أكد علماء ودعاة أن «تقوى الله هي سفينة النجاة ومفتاح كل خير، لأنها الغاية العظمى، والمقصد الأسمى من العبادة، فهي تشتمل على محاسبة دائمة للنفس، وخشية مستمرة لله، وحذر من أمواج الشهوات والشبهات التي تعيق من أراد السير إلى ربه»، فيما حذروا من «انتهاك حرمات الله في الخلوات بعيداً عن أعين الخلق»، داعين إلى «ضرورة التزام تقوى الله في السر والعلن». واستشهد العلماء «بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».وذكر العلماء أن «التقوى وصية الله للأولين والآخرين من خلقه، قال تعالى: «ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله»، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لجميع أمته، ووصية السلف بعضهم لبعضهم، فلا عجب إذا أن يبتدئ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحته لمعاذ بن جبل وأبي ذر رضي الله عنهما». وقد فسر الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه التقوى بقوله «التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل».وشدد العلماء على أن «التقوى ليست كلمة تقال، أو شعاراً يرفع، بل هي منهج حياة، يترفع فيه المؤمن عن لذائذ الدنيا الفانية، ويجتهد فيه بالمسابقة في ميادين الطاعة، ويبتعد عن المعاصي والموبقات، وقد جسد أبي بن كعب رضي الله عنه هذا المعنى لما سئل عن التقوى؟ فقال: «هل أخذت طريقاً ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى».ومن تمام التقوى، أن يترك العبد ما لا بأس به، وأن يتقي الشبهات خشية أن يقع في الحرام.وقد يظن ظان أن المتقي معصوم من الزلل، وهذا خطأ في التصور، فإن المتقي قد تعتريه الغفلة، فيقع في المعصية، أو يحصل منه التفريط في الطاعة، وهذه هي طبيعة البشر المجبولة على الضعف، ولكن المتقي يختلف عن غيره بأنه إذا تعثرت به قدمه، بادر بالتوبة إلى ربه، والاستغفار من ذنبه، ولم يكتف بذلك، بل يتبع التوبة بارتياد ميادين الطاعة، والإكثار من الأعمال الصالحة، كما أمره ربه في قوله: «وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين»، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها». وفي هذا الصدد، قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله «هذا حديث عظيم جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حق الله وحقوق العباد، فحق الله على عباده، أن يتقوه حق تقاته، فيتقوا سخطه وعذابه باجتناب المنهيات وأداء الواجبات، وهذه الوصية هي وصية الله للأولين والآخرين، ووصية كل رسول لقومه أن يقول «اعبدوا الله واتقوه»».وأضاف الشيخ السعدي أن «الإسلام وصف المتقين بالإيمان بأصوله، والصبر في البأساء والضراء وحين البأس، وبالعفو عن الناس، واحتمال أذاهم، والإحسان إليهم، وبمبادرتهم إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم بالاستغفار والتوبة، فأمر صلى الله عليه وسلم ووصى بملازمة التقوى حيثما كان العبد في كل وقت وكل مكان، وكل حالة من أحواله، لأنه مضطر إلى التقوى غاية الاضطرار، ثم لما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير في حقوق التقوى وواجباتها أمر صلى الله عليه وسلم بما يدفع ذلك ويمحوه، وهو أن يتبع الحسنة السيئة، «والحسنة» اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله تعالى، وأعظم الحسنات الدافعة للسيئات التوبة النصوح والاستغفار والإنابة إلى الله بذكره وحبه، وخوفه ورجائه».وتابع الشيخ السعدي «من الحسنات التي تدفع السيئات، العفو عن الناس، والإحسان إلى الخلق، وتفريج الكربات، والتيسير على المعسرين، وإزالة الضرر والمشقة عن جميع العالمين. قال تعالى «إن الحسنات يذهبن السيئات». وقال صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر»، ثم لما ذكر حق الله وهو الوصية بالتقوى الجامعة لعقائد الدين وأعماله الباطنة، والظاهرة قال «وخالق الناس بخلق حسن».ورأى الشيخ السعدي أن «أول الخلق الحسن أن تكف عنهم أذاك من كل وجه، وتعفو عن مساوئهم وأذيتهم لك، ثم تعاملهم بالإحسان القولي والإحسان الفعلي، وأخص ما يكون بالخلق الحسن، سعة الحلم على الناس، والصبر عليهم، وعدم الضجر منهم، وبشاشة الوجه، ولطف الكلام، ومن الخلق الحسن أن تعامل كل أحد بما يليق به، ويناسب حاله من صغير وكبير، وعاقل وأحمق، وعالم وجاهل».وللأخلاق الفاضلة مكانة عظيمة في شريعتنا، فإنها تثقل ميزان العبد يوم الحساب، ويبلغ بها درجة الصائم القائم، وهي سبب رئيس في دخول الجنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: «تقوى الله، وحسن الخلق».من جهته، حذر الداعية محمد حسان من «انتهاك حرمات الله في الخلوات بعيدا عن أعين الخلق»، داعياً إلى «ضرورة اتباع تقوى الله في السر والعلن». وذكر الشيخ محمد حسان بحديث الرسول الكريم عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة ‏بيضاً، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً». قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم ‏لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم. قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ‏ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها» والمراد ‏بهؤلاء: من يبتعد عن المعصية ويتظاهر بالصلاح مراعاة للناس، وأمام أعينهم، وبمجرد ‏أن يخلو بنفسه ويغيب عن أعين الناس سرعان ما ينتهك حرمات الله، فهذا قد جعل ‏الله سبحانه أهون الناظرين إليه، فلم يراقب ربه، ولم يخش خالقه، كما راقب الناس ‏وخشيهم.‏وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت»، تنبيه للمؤمن على ملازمة التقوى في كل أحواله، انطلاقاً من استشعاره لمراقبة الله له في كل حركاته وسكناته، وسره وجهره، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت» إشارة إلى حقيقة التقوى، وأنها خشية الله في السر والعلن، وحيث كان الإنسان أو صار، فمن خشي الله أمام الناس فحسب فليس بتقي، وقد قال تعالى في وصف عباده المؤمنين: «من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب، ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود».ولئن كانت التقوى صلة مع الله تبارك وتعالى، وتقربا إليه، فهي أيضاً إحسان إلى الخلق، وطيبة في التعامل، وإعطاء كل ذي حق حقه، وهكذا يظهر لنا التكامل والتناسق في القيم الإيمانية، فإن الأخلاق الحميدة رافد من روافد التقوى، وشعبة من شعب الإيمان.ودعا الشيخ حسان الى «اتباع طريق الحسنات والخيرات والابتعاد عن طريق الشرور والآثام»، فيما حث على «ضرورة أن يكون المسلم حسن الخلق في تعاملاته مع كافة البشر».