قال علماء إن «هناك علاقة قوية بين توحيد الله، والاستغفار وطلب التجاوز والعفو منه جل وعلا، فالتوحيد يذهب أصل الشرك، والاستغفار يمحو فروعه»، مشيرين إلى أن «شمول اقتران الاستغفار بشهادة أن لا إله إلا الله، وشمول دائرة التوحيد والاستغفار، للخلق كلهم، فحق الله أن نوحده ولا نشرك به شيئاً، ومقتضى الإنسانية أن نستغفر الله من ذنوبنا وخطئنا وتقصيرنا، وبهاتين العبادتين يحصل الفلاح للعبد وتتحقق له النجاة».وأضافوا أن «هناك رابطة متينة، قامت بين شهادة أن لا إله إلا الله، وبين الاستغفار. ولنتأمل كيف ذكر الله سبحانه وتعالى هذين الأمرين في سياقٍ واحد في قوله تعالى «فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات»، ثم لننظر كيف اشتملت الآية السابقة على هاتين العبادتين، وما جمع الله بينهما إلا لينبه عباده على التلازم والتوافق الحاصل بينهما».وفسر العلماء تلك العلاقة بقولهم إن «التوحيد سبب في تحصيل الخيرات بأنواعها، والاستغفار سبب في محو الذنوب التي تسوء الإنسان في دنياه وأخراه، فيتحصل من هاتين العبادتين، تحقيق الخير بأنواعه، وإزالة الشر بأصنافه». وفي هذا المعنى، قال شيخ الإسلام العلامة ابن تيمية رحمه الله «التوحيد هو جماع الدين الذي هو أصله وفرعه ولبه، وهو الخير كله، والاستغفار يزيل الشر كله، فأبلغ الثناء قول لا إله إلا الله، وأبلغ الدعاء استغفر الله».ورأى العلماء أن «تحقيق التوحيد الخالص يقتلع من القلب شجرة الشرك الخبيثة من جذورها، وأما الاستغفار فيمحو الذنوب والعثرات التي هي من عوالق الشرك، فالتوحيد يذهب أصل الشرك، والاستغفار يمحو فروعه، ولذلك نجد أن الحديث القدسي تعرض لهاتين القضيتين في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة».وفي هذا الصدد، قال الإمام ابن القيم «يستغفر العبد ربه، فيرفع المانع ويزيل الحجاب الذي يحجب القلب عن الوصول إليه، فإذا وصل القلب إليه، زال عنه همه وغمه وحزنه»، ولعل ذلك هو ما جعل من دعوة سيدنا يونس عليه السلام خير ما دعا بها أهل البلاء والكروب، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط، إلا استجاب الله له». ثم نجد هذه الرابطة المهمة في حديث اشتهر وعرف باسم سيد الاستغفار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «سيد الاستغفار أن تقول، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»، وعلق علماء على الحديث بقولهم «جمع في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله بالعبودية، والإقرار بالعهد الذي أخذ عليه، والرجاء بما وعده به، والاستغفار من شر ما جنى العبد على نفسه». من جهته، قال الشيخ محمد المنجد إن «الاستغفار طلب المغفرة بالمقال والفعال، وسؤال المغفرة التي هي في الأصل الستر، والمراد بها عندما يطلبها العبد من ربه التجاوز عن الذنب وعدم المؤاخذة به، وستره وعدم الفضيحة به، فهي عبادة جليلة مقترنة بالتوحيد، فقوام الدين بالتوحيد والاستغفار». وجرت العادة في العُرف الشرعي أن تختتم العبادات بالدعاء المتضمن لطلب التجاوز من الله تعالى، خاصة لما يقع من الإنسان من الخطأ والتقصير، الأمر الذي يوضح ويبرز هذا التلازم جلياً واضحاً. وقد تجاوز الأمر دائرة العبادات ليشمل مجالس الناس التي يحدث فيها اللغو والكلام، فجاءت السنة لتقرر ختم المجالس بالدعاء المشتمل على شهادة التوحيد والاستغفار، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك».