجلسات الأولى في تناول التراث الإنساني العالمي، وركزت على المواقع الإنسانية العالمية بتراثها المادي وتكوينها الوجودي، انتقل المؤتمر لمعاينة التراث غير المادي، واستعرضت عبر 6 أطروحات مختلفة أهمية الفنون والموسيقى، الأدبيات، السلوكيات البشرية والمهن والحرف اليدوية في تشكيل بيئة مكانية خاصة وهوية إنسانية ملتصقة بتاريخ ما أو بمكان معين. وتناوب الخبراء في تقديم نماذج وقراءات مختلفة لواقع هذا التراث، منهم جعفر الجعفري أستاذ جامعة ويسكونسن ستاوت، مارينا ديوطاليفي رئيسة برنامج أخلاقيات السياحة وبعدها الاجتماعي بمنظمة السياحة العالمية، نائب رئيس شؤون الآثار بالهيئة العامة للسياحة والآثار بالمملكة العربية السعودية علي الغبان، وأميتافا بهاتاشاريا مؤسس ومدير موقع بانغلاناتاك في الهند، وهي كونغ شوي أمين عام الشبكة الدولية للحكومات المحلية لتعزيز وحفظ التراث الثقافي غير المادي في كوريا، ومنال سعد قلج المدير التنفيذي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.وركزت الجلسة الأخيرة على شمولية التراث غير المادي وأهميته في الترويج السياحي، خصوصاً أنه يتسع لمختلف الفنون الأدائية، الطقوس، الشعائر، التقاليد الشفهية، أساليب الطبخ، تفسير الطبيعة والكون وغيرها. وأشار الباحثون إلى ضرورة إدارة هذه المكونات بعناية وإدخالها في عمليات التنمية السياحية، نظراً لأهميتها في خلق فرص استثنائية وتنويع المنتجات، إلى جانب تقريب الشعوب واستخدام خطاباتها التعبيرية في الترويج للهوية.ترميم الآثاروكشف مستشار وزارة السياحة والآثار العراقية بهاء المياح لـ»الوطن»، التوصل لتفاهم بحريني عراقي حول الاتفاقات والمعاهدات الدولية المتعلقة بموضوع استرداد الآثار المسروقة من الدولتين.وقال المياح «نشهد قريباً موقفاً خليجياً موحداً في المحافل الدولية حول موضوع سرقة الآثار»، لافتاً إلى أن البحرين وافقت على مقترح العراق بما يعرضه على جامعة الدول العربية حول الاتفاقية الشاملة المتعلقة باسترداد الآثار المسروقة.وأضاف المياح «هناك اجتماع لوكلاء الآثار لدول الخليج العربي إضافة لمصر، يناقش رفض التوقيع على اتفاقية (اليونيدروا) لعام 1995، وهذا الاتجاه الذي تبنته العراق سابقاً، لأن الاتفاقية مجحفة بحقوق الدول التي تعرضت لسرقة ممتلكاتها الثقافية».واعتبر المياح المؤتمر مهماً جداً لتسليطه الضوء على قطاعي الآثار والسياحة، داعياً إلى ضرورة حفظ ثروات البلاد ومواقعها الأثرية والتراثية وصيانتها، وتشجيع قطاع السياحة للاستثمار في استخدام هذه المواقع بالشكل الأمثل.وأكد المياح أن المبادرة تأتي ضمن مبادرات واتفاقيات دولية لتسليط الضوء على هذا القطاع المهم، وتسهم في إشاعة مبادئ التفاهم بين الشعوب.وحول الثمار الفعلية لمثل هذه المؤتمرات أكد المياح «من خلال حديثي مع المسؤولين البحرينيين، وجدت أن المملكة تولي عناية لقطاع الآثار وتصونها بالشكل المطلوب وفقاً للمعايير الدولية، وبعد ذلك إدخال الثقافة ضمن خطتها للترويج السياحي». وقال المستشار الإعلامي لوزارة الثقافة د.إيلي فلوطي، إن الوزارة وضعت خطة ترويجية للمنامة عاصمة السياحة العربية 2013، باعتبارها مقصداً سياحياً لأبناء الخليج والعالم العربي والعالم أجمع.وأضاف أن الصحافيين جاؤوا من باريس ولندن وإسبانيا وإيطاليا ومصر والمغرب ولبنان لتغطية فعاليات مؤتمر السياحة، وبالمقابل نظموا جولات سياحية لمختلف مواقع البحرين الثقافية والتراثية.