حاوره إبراهيم الزياني:قال خبير التسويق السياسي أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة د. سامي عبدالعزيز، إن «الاعتماد على الاصطفاف الطائفي في عملية الانتخاب، يسهم في صعود كوادر ضعيفة، ويشكل مجلساً دون المستوى».وأضاف د.سامي عبدالعزيز، في حوار مع «الوطن»، أن «التحريض على الاصطفاف الطائفي والترهيب من مخالفة ذلك، نوع من تغييب العقل، والسيطرة وغسيل الأذهان فيها تكون عالية، الإنسان خلقه الله بعقل وإرادة، فكيف أسلمها لبشر نفسي»، مشدداً على أن «من يستسلم أمام تلك الدعوات، أول المتضررين، وأثبتت التجربة ذلك». وذكر أن «تغير ثقافة المجتمع البحريني وسلوكه الإرشادي، يلقي بمسؤوليات كبيرة على المترشح، إذ إن الأساليب القديمة أصبحت عتيقة وغير مناسبة، وربما تكون مرفوضة».وأكد أن «استغلال الدين في الحملات الانتخابية والمتاجرة به، أمر خطير، إذ إن المرشح لا يستخدمه للترويج عن نفسه فقط، إنما للإساءة للآخرين والطعن بهم»، محملاً الإعلام مسؤولية التوعية بإبعاد الدين عن العمل السياسي الذي يعتمد على مصالح شخصية ومادية.وأشار عبدالعزيز، الذي زار المملكة لتقديم دورة تدريبية بعنوان «إدارة الحملة الانتخابية»، ضمن برامج معهد التنمية السياسية، إلى أن «عملية الدعاية الانتخابية في المملكة، تعتمد على الأساليب التقليدية»، قبل أن يؤكد على وجود رغبة في التعلم والتغيير لمسها من خلال الدورة.ورأى أن «غياب الدراسات العلمية، يسهم بإفراز نتائج انتخابات قد لا تكون مرجوة للمجتمع»، مشيراً إلى أن «الحملات الانتخابية لا تنجح دون بحث، بحيث تتوغل في نفسية الناخب وبالدوافع التي تجعله يتحرك».وفيما يلي نص الحوار..ما رأيك بمستوى الوعي الموجود عند المجتمع البحريني بأهمية التسويق السياسي؟الوعي يتزايد، ربما كان محدود الأدوات، وهذا جزء كبير منه يعود إلى طبيعة النسق الثقافي العربي. مفهوم الحملات الانتخابية في البحرين، ويتشابه في ذلك مع دول خليجية، يعتمد على الأساليب التقليدية، وهي لها سلبيات في الممارسة، لأن التأثير يكون ناجماً عن القبلية والعصبية والانتماء الجغرافي والهدايا العينية وغيرها، إنما الجيل الجديد من الشباب، لمست منه وعياً يتزايد بينهم، وسعدت للغاية عندما علمت أن لديكم نوادي لشبكات التواصل الاجتماعي، ما يعني أن ثقافة المجتمع وسلوكه الإرشادي تتغير، وهذا يلقي بمسؤوليات كبيرة على المترشح، لأن الأساليب القديمة أصبحت عتيقة، وغير مناسبة وربما تكون مرفوضة أيضاً.اليــــوم وأنا أدرب في معهد التنميـــة السياسية، تبين أن الناس فهموا الناخب الراشي من غيره، ومن لديه دوافع وطنية أو أجنــدات أخرى، مثل هذا الوعي يجعــل أساليب التسويق السياسي، وإدارة الحملات الانتخابيـــة تتطور، بدليل أني علمـــت أن بعض المتدربين في الورشة، مساعدون للمترشحين، بالتالي هم حضروا ليتعلموا كيفية إدارة حملة انتخابية بطريقة أكثر احترافية ونضجاً من ذي قبل.كيف يمكن تجاوز مرحلة اختيار المرشح وفق الأساليب التقليدية، من القبلية والمعرفة وغيرها، إلى الكفاءة؟لن تتجاوزها بين يوم وليلة، التجربة جديدة وتحتاج إلى نفس طويل، لكن على الأقل 1 أفضل من 0، المسألة تحتاج أن تطلق البحرين مفاهيم التسويق الجديدة.أنت اليوم أصبحت مثل البيت مفتوح النوافذ، بالتالي سواء بعوامل داخلية أو الإعلام الخارجي، سترى المجتمع ينتقل تدريجياً، لكن من الحكمة أن تشترك الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في تجاوز هذه المرحلة، ما يوفر ضمانة ألا تكون بركاناً، هناك فرق بين نسائم تغيير وعواصفها، التغيير التدريجي وعلى مراحل يستوعب. الحملات الانتخابية تطورت وأصبحت تعتمد على أساليب علمية ودراسات.الحملات الانتخابية جزء من مفهوم كبير وواسع بدأ يتزايد في الفترة الأخيرة، وهو التسويق السياسي، اليوم المرشح أصبح يتعامل مع الانتخاب كأنه سلعة، تحتاج لتغري مستهلكها، وتبين له فوائدها والمنافع التي ستعود عليه من وراء انتخابك له، وتبين لك الفرق ما بينه وبين المرشح الآخر، ولا ينفع اليوم أي تسويق سياسي أو حملات انتخابية دون بحث، بحيث تتوغل في نفسية الناخب وبالدوافع التي تجعله يتحرك.وفي رأيي يجب أن تسبق الانتخابات، حملة تسويقية من جانب الحكومة نفسها، لتنشر أهمية المشاركة والتفاعل مع الحدث، وكيف تختار مرشحك، وهذه تعد حملات تثقيفية توعوية تعليمية، بحيث تعلم الناخب ما هي معايير اختياره للناخب، هل يملك المترشح أجندة وطنية، هل سيحقق مصلحة عامة، هل لديه تصور لرؤية اقتصادية جديدة؟ فأنا أرى الحكومة مطالبة أن تقدم، عبر معهد التنمية السياسية أو غيره من المؤسسات العامة، بالتخطيط والتنفيذ لحملات تسهم في رفع مستوى الوعي بالمشاركة السياسية، كما أن مؤسسات المجتمع المدني يجب ألا يقتصر دورها على المراقبة وتصيد المخالفات، إنما تساهم أيضاً في نشر وعي معايير انتخاب المرشح، بأجندة وطنية.كيف يمكن أن تؤثر غياب الدراسات على نتائج الانتخابات؟من المؤكد أن غيابها سيظل يفرز نتائج قد لا تكون مرجوة للمجتمع، لدينا حكمة تقول، إنه ليس من الذكاء أن تفعل ما تفعله مرة تلو الأخرى بنفس الطريقة، وتتوقع نتائج مختلفة، فبالتالي تغيير التركيبة يمكن أن يفرز نتائج أخرى.أرى أن ارتفاع المستوى التعليمي في البحرين، يمثل قاعدة جديدة تبنى عليها، وأنا مندهش ومعجب بمستوى الوعي والفهم عند العنصر النسائي في المجتمع البحريني، إذ كنّ مشاركات فاعلات في الندوة، ولديهن رغبة وإرادة واستعداد للمواجهة، وخلال ورشة العمل على مدى 4 أيام، بكل أمانة العنصر النسائي كان حاضراً وناضجاً أكثر من الرجال.هل لمست وجود وعي عند المشاركين في الدورة بأهمية الدراسات العلمية؟لم أرَ ذلك، وهذه ليست ظاهرة بحرينية إنما عربية، نحن نادراً ما نعتمد على البحوث، إنما على الانطباعات الشخصية والنميمة الخاصة، إلا أنني شعرت بوجود رغبة في التعلم والتغيير، والأخذ بالأساليب الجديدة في التسويق السياسي، ولمست رغبة عند المشاركين بأن يروا مجتمعهم ينضج ديمقراطياً دون انكسارات، أو انحراف عن الخط الوطني والوحدة والتلاحم.هل يمكن أن تغير الدعاية الانتخابية من رأي الناخب؟يمكن أن تؤثر الدعاية على الناخب من خلال الإغراءات والاستمالات العاطفية، إذ يمكن أن تدخل عليه من زاوية المصلحة المادية المباشرة.إنما درجة التأثير والتأثر ترتبط بمستوى التعلم، كل ما كان المجتمع ينظر إلى الدعاية والحملات الانتخابية، بنوع من الفحص العميق والتحليل الجديد، لا يمكن أن يخدع، لأن الدعاية لا تريد أن تخدعك إنما توجهك في الاتجاه الصحيح، وأنت عليك أن تسأل نفسك، هل هذا الاتجاه لصالحي أم ضدي؟ وهذا يرتبط بمستوى التعليم، كل ما تعلمت أكثر، أصبح مستواك الثقافي أكبر ودرجة الوعي أعلى، وقدرة الحكم على سلامة وصحية الحملة الانتخابية ومدى استجابتك لها.لكن أحياناً الحملات الانتخابية تغش الناس.لدينا حكمة في التسويق، يمكنك أن تغش بعض الناس مؤقتاً، لكن لا تستطيع أن تغش كل الناس دائماً، هي دورة انتخابية وتنتهي، وستنكشف الدورة التي بعدها لأي درجة كنت كاذباً ومخادعاً.تستغل العديد من الحملات الانتخابية الدين طريقاً لها لإقناع الناخب.للأسف الشديد هذه إساءة للدين، واستغلال ومتاجرة به، وهذا خطر كبير، لأنه لا يوجد أحد يمتلك صك الإسلام وحده، ولا أحد يمكنه الادعاء أنه ظل الله في الأرض، ويا ليت أنه يستخدم الدين لنفسه، بل يستغله للإساءة للآخر والطعن بهم.كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟الإعلام مطالب بلعب دور كبير في إبعاد الدين عن العمل السياسي الذي يعتمد على مصالح شخصية ومادية.هذا يحتاج لجهد مخطط قبل الانتخابات من قبل المجالس النيابية نفسها، ومن جانب جمعيات المجتمع المدني، إذ إنها مطالبة بنشر وعي عدم المتاجرة بالدين و إساءة استخدامه.ربما لا تقتصر المشكلة في البحرين على استغلال الدين، إنما التحريض على الاصطفاف الطائفي من قبل البعض والترهيب من مخالفة ذلك.للأسف الشديد هذا نوع من تغييب العقل، لم يؤذِ الإسلام شيئاً بقدر ما آذته الطائفية. من يجبن عن قول الحق، ويستسلم أمام دعوات الاصطفاف الطائفي هو أول المتضررين، وأثبتت التجربة ذلك، وفي الأخير هو يقسم مجتمعه ويفتته. مشكلة الاصطفاف الطائفي، أن درجة الانفعالية والسيطرة وغسيل الذهون فيها عالية، ما يجعل بعض الناس تفقد وعيها وإرادتها، الإنسان خلقه الله بعقل وإرادة، فكيف أسلمها لبشر نفسي، أياً كان.كيف يمكن أن يؤثر الاصطفاف الطائفي على إفرازات الانتخابات؟له تأثير كبير، بحيث تصعد كوادر ضعيفة، ما يعني بالطبيعية مجلسٍاً دون المستوى، لذلك أنا أراهن على أمرين، نشر الوعي والثقافة السياسية والانتخابية في المجتمع البحريني، والثانية نضج الشعب، هذان الأمران هما صماما الأمان الذي يجب أن نعتمد عليهما.البعض يربط بين نجاح عملية الدعاية الانتخابية بالأموال الضخمة التي تصرف عليها.لا ليس بالضرورة أن تكون تكلفتها عالية، المهم الإبداع فيها، الميزانيات أمر مؤثر لا شك، لكن قبل ذلك إذا كنت أعددت دراسة دقيقة، وفهمت مجتمعك بشكل صحيح، قد يجنبك ذلك التكلفة العالية، لأنك ستكون عارفاً أي شريحة تخاطب، وكيفية الوصول لها والتركيز عليها، فبالتالي لن تنفق هباء منثوراً، وستكون أموالك مركزة على جهة محددة.كيف ترى مستوى عملية الدعاية الانتخابية في البحرين مقارنة بالدول الخليجية؟البحرين في مرحلة من مراحل النمو، وهي البدايات، إضافة إلى أن لكل مجتمع خصوصياته، كل مجتمع يقدر بحجم سكانه والتيارات السياسية الذي فيه.والتطور مسألة وقت، والتجربة تحتاج لرعاية وصبر من كافة الأطراف، لا الدولة تتخيل أنها ستستطيع أن تحقق أهدافها في وقت قصير، ولا على المجتمع أن يرفع توقعاته أكثر من اللازم.إذا ما قارنا بين البحرين والدول المتقدمة..(يقاطع) صعب المقارنة، لا تقارن بين مجتمع والثاني، كما قلت لكل مجتمع خصوصياته ومرحلة تاريخية يمر بها، فلا يمكن أن تقارن بريطانيا أم الديمقراطيات بمجتمعات قفزت قفزات كبيرة، ولها مستواها في أداء التسويق السياسي، وليس بالضرورة أن نتشبه بهم، لأن لكل مجتمع أسلوب اتصاله الذي يتفق معه وأدواته التي تناسبه، نحن نقارن بين مدى استخدام الأساليب الترويجية بفعالية، هذا المعيار.هل تتفق مع دعوات إضافة التسويق السياسي كمادة علمية تدرس في المدارس؟لابد من ذلك، التسويق عموماً من أقدم العلوم، وعلم التسويق السياسي مر عليه 64 سنة، واليوم أصبح من العلوم الراسخة الموجودة في الجامعات الكبرى. ما الأدوات الجديدة في عملية الدعاية الانتخابية؟الجديد ليس في الأدوات، الجديد في عبقرية مزج الأدوات، أن تستخدم كل الأدوات بشكل متكامل، بتكنيكات مختلفة، كل الأدوات كما قلت متاحة، ولا توجد وسيلة أقوى من الثانية، لأنها تتكامل، فالمخطط الجيد هو من يعرف كيف يستخدم الوسائل والوسائط المختلفة، ويمزجها بشكل ذكي، بحيث يفصل بطبيعة الجمهور الذي أمامه.