^  عرف مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، وعبر هذه السنوات الممتدة منذ العقد السادس من القرن الماضي، الكثير من التطوير والتنقيح، فوضعت له العديد من المعايير التي تقيس مستوى الأداء، ودرجة التقيد، تلخص رقية عيران، ما تعتبره أساسياً منها لضمان نجاح قيام الشركات بدورها في المسؤولية الاجتماعية على الوجه الأمثل، مثل: 1. الاحترام والمسؤولية، بمعنى احترام الشركة للبيئة الداخلية (العاملين)، والبيئة الخارجية (أفراد المجتمع). 2. دعم المجتمع ومساندته. 3. حماية البيئة، سواءً من حيث الالتزام بتوافق المنتج الذي تقدمه الشركة للمجتمع مع البيئة، أو من حيث المبادرة بتقديم ما يخدم البيئة ويحسن من الظروف البيئية في المجتمع ومعالجة المشاكل البيئية المختلفة. ويشاركها في وضع هذه المعايير، وبدرجة عالية جاغديش باغواتي، وهو أستاذ القانون وعلم الاقتصاد في جامعة كولومبيا، وخبير مشهور في التجارة الدولية، وشغل المناصب الاستشارية العليا لمنظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة، حين يقسم المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى فئتين الأولى التي تحدد “ما ينبغي للشركات أن تفعل (ولنقل المساهمة في إحدى المنظمات غير الحكومية لحقوق المرأة أو بناء مدرسة في إحدى القرى)، والثانية “ما لا ينبغي لها أن تفعل، ولنقل تصريف الزئبق إلى مجاري الأنهار أو دفن مواد خطرة في مدافن القمامة”. وهنا لا يمكننا تجاوز الاتفاق العالمي الذي اقترحه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لأول مرة في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في 31 يناير 1999، وتم إطلاق المرحلة التنفيذية منه في 26 يوليو 2000. فقد طالب كوفي أنان، كما ينقل موقع “المسؤولية الاجتماعية للشركات - قطر (www.qatarcsr.com) “قادة الأعمال بالانضمام إلى المبادرة الدولية -الاتفاق العالمي- التي تجمع الشركات بهيئات الأمم المتحدة ومنظمات العمل والمجتمع المدني لدعم المبادئ العشرة في مجالات حقوق الإنسان والعمل والبيئة، بجعل الاتفاق العالمي ومبادئه جزءاً من استراتيجية القطاع العام وعملياته، وتيسير التعاون فيما بين أصحاب المصالح الرئيسيين وتعزيز الشراكات دعماً لأهداف الأمم المتحدة”. وبطبيعة الحال لم يكن في وسع البلاد العربية أن تكون بعيدة عن هذه الظاهرة، رغم أن مستوى تنفيذها، كما يقول عنها الباحث الاقتصادي حسين عبدالمطلب الأسرج، “لم يصل بعد إلى ما وصل إليه في الدول الكبرى.. وخاصة بعد تقلص دور الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العقود الأخيرة من القرن الماضي”. ويرى الأسرج “أن هذا الدور مازال في طوره الأول دون تطور فعال”. يشاطره هذا الرأي، وإن كان من زاوية مختلفة، رجل الأعمال الكويتي محمد الشايع، الذي شدد في كلمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في شرم الشيخ في 2010 على “أن المشكلة لا تكمن في عدم استعداد الشركات المحلية للمشاركة في مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات بل في نظرتها إلى هذه المشاريع على أنها جهود خيرية تتم لمرة واحدة. وتركزت معظم المساهمات حول إعلان منح الهبات والكثير من حملات الأيام الخيرية”. ولعل الأمر المتفق عليه، كما بدا واضحاً في ذلك المنتدى هو ازدياد الحاجة في البلد العربية “لمزيد من التنمية في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات”. وضرورة نبذ التفكير، كما كرر في المنتدى ذاته، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكس فادي غندور، “في المسؤولية الاجتماعية كمؤسسة خيرية ولكن بوصفها أداة مالية، مشدداً على الاستثمار هي الكلمة الأهم هنا، وليست المسؤولية الاجتماعية للشركات، فهي ليست عملاً خيرياً بل هي استثمار في المجتمع”. لكن ذلك لا ينفي وجود بعض المبادرات التي ينبغي النظر لها بشيء من الموضوعية، البعيدة عن التفاؤل المفرط، أو التشاؤم غير المبرر. فعلى مستوى خلق الوعي المطلوب هناك مدونة “جيران”، (www.jeeran.com) المتخصصة في موضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات، التي يشرف عليها المدون السعودي عمر الزريق، والغنية بموضوعات تعالج المفهوم، وتتحدث عن السياسات الممارسات ذات العلاقة به. كذلك الأمر في الأردن حيث يمارس “المنتدى الأردني لمسؤولية الشركات الاجتماعية”، دوراً من الخطأ التقليل من أهميته في مجال “نشر ثقافة مواطنة الشركات والممارسات الأفضل للمسؤولية الاجتماعية، وتوفير بيئة وأدوات عمل محفزة للمبادرات الاجتماعية للشركات”. وعلى مستوى تفعيل هذا المفهوم يمكن الإشارة إلى التجربة البحرينية، حيث شكلت لجنة فنية منبثقة عن وزارة الصناعة والتجارة “لدراسة مشروع المواصفة الدولية للمسؤولية الاجتماعية ISO 26000، وذلك تجاوباً مع ما أعلنته المنظمة الدولية للتقييس (آيزو)”. وهناك موقع شبكة قطر للمسؤولية الاجتماعية (www.qatarcsr.com) الذي يحتل منزلة بين منزلتين، الأولى توعوية حيث إن يصنف نفسه على أنه “موقع متخصص بالأخبار المتعلقة بالأنشطة الاجتماعية والبيئية والتنمية المستدامة التي تقوم بها المؤسسات الحكومية والخاصة ورجال الأعمال في دولة قطر”، لكنه في الوقت ذاته يتيح “المجال للشركات والمؤسسات لتنظيم عملها وأنشطتها الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية المتعلقة بالعاملين داخل المنشأة أو خارجها، ورسم وتنفيذ الخطط والمشاريع الاجتماعية وتقديم الاستشارة الخاصة بها”. ولا بد لنا هنا من التوقف عند تجربة شركة “تمكين للحلول المستدامة” السعودية، فهي كما تقول عن نفسها إنها “أول شركة سعودية متخصصة في المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة في المملكة العربية السعودية وتعمل الشركة مع القطاعين العام والخاص لتقديم استشارات، تهيئة كفاءات، وتقديم برامج مستدامة للمسؤولية الاجتماعية للشركات. وتحصر تمكين مهمتها في “العمل على خلق بيئة صحية للشركات في السعودية لدعمهم على مواكبة التغيرات الاقتصادية والتجارية، وذلك من خلال تصميم استراتيجيات مبتكرة وإيجاد حلول لمساعدة الجهات المعنية”. ونجحت تمكين في بناء شراكات، وقنوات تعاون مع شركات ومؤسسات إقليمية ودولية من مستوى “شركة الغد، iiiee،ConNexis، معهد البنك الدولي، مؤسسة الحريري، المجموعة الاستشارية للاستدامة، ودي إن ?ي”.