دشنت أمس في بيت القران « وثيقة مؤسسات المجتمع المدني للتسامح الديني والمذهبي، بالتوافق مع ذكرى ميثاق العمل الوطني، لترفع إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بعد طرحها أمام الجمهور للتوقيع عليها. وقال رئيــس مجلـس النـواب خليفة الظهراني إن مملكة البحرين وطوال تاريخها ضربت مثلاً رائعاً في التعايش المشترك والتسامح واحترام الآخر بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه ومذهبه، مشيراً إلى أن المشروع الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك، أكد من خلال ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين على هذه القيم وسعى إلى ترسيخها في المجتمع، وعلينا جميعاً أن نؤكد أن التنوع العرقي والديني والمذهبي والفكري يجب أن يكون عامل قوة وإثراء لبلدنا يدفعنا إلى مزيد من الإنجازات، وأن الوطن ووحدته وعروبته وسيادته وحمايته من أية تدخلات خارجية وشرعية الحكم والميثاق والدستور هي أمور لا يجب المساومة عليها أو القبول بالمساس بها تحت أي ظرف.وأضاف الظهراني: من دواعي سروري واعتزازي أن أقف اليوم بين هذه النخبة الخيرة من أبناء البحرين وبناتها ممثلي مؤسسات المجتمع المدني الذين تنادوا للعمل من أجل البحرين والحفاظ على السلم الاجتماعي وروابط الأخوة وقيم التسامح والمودة والعيش المشترك بين أبناء الشعب الواحد بكل مكوناته وأطيافه وتلاوينه. وديننا الإسلامي الحنيف وقبل أربعة عشر قرناً أكد على القيم الأصيلة في المودة والرحمة والإخوة والعيش المشترك دون تفرقة أو تمييز على أساس الجنس أو العرق أو اللون ووضع أسمى القواعد في التعامل بين بني الانسان، حيث قال عز من قائل في محكم التنزيل العزيز (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير). وأضاف الظهراني أن ما جاء في الكثير من قواعد الشرعية الدولية التي وجدت بعد قيام الأمم المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية والتوقيع على ميثاقها إنما هو ترديد لما رسخه ديننا الحنيف في نفوسنا، وأن البشرية مازالت تنهل من هذه المبادئ والقيم السامية التي جعلت من التسامح قضية أخلاقية وضرورة مجتمعية وسبيل أمثل لضبط الاختلاف وإدارته.من جهته قال مدير مركز الأمم المتحدة في الخليج العربي، ومقره البحرين نجيب فريجي: من حسن الطالع أن يأتي جمعنا اليوم مع ذكرى يوم الميثاق الوطني في مملكة البحرين ومع يوم الجمعة جعله الله مباركاً على الجميع، وغداة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، وهو حدث سنوي تحتفل به دول العالم خلال الأسبوع الأول من فبراير من كل عام على أساس أن التفاهم المتبادل والحوار بين الأديان يشكلان بعدين هامين من الثقافة العالمية للسلام والوئام بين الأديان، كما يتزامن جمعنا مع «عيد الحب».وأكد أن مملكة البحرين في هذا السياق الروحي الوطني الأممي الكوني الإنساني تنشر من «بيت القران» هذا البيت المبارك رسالتنا جميعا رسالة الانسجام والوئام والتسامح من خلال ممثلي منتسبي كنائس ومساجد ومعابد، وذلك تمشياً مع أعمق مفاهيم وقناعات وتقاليد كل الأديان المنزلة السمحة.وأضاف أننا بحاجة إلى أن نرعى ثقافة التسامح عن طريق تعزيز التفاهم والاحترام بدءاً بالبرلمان وانتهاءً بالشارع، وعلينا أن نعالج حالة عدم المساواة التي تتعاظم، وأن نرفض الاستبعاد الاجتماعي على أساس نوع الجنس أو الإعاقة أو الخلفية العرقية أو الدينية، مؤكدا أن التسامح هو أقوى أساس للسلام والمصالحة سيما في عصرنا الراهن، داعياً الله تعالي أن يحفظ مملكة البحرين وبلداننا العربية والإسلامية وكل بلدان العالم من كل أذى، في ظل قيم السلام التي رددها باللغات «العربية والإنجليزية والعبرية».من جانبه أكد راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في البحرين القس هاني عزيز أن شعب البحرين الكريم بكل أطيافه هو الضامن والغطاء الرئيس لميثاق العمل الوطني، وأبعث تهنئة إلى مقام عاهل البلاد المفدى وشعب البحرين بهذه المناسبة الغالية والعزيزة على قلوبنا. وأضاف عزيز أن يوم الميثاق هو يوم العهد بين القيادة وشعب البحرين الكريم الذي صوت بنسبة 98.4 في المائة على الميثاق الذي شكل أساساً للمشروع الإصلاحي الذي يتطور من ذاته مع تعدد السنوات، داعياً إلى العمل كوحدة واحدة حتى تصل المملكة إلى صدارة البلدان المتقدمة حيث تمتلك جميع وسائل التطور من خلال الحكم الرشيد والشعب في ظل منظومة تشريعية وقانونية راقية.وأضاف أن دورنا أن نفعل الوحدة التي خلقنا الله عليها حيث خلقنا من تراب واحد، كما أننا ننتسب جميعاً إلى «آدم وحواء»، ونحافظ عليها برباط السلام.من جهته أكد ابراهيم نونو، ممثلاً عن الديانة اليهودية إن وثيقة التسامح التي تدشن اليوم هي التواصل بين الماضي والحاضر، ومملكة البحرين تؤخذ بالاهتمام فيها وتفعيل هذا التسامح، مشيراً إلى أن وثيقة التسامح ستفتح المجال للشباب للانفتاح على الآخر وخصوصاً في الوقت الحالي حيث العالم الإلكتروني المترابط.وأضاف: أحب أن أتكلم عن الجالية اليهودية في مملكتنا الغالية، حيث وصل «جدي « إلى البحرين في نهاية القرن التاسع عشر قبل اكتشاف السيارات وقبل اكتشاف المكيفات وقبل اكتشاف البترول، وكانت أيام الكل يعيش فيها في المجتمع البحريني بنفس المستوى المعيشي ويسود جو من الحب والتسامح مع اختلاف الأديان ولكن لا توجد هناك أي تفرقة بين الجاليات والديانات، فالكل ينعم بالاحترام والحب في المملكة تحت القيادة ويعيش المجتمع في حب وتسامح». وأكد نونو أن الجالية اليهودية في مملكة البحرين التزمت بدينها الذي ينص على الالتزام بالوصايا العشر، وهى تعتبر قوانين تشترك فيها جميع الديانات الأخرى، فالجميع ملتزمون بهذه القوانين فتكون في قلوبهم الراحة والطمأنينة، فإذا اتبعها لا يخاف الإنسان من أي شيء إلا ربه. وإننا اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين يحتاج العالم إلى توجيهات ونصائح في التسامح، وأنا أطلب من العالم الإسلامي والعالم المسيحي ومن الجميع المشاركة في التسامح تحت مظلة «لا إله إلا الله»، داعياً الله سبحانه وتعالى إلى أن يحفظ مملكة البحرين وأهلها وقيادتها.من ناحيته، قال المتحدث الرسمي للجنة إطلاق وثيقة «التسامح والتعايش» إبراهيم بوهندي رئيس أسرة الأدباء والكتاب: في هذه الجمعة المباركة، وفي هذا التاريخ الرابع عشر من فبراير الذي يعود علينا بذكرى انطلاق مسيرتنا الإصلاحية الوطنية ، ذكرى موافقة شعب البحرين بأجمعه على «ميثاق العمل الوطني»، وفي هذا المكان المبارك بذكر الله نقف اليوم بقلوب مخلصة لله والوطن والملك ومؤمنة بكل ما جاء في «وثيقة التسامح والتعايش». وأضاف نمد أيادينا مصافحين إخواننا وأخواتنا في الوطن والإنسانية، متعاهدين على تبادل الرؤى والأفكار متقبلين التعددية والاختلاف بالمحبة والاحترام، مستذكرين ما جاء في الأحاديث النبوية الشريفة التي نتمثل بها في هذين الحديثين الشريفين (الناس سواسية كأسنان المشط)، و(لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، وفي تلك الأقوال العربية المأثورة التي منها قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».وتابع بوهندي: يكفينا فخراً بأن جاءت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان متطابقة معها في مضمونها بأن «حفظ الكرامة الإنسانية التي فطر عليها الناس، والمساواة بينهم في الحقوق التي لا تقبل المصادرة هي أساس للحرية والعدالة والسلم في العالم». وأضاف أن كل ما استندت إليه وثيقتنا من مرجعيات في المواثيق الدولية كان ثمرة من ثمار التحول من الأنظمة الفردية أو الفئوية المتسلطة، إلى رحاب الحياة الديمقراطية في الكثير من الدول التي سبقتنا إليها، وبذلك تخلص الإنسان في تلك الدول من بطش العقائد والأيدلوجيات الإقصائية لذا فإننا من هنا، ومن وحي ما جاء في الوثيقة التي نطلقها اليوم، نتوجه إلى كل قوى الظلم والاستبداد في العالم، دون أن نستثني تلك القوى المجتمعية، التي تستغل حياة الانفتاح على الديموقراطية فتسطو بسيف المعتقد لتجهض حق الآخرين في الاختلاف معها، مطالبين بأن تغمد تلك السيوف التي لا يجوز تسليطها على رقاب الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.يشار إلى أنه تم خلال احتفالية التوقيع على الوثيقة إطلاق عشرات الحمامات البيضاء في سماء المنامة رمزاً للسلام والتسامح. وتأتي وثيقة مؤسسات المجتمع المدني للتسامح والتعايش الديني والمذهبي في البحرين كعمل أهلي وليس لها أي علاقة بالجهات الرسمية، حيث إن الجمعيات التي أعدت الوثيقة ووضعت موادها التي سيجري التوقيع عليها ليس لها أي علاقة بالعمل السياسي.وتضمنت الوثيقة 14 بنداً لتتوافق مع ذكرى ميثاق العمل الوطني في البحرين في 14 فبراير، كما أن بنودها مستوحاة من ميثاق الأمم المتحدة وميثاق اليونسكو وميثاق العمل الوطني في البحرين ودستور المملكة.وتأتي الوثيقة تأكيداً للمبادرات الإنسانية والحضارية التي يتبناها جلالة الملك، وعلى المبادرات الأممية التي تدعو إلى التسامح والانفتاح على الآخر.وتضم وثيقة مؤسسات المجتمع المدني للتسامح الديني والمذهبي 14 مادة هي التسامح يعني تقبل وجهة نظر الآخر، والتسامح لا يعني التنازل عن المبادئ والمعتقدات، والتسامح مسؤولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية والديمقراطية وحكم القانون، والتسامح لا يتعارض مع احترام حقوق الإنسان، وأن التسامح يقتضي ضمان العدل وعدم التحيز في إنفاذ القوانين والإجراءات القضائية والإدارية، وقبول التعددية الثقافية، وأن التسامح قيمة جوهرية في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى، وأن تعزيز قيمة التسامح يكون بالتعاون بين مؤسسات المجتمع المدني والجهات الحكومية، وأن التعليم والثقافة من أنجع وسائل بث روح التسامح، وضرورة اعتماد مناهج تعليمية تعلي من قيمة التسامح، وحث التعليم على طرق المواضيع التي تمثل عقبة في وجه التسامح وتشكل مخزونا للخوف من الآخرين، وفي المواد الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة تبرز الوثيقة مصادقة مملكة البحرين على الاتفاقيات الدولية القائمة بشأن حقوق الإنسان، وحث الحكومة على مزيد من التشريعات التي تضمن التساوي في الكرامة والحقوق للأفراد والجماعات، وكذلك تبني جملة من الفعاليات التربوية والعملية والثقافية التي تعزز قيمة التسامح في مملكة البحرين كالاحتفال السنوي بوثيقة التسامح.