كتب - حذيفة إبراهيم:لا يكاد والد الطفل «أ» يقضي ليلة واحدة دون كوابيس تقض مضجعه، وتعكر صفو نومه الهانئ، بعد أن اعتدى سائق سيارته على طفله الوحيد ولاذ بالفرار. فيما ترى الأخصائية النفسية د.بنة بوزبون، أن ارتفاع عدد البلاغات عن الاعتداءات الجنسية لا يعني بالضرورة ارتفاعها فعلياً، بل أرجعتها إلى زيادة الوعي المجتمعي بهذا الجانب.ويقول الطبيب النفسي محمد النفيعي، إن هناك ضعفاً في مناهج التربية الأسرية في البحرين، حيث لا تعالج القضايا والأمور النفسية أو الاعتداءات الجسدية والجنسية على الأطفال، بل تقتصر على أمور اعتيادية بسيطة غير ذات أهمية.كوابيس الليل والنهار«كوابيس بالليل وقلق في النهار» بهذه الكلمات بدأ والد الطفل «أ» (5 سنوات) حديثه مع «الوطن»، واصفاً ما حدث لطفله الوحيد بعد تعرضه لاعتداء جنسي من قبل السائق الخاص به قبل 8 أشهر.ويقول والد الطفل إنه لم يكن يتوقع أن يعتدى على طفله الوحيد، وكان يتصور أن الاعتداءات هذه تنتشر بالأوساط الفقيرة أو المتوسطة فقط، وغرضها وهدفها الحاجة المادية لا غير، أما أن «يصل البل إلى دقنه» فهذا ما لم يتصوره يوماً.وروى أنه عين لطفله «المدلل»، سائقاً ومربية آسيويان، ليتوليا الاهتمام به والعناية بشؤونه وإيصاله للروضة، حيث الوالد والوالدة مشغولان عنه في العمل من الصباح حتى الظهيرة.عندما قرر الوالد في يوم من الأيام تحميم طفله ـ حيث عادة ما تتولى المربية هذه المهمة ـ اكتشف وجود آثار غير طبيعية على جسد الطفل، فتسللت الشكوك إليه، وأخذ طفله إلى الطبيب، وصدم من أن تلك الآثار قد تكون ناجمة عن اعتداء جنسي.وأضاف أن الطبيب استنطق الطفل، ليجد أن السائق هو من فعلها، وبعد عودة الأب إلى المنزل ومواجهة السائق بالحقيقة هرب الأخير، ولم يعثر عليه من حينها، بينما أنهى هو عمل المربية والخادمة.وخوفاً من الفضيحة، قرر اللجوء إلى أحد المختصين بشكل خاص بعيداً عن أعين الجهات والمراكز الحكومية، وهو يعكف منذ الحادثة وحتى الآن على إزالة الآثار النفسية عن الطفل.وقال إنه لا يعلم كم مرة اعتدي على طفله، حيث لا يتذكر الطفل ذلك، وبحسب الفحوصات فإن الفعلة تكررت أكثر من مرة، ملقياً باللوم على نفسه ووالدته، حيث ظنا أن التدليل يكون بتوفير كل الحاجات المادية للطفل.وتابع «بعد هذا الدرس القاسي، لا أستطيع النوم بشكل جيد، كل يوم أحلم وكأني أرى طفلي يعتدى عليه، لا أعلم متى ينتهي هذا الكابوس».وتشير دراسة محلية شملت الأطفال المعنفين من عمر ساعة بعد الولادة ولغاية 17 عاماً، إلى تعرض 237 طفلاً لاعتداء جسدي و440 طفلاً لاعتداء جنسي خلال السنوات العشر الماضية، و أن الأطباء لاحظوا زيادة مضطردة في أعداد الأطفال المعنفين خلال السنوات الماضية سواء ممن تعرضوا للعنف الجسدي أو الجنسي.زيادة حالات التبليغوترى الأخصائية النفسية والأكلينية والتربوية د.بنة بوزبون أن ارتفاع عدد حالات التبليغ عن الاعتداءات الجنسية لا يعني بالضرورة ارتفاعها فعلياً، حيث من الممكن أن زيادة الوعي والإجراءات المتخذة من الجهات المعنية هي الكفيلة بزيادة عدد البلاغات.وقالت إن الاعتداءات الجنسية على الأطفال لا ترقى لمستوى ظاهرة، إلا بعد التأكد من الأرقام والإحصاءات الموزعة بين المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الشرطة وغيرها.وبينت أن الوعي بهذا الجانب ارتفع في الآونة الأخيرة، وكيفية التعامل معها، نظراً لدورات تخصصية تنظمها الجهات الحكومية والخاصة لتوعية الأهالي.وأضافت أن التحرش الجنسي بدأ يطفو على السطح، وعادة ما يستهدف الأطفال الأبرياء، لظروف خاصة أو أخطاء في التربية.وأردفت «من الأمور الواجب على الأهل اتباعها، إجابة الأطفال عن أسئلتهم البرئية بخصوص أعضائهم الحميمة، بدلاً من صدهم ونهرهم، وتربيتهم على تغطيتها وأنها أماكن لا يمكن لأي شخص لمسها أو الاقتراب منها، وعدم السماح إلا لوالدته أو والده بتنظيفه، ليتعود على خصوصية هذه الأعضاء».وأشارت إلى ضرورة تثقيفه جنسياً بما يتناسب مع مرحلته العقلية والمراحل العمرية له، بالإضافة إلى السماح له بالتعبير عن رأيه، والإفصاح عن كل ما يجول في خاطره أو يحدث له، دون زجره أو منعه، حيث من الضروري وجود لغة تحاور بين الآباء والأطفال.وقالت إن على الأهل أيضاً تعليم الطفل كلمة «لا»، والتي تبدأ من المنزل، ليرفض كل ما من شأنه الإضرار به أو ما لا يريده، حيث عادة ما يعلم الآباء أطفالهم على الخنوع والخضوع.ونبهت إلى أن الطفل بعد عمر 5 سنوات يمكن تعليمه الأمور الحساسة، والوسائل الذكية للدفاع عن نفسه كالصراخ والرفض والتحذير وغيرها، فضلاً عن الهروب، وتعليمه النظرة البريئة واللمسة الصحيحة من الخاطئة ليأخذ حذره، باتباع أسلوب تعليم خاص.وأضافت أنه من الضروري أيضاً تعليم أولياء الأمور كيفية التعامل مع أي خبر سيء يقوله لهم الطفل، لمنع حدوث ردة فعل عكسية لدى الأطفال.وقالت إن التعامل مع الحالات المتعرضة للاعتداء ضروري، حيث تستمر أعراضها حتى سن متأخرة.واستشهدت بإحدى الحالات التي واجهتها، حيث لم يستطع شخص أجنبي الزواج أو تأدية واجباته الزوجية، نظراً لتعرضه إلى اعتداء جنسي من والده، استمر الاعتداء حتى بلوغه سن 14 عاماً، مشيرة إلى أن الطفل كان يعتقد أن الممارسة الجنسية تقتصر من الوالد تجاهه.وأضافت أن الحالة استمرت مع الشخص حتى بلغ 28 عاماً، وعند زواجه لم يكن يواجه مشكلة عضوية تمنعه من تأدية واجباته الزوجية، إلا أن الأعراض النفسية استمرت، مشيرة إلى أن معالجة الكبار تحتاج وقتاً أطول إلا أنه «ليس مستحيلاً».أعراض الاعتداءوحول ما يظهر على الطفل في حالة الاعتداء عليه جنسياً، قالت بوزبون إن الطفل يبدأ برفض المشاعر وعدم الارتياح للآخرين بشكل مفاجئ، بالإضافة إلى مشاكل في النوم وكوابيس، مع رفض الطفل المعتدى عليه عادة النوم في الظلام، خصوصاً إذا تعرض للاعتداء في ظروف مشابهة.وتابعت أن إصابة الطفل فجأة بالتبول اللاإرادي أو التعلق الشديد بالوالدين هي من الأعراض النفسية للاعتداء، فضلاً عن كثرة الخوف من كل ما هو جديد، والسرحان، والتغير المفاجئ في سلوكه وميلانه نحو الانعزال، والتأخر في الدراسة وضعف الثقة بالنفس والسلوك العدواني المفاجئ، والبكاء الشديد.أما عن الدلائل الجسدية، فأشارت إلى أن الصعوبة في المشي أو الجلوس، أو جود ملابس ممزقة أو أثار دماء أو خروج أو غيرها، فضلاً عن الإحساس بالألم في المناطق الحساسة، وظهور مشكلات في تلك المناطق. وحذرت من أن استمرار الاعتداء على الأطفال، قد يحول الطفل لاحقاً إلى شخص «جاني» يعتدي بدوره على الآخرين جنسياً، أو إصابته بفضول جنسي كبير، مشددة على ضرورة معالجته عند الأطباء النفسيين الخاصين.ونبهت إلى أن المعالجة لدى أشخاص غير مختصين قد يأتي بنتائج «عكسية» أو دخوله في صدمة جديدة.ضعف مناهج التربية الأسريةبدوره قال الطبيب النفسي محمد النفيعي إن هناك ضعفاً في مناهج التربية الأسرية في البحرين، حيث لا تعالج القضايا والأمور النفسية أو الاعتداءات التي قد يتعرض لها الطفل، إذ تقتصر على أمور اعتيادية بسيطة ليست ذات أهمية.وتابع «كما يجب أن تكون مناهج التربية الإسلامية مشتملة على أمور لتوعية الأطفال بأخلاقيات تعتبر من صلب الدين الإسلامي، وهي من أهم ما يجب تدريسه للأطفال في المراحل الأولى، فضلاً عن كيفية التعامل مع الأخوان والأهل والأصدقاء، وغيرها من الأخلاق الإسلامية الحميدة».وأوضح أن «زيادة الاعتداءات بأنواعها دليل على ضعف أو غياب الوازع الديني، ولو أجرينا تحليلاً لمن تم الاعتداء عليهم جسدياً أو جنسياً، نجد أن الأقرباء هم أكثر من تورطوا في ذلك».وأكد أن الأطفال الصغار لا يستطيعون الاتصال بخط النجدة لطلب المساعدة، نظراً لصغر سنهم، فضلاً عن عدم وجود حملات مكثفة على البحرين بشكل كامل لتوعية الأطفال المعنيين بذلك الرقم، وتم الاكتفاء بوضع لوحات إعلانية في الشوارع أو الأخبار الرسمية، حيث كان من المفترض أن تجرى تلك الحملات في المدارس لجميع الطلبة دون استثناء.ونوه إلى أن الأطفال المعتدى عليهم وهم صغار لا يعرفون لمن يلجأون، إذ يخافون العواقب، فضلاً عما يصيبهم من خجل وحرج، إضافة إلى تلقيهم تهديدات من قبل المعتدين عليهم.ودعا النفيعي إلى تفعيل دور الإشراف الاجتماعي في المدارس بشكل أكبر، سواء من خلال تعيين المختصين في ذلك المجال، أو وضع العدد الكافي لمتابعة الطلبة وشؤونهم، وأن يكون المشرف الاجتماعي هو المبادر للطالب والقريب منه، حيث لن يبادر الطفل المعتدى عليه بأي نوع من الاعتداء إلى الحديث.ونصح بتدريب المدرسين وإعطائهم الدورات اللازمة في فهم تغيرات سلوك الطفل، سواء من خلال عصبيته أو مستواه الدراسي، أو خوفه وشرود ذهنه، وغيرها من علامات بارزة يصاب بها الطفل المعتدى عليه.وأكد وجود عشرات الحالات الأخرى التي لم يتم اكتشافها أو الكشف عنها، بسبب إخفاء يتعمده الضحية خوفاً من التهديد أو الفضيحة، ما يستدعي أن يتم البحث وراءهم لمعالجتهم، وتغيير سلوكياتهم.وأكد أن رعاية الطفل تكون بثلاث مراحل، الأولى منع الاعتداء عنه، وفي حال الفشل في ذلك، يأتي الخط الآخر وهو معرفة من تم الاعتداء عليه، أما الخط الثالث فيكون في العلاج، إلا أنه من الصعب علاج الشخص المعتدى عليه جنسياً بشكل كامل.مراكز لإيواء الأطفالوحول الخطوات المتخذة في البحرين للأطفال المتعرضين للعنف، أكد محمد النفيعي أنه يتم تحويل الطفل لمركز حماية الطفل، حيث يجرون له تحليلاً كاملاً، ومن ثم تصنيف الحالة ومتابعة العلاج، أو إحالة القضية إلى النيابة العامة.وأردف «المشكلة تحدث حينما يكون المعتدي من الأهل أو الأقرباء، حيث تتنازل العائلة إلا أن شرخاً كبيراً يحدث فيها، وقد تتسبب بمشاكل كبيرة داخل العائلة».وأكد أن غالبية حالات الاعتداء تكون لدى الطبقة الكادحة أو الفقيرة، حيث عادة ما يكون ذوو الطفل منشغلين بجلب لقمة العيش، وبسبب ما يتعرضون له من ضغط، فضلاً عن إهمال يطال هؤلاء الأطفال.وشدد على أن واجب الدولة توفير مراكز تؤوي الأطفال وتخرطهم في المجتمع، وتوفر لهم الرحلات وكل تلك الأمور بشكل مجاني، فضلاً عن كونها طوال العام وليست في الإجازة الصيفية فقط.قانون الطفلوافتتحت وزارة التنمية الاجتماعية العديد من المراكز الاجتماعية في المملكة في جميع المحافظات، سواء مركز «تنمية الطفولة» أو «نادي الأطفال والناشئة»، فضلاً عن باقي المراكز الاجتماعية.وتستهدف تلك المراكز العديد من الفئات العمرية من الطفولة، إلا أنه لا يوجد مركز لرعاية الأطفال ما دون 3 أعوام.وفيما يخص الاعتداء على الأطفال، تنص المادة 44 من قانون الطفل على أنه «يقصد بسوء المعاملة في تطبيق أحكام هذا القانون، كل فعل أو امتناع من شأنه أن يؤدي إلى أذىً مباشر أو غير مباشر للطفل يحول دون تنشئته ونموه على نحو سليم وآمن وصحي، ويشمل ذلك سوء المعاملة الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الإهمال أو الاستغلال الاقتصادي (....)، ويقصد بسوء المعاملة الجنسية، تعريض الطفل لأي نشاط جنسي، بما في ذلك إظهار العورة أو المداعبة أو الإيلاج (الفرجي أو الشرجي) أو الشروع فيه أو تعريض الطفل لمشاهدة الأفلام أو الصور الإباحية أو استخدامه في إنتاجها أو توزيعها بأي شكل».بينما أكدت المادة 45 أنه «استثناءً من أحكام المادة (9) من قانون الإجراءات الجنائية، لا يشترط لرفع الدعوى الجنائية المتعلقة بسوء معاملة الطفل الجسدية أو الجنسية تقديم شكوى شفهية أو كتابية إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي، ولا يجوز في جميع الأحوال التنازل عن الدعوى الجنائية المتعلقة بسوء معاملة الطفل، وإذا وقع سوء معاملة الطفل الجسدية أو الجنسية من الوالدين أو ممن يتولى رعايته، تولت النيابة العامة تعيين من يمثل الطفل قانوناً».وتشير المادة (52) إلى أنه «يجب إجراء الفحص الطبي الشرعي والنفسي وتقييم حالة الطفل الذي تعرض لسوء المعاملة وإجراء التحقيق معه في مقر مركز حماية الطفل وعدم انتقاله إلى مكان آخر إلا في حالات الضرورة، ويجب فحص الطفل للأمراض المنقولة جنسياً واتخاذ كافة التدابير اللازمة لعلاجه».