كتبت – إيمان الخاجة:تهتم المؤسسة الخيرية الملكية بما يقارب 6 آلاف أسرة، لنساء واجهن مختلف التحديات وتخطين وعورة الطرق متشبثين ببصيص الأمل وشعاع النور ليحققن إنجازات يفخرن بها هن وأبنائهن، ومن بين تلك القصص حكاية السيدة سميرة محمد التي وجدت نفسها فجأة في طريق لا تعرف مسالكه، توفي زوجها الذي يعمل في القطاع العسكري فجأة ودون سابق إنذار، لتتخطى عقبات الحياة من بعده وتظل حتى اليوم لا تملك منزلاً تعيش فيه مع أبنائها رغم أن طلبها في وزارة الإسكان منذ العام 1993، لذا اتخذت من الصبر والتفاؤل قيماً تسير معها في مشوارها وهي موقنة أنها ستتخطى الظلمات لتصل إلى طريق النور.تقول محمد: بدأت حكايتي منذ العام 1997، وتحديداً في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، تلك الليلة المباركة التي تمتلأ بالطمأنينة والأجر العظيم، في تلك الليلة رحل عنا زوجي رحمه الله بصورة مفاجئة وهو في ريعان شبابه، حيث كانت المنية أقرب إليه منا وتوفي متأثراً بارتفاع شديد في ضغط الدم، ليترك خلفه زوجة لا تعمل وطفلين صغيرين يبلغ أحدهما من العمر ثلاث سنوات والآخر سنة واحدة. كان القضاء والقدر أكبر من نفسي الصغيرة التي لا تتحمل الحزن والفقدان، ولا بد أن أملأ قلبي بالرضا والحمد، فلا اعتراض لحكمه سبحانه، في ذلك الوقت لم أكن أملك ما أستند عليه ولا ما أوفر به قوت يومي أنا وأبنائي، لكني كنت أملك شهادة الدبلوم المشارك في المحاسبة وهي التي بدأت بها مشوار حياتي بعد وفاة زوجي، فبعد خروجي من عدة الوفاة خرجت للبحث عن وظيفة أسترزق من خلالها، والحمد لله توفقت في الحصول على وظيفة سكرتارية في إدارة المالية والإدارية بأحد المراكز البحثية براتب بسيط، وبفضل الله شكل لنا هذا الراتب البسيط مع الراتب التقاعدي لزوجي رحمه الله مصدراً نعيش من خلاله أنا وأبنائي، ولكن هذا المبلغ البسيط لا يكاد يكفي لسد الاحتياجات الحياتيه الرئيسة مع وجود أطفال يحتاجون لكامل الرعاية وفي بداية مشوار حياتهم، لذا سعيت بعد العمل الصباحي إلى البحث عن عمل جزئي، وقمت بعمل البحوث وطباعتها لأوفر مصدر رزق إضافي يعينني على المعيشة والحياة الغالية، وطوال هذه الفترة كانت والدتي وأختي وباقي أفراد أسرتي يقفون إلى جانبي ويشكلون لي دعماً أستند عليه.وتضيف محمد: رغم صعوبة الأمر وتراكم المسؤولية على شخص واحد وازدياد ثقلها يوماً بعد يوم، إلا أنني لم أقف انتظر زوال العقبات من أمامي لوحدها، بل سعيت لتثبيت خطواتي لأتمكن من تخطي كل عقبة تعترض مسيرتي، حاملة معي أبنائي ومتشبثة بهم بقوة لأبحث عن طريق النور والأمل، وأبيت إلا أن أواجه الحياة وصعوباتها، وسعيت قدر المستطاع أن لا أُشعر أبنائي بأي نقص، فهم كل ما أملك في هذه الدنيا وهم فلذة كبدي، جعلتهم هدفي ورسالتي في هذه الحياة، تحول الليل إلى نهار، غابت الشمس وحل مكانها القمر، توالت الصباحات والمساءات ومضت الأيام، كبر الصغار وأصبحوا في سن المدرسة، فقمت بتسجيلهم في المدارس الخاصة حتى لا يشعروا بأنهم أقل من أقرانهم، وعزمت على أن يكونوا في مستوى معيشي لا يقل عن غيرهم من الأطفال سواء من العائلة أو أصدقائهم، ولم أكتف بهذا القدر، بل حرصت على تثبيت نفسي في العمل، واجتهدت جهداً متواصلاً لتطوير أدائي، وكوني أملك شهادة الدبلوم في المحاسبة، تم تكليفي من قبل مديري في العمل بالقيام ببعض الأعمال الحسابية البسيطة، وبفضل الله ثم تشجيع مديري واصلت دراستي بأخذ عدد من الدورات وصقلت قدراتي بشكل أكبر، حتى حصلت على شهادة محاسب قانوني مهني. وتتابع: إن طموحاتي العلمية مازالت تدق في قلبي ولم ترض بهذا الحد أو تكتفي به، لأن الشهادة الأكاديمية هي ما أتمنى الحصول عليه وأرغب به، وفعلاً وجدت الفرصة السانحة لتحقيق هذا الحلم عبر المؤسسة الخيرية الملكية عندما فتحت المجال للأمهات المكفولات من قبلها للحصول على منحة دراسية، وهنا لم أتردد ولا لحظة، تقدمت للحصول على المنحة وتم قبولي والحمد لله، فبدأت مشوار دراستي في إحدى الجامعات الخاصة وتحولت إلى أم وموظفة وطالبة في آن واحد، جاهدت وسهرت وواصلت حتى تمكنت من الحصول على شهادة البكالوريوس في المحاسبة وبتقدير امتياز، وها هي شهادتي جاءت بعد كل هذه السنين الطويلة لتحقق لي حلمي القديم.وتشير محمد إلى أنه رغم أن المعادلة التي تجمع الدراسة والعمل والأبناء قد تكون صعبة، إلا أنني شققت طريقي وأنا أنظر إلى هدفي وحلمي فقط غير آبهة لما يعتري طريقي، وكان أبنائي هم هدفي إلى جانب الحلم الكبير الذي أشق خطواتي في طريق تحقيقه، فنظمت أموري وأوقاتي وحرصت أن لا يشغلني أي شيئ لا عن أبنائي ولا عن دراستي، و كل همي خلال فترة دراستي أن أحصل على أعلى الدرجات لكي أكون مثالاً يحتذى به أمام أبنائي وأشكل لهم نموذجاً للطالب المتفوق، فإلى جانب المهام الملقاة على عاتقي من تربية الأبناء ومسؤوليات المنزل والدراسة والعمل، لم تعقني كل هذه الأمور من الحصول على درجات الامتياز، لذا ضغطت على نفسي حتى أبين لهم أن النجاح والامتياز يمكن أن يأتي حتى بين التعب وضغوط الحياة والصعوبات التي تواجه الإنسان، لأنها باختصار تأتي بالإصرار والطموح.وتضيف: مرت السنوات الصعبة وانطوت صفحة الجراح، ومن بعد التعب لا بد للإنسان أن يقطف الثمار الجميلة، وها أنا ما زلت أسعى لتحقيق رسالتي التي وضعتها نصب عيني منذ وفاة زوجي رحمه الله، وها هم فلذات كبدي عبدالعزيز وطلال تخرجا من المرحلة الثانوية، يبلغ عبدالعزيز الآن 19 سنة، وطلال 18 سنة، وهما يشقان خطواتهما في طريق النور في المرحلة الجامعية حيث يدرس أحدهما الهندسة الميكانيكية والآخر إدارة الأعمال، كل ما أتمناه هو أن يعينني الله على تحقيق أمنيتي بأن أرى ولديّ في مناصب مرموقة وأن يوفقهما الله لكل ما يصبوان إليه. كما أتمنى أن أحصل على منزل أعيش فيه مع أبنائي، فبعد وفاة زوجي عشت في منزل أهله وخرجت قبل سنتين للسكن في منزل مؤقت، رغم أن طلبي في الإسكان منذ العام 1993 إلا أنني لم أحصل على طلبي ومللت من الوعود التي تخبرني أنه في العام المقبل ليأتي العام الموعود ويمر ويأتي غيره ويبقى حالي على ما هو عليه.