^ شخصياً لا أستسيغ كثيراً مصطلح الاستخدامات المتسرعة والسطحية لمصطلح التسامح في سياقه المتداول عندنا، لأن هذا الاستخدام يحيل في الكثير من الأحيان إلى مفهوم العفو (عند المقدرة) أو تنازل الأقوياء، بمعنى (الأكثرية طائفياً أو دينياً أو سياسياً..) لصالح الأقليات عن أمر ما مجاملة أو ادعاء أو كجزء من البروباغندا السياسية، بما يفقد التسامح معناه، خصوصاً ومن الوجهة الدينية، حيث يبدو التسامح ثابتاً من ثوابت جميع الديانات السماوية، مع أن أغلب المجازر التي حدثت في التاريخ القديم والحديث قد تمت بناءً على اعتبارات دينية وطائفية. لكن من الوجهة المدنية يشير المفهوم -وهذا هو المهم- إلى إجازة السلطة لممارسة دين يختلف عن الدّين الرّسمي للدولة، بمعنى الترخيص والتّساهل والمعاملة بالمثل، والترخيص المتبادل بحق الاختلاف بما يؤسس للشراكة التي تشجّع دون تعال ولا شعور بالنقص. إن أسوأ الإحالات هي تلك التي ترتبط بما يسمى بالتسامح مع المختلف في الدين أو المذهب، لأن مفهوم التسامح هنا، يطرح ضمن موقف الناس الذين هم في المراكز القوية، بمن فيهم السياسيون الحكوميون، ورجال الدين وما يمكن أن يسمى بالأغلبية الدينية أو القومية أو الطائفية إزاء الناس الذين هم في مواقع أقلية؛ في حين ليس هذا هو المقصود في الأصل، إنما المقصود هو القبول بالرأي والرأي الآخر، أي الاتفاق على علوية الحرية والحق في الاختلاف عن السائد، وعما هو رسمي ومستقر من الآراء، والأفكار والعقائد -وفقاً للقانون- دون عنف، وهذه الصياغة هي الأقرب إلى السياق الذي نقصده، وإذا كان للناس ذوي القناعات الدينية والأيديولوجية والسياسية المختلفة أن يعيشوا معاً في مجتمع ديمقراطي تعدُّدي، خاصة في مجتمعات متعدِّدة الثقافات إلى مدى يتزايد باضطراد، يتحقَّق فيه خلال فترة طويلة تنوُّعٌ في الفوارق الدينية والمذهبية، فإن ذلك يجعل من حرية المعتقد والرأي والموقف ضرورة قصوى، لا تستقيم الديمقراطية بدونها. وقد شهد المفهوم تطوّراً واضحاً في العصر الحديث ليتسع إلى معنى حرّية الآخر، ليس فقط في الحقل الديني، بل كذلك فيما يتعلّق بالآراء والقناعات الفلسفية والسياسية والشخصية، حيث تم تنزيله منزلة الحق المقدس وليس منزلة المنة التي يتفضل بها طرف قوي لصالح طرف ضعيف، بما يوجه البشر إلى الاعتراف بالآخر دون حجب حق الاختلاف في الفكر وفي الممارسة في إطار القانون الجامع الذي يحكم سلوك الأفراد في الدولة المدنية، بل إن الفكر الإنساني تطور اليوم إلى ما هو أبعد من ذلك باعتبار الاختلاف مصدر ثراء وغنى، وهو بهذا المعنى مطلوب لذاته، ومطلوب لما يسهم به من طاقة فاعلة على مستوى الإبداع والثراء الفكري والثقافي وحتى الاقتصادي، ونرى اليوم العديد من الدول المتقدمة تستمد جزءاً من غناها من التعدد والتنوع الثقافي والعرقي والديني، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فالتنوع إذا ما تم استثماره في مناخ الحرية والقانون، يمكن أن يتحول إلى طاقة فاعلة. ^ همس.. بدأت الدعوة إلى التسامح تأخذ بعدها العالمي الرسمي منذ أن بدأت المواثيق الدولية تذكرها أو تشير إليها في نصوصها بدءاً من ميثاق الأمم المتحدة ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأثمرت الجهود الدولية بشأن نشر ثقافة التسامح عن صدور “إعلان مبادئ التسامح” عن المؤتمر العام لليونسكو في عام 1995 وإعلان عام 1996 عاماً دولياً للتسامح، واكتسبت الدعوة الدولية للتسامح زخماً ملحوظاً على أثر تصاعد أحداث العنف والإرهاب وكراهية الأجانب وسوء معاملة الأقليات ورواج بعض نظريات الصدام الثقافي – الحضاري خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر.
التســـــامـــــح أم القبـــول بــالحـق فـي الاختــلاف؟!
15 أبريل 2012