دعا علماء وشيوخ دين إلى «الإكثار من الدعاء والتوبة والاستغفار»، مشيرين إلى أن «حسن الظن بالله، والرجاء والأمل بالمغفرة، أبرز شروط قبول الدعاء والاستغفار». واستشهد العلماء بالحديث القدسي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة».واعتبر بعض العلماء «هذا الحديث أرجى حديث في السنة كلها، لأنه يأسر القلب، ويأخذ بمجامع النفس، ويستمطر الدمع، ويقوي في الوجدان مشاعر التوبة والرجاء، لتتلاشى معه أسباب اليأس والقنوط».من جانبه، قال الداعية الشيخ محمود المصري إن «الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها، وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يتوب في اليوم والليلة اكثر من 100 مرة، وكان أحد السلف الصالح يكثر من قول «الحمد لله.. أستغفر الله»، فسأله أصحابه، ألا تعرف غير ذلك، فقال إن العبد يكون بين حالين، إما أن يكون بين نعمة تستوجب الحمد، أو بين ذنب يستوجب التوبة والاستغفار، فأنا أحمد الله على نعمي، وأستغفر الله وأتوب إليه من ذنوبي». وقد جاء الحديث القدسي ليزف إلى الناس البشرى، فرحمة الله واسعة، وفضله عظيم، لا يقف عند حد، فغدا الحديث إبهاجاً للتائبين، وأملاً للمذنبين، وفرصة لمن أسرف على نفسه بالمعصية. وتتجلى معالم الحديث في بيانه لأسباب حصول المغفرة، ويأتي الدعاء في مقدمة تلك الأسباب، والدعاء قربة عظيمة، وصلة مباشرة بين العبد وربه، وسلاح المؤمن الذي يتسلح به في الشدائد والكربات.وقد حثنا الله تعالى على الدعاء في مواضع من كتابه، فقال تعالى: «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين»، وقال سبحانه «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون»، بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «من لم يسأل الله يغضب عليه». من جهته، قال الداعية الشيخ محمد حسان «ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا كل ليلة، حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول جل جلاله أنا الملك من ذا الذي يدعوني فاستجيب له، من ذا الذي يسألني فاعطيه، من ذا الذي يستغفرني فاغفر له، فلايزال كذلك، حتى يضيء الفجر».وحـــث الشيــــخ حســــان «المؤمنيــــن والمؤمنات إلى رفع اكف الضراعة إلى الله عز وجل، والابتهال بين يدي الخالق الكريم، على أن يكون الإنسان على يقين وحسن ظن بالله من استجابة المولى لدعائه وقبوله توبته، فمن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها». وأضاف أن «كل مسلم يدعو الله عز وجل إلا أعطاه الله إحدى ثلاثة، إما أن يعطيه الله عز وجل حاجته، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، وإما أن يدخرها له في الآخرة».بيد أن لهذه العبادة شروطاً ينبغي استكمالها، ليكون الدعاء جديراً بالإجابة، وأدعى للقبول، فمن ذلك، حسن الظن بالله، والرجاء والأمل بالمغفرة، كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه»، ولابد أن يكون لهذا الرجاء رصيد من العمل الصالح، لا أن يكون مجرد أمنية وأحلاماً زائفة.وإضافة إلى ذلك، فإن على المسلم حال دعائه أن يعزم في المسألة، ويجزم في الطلب، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له».وفي هذا الصدد، قال الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي في شرح الحديث «يقول الله تعالى في كتابه الكريم وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله ليعذبهم وهم يستغفرون»، فالإنسان في أمان طالما ظل متمسكاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا آمن الإنسان وشكر، فلن يعذبه الله أبداً، والله عز وجل تواب رحيم، ومن معاني التواب أنه يسوق الشدة إلى عباده فيحملهم على التوبة، ومن ثم فالإنسان المؤمن في بحبوحتين، الأولى إقامة منهج الله، والثانية الاستغفار».وقـــد أثنـــى الله سبحانــــه وتعالــــــى على المستغفرين في كتابه فقال: «والمستغفرين بالأسحار»، كما رتب حصول المغفرة عليه فقال «ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً».وعلاوة على ذلك، فإن للاستغفار مزيد فضل على غيره من العبادات، إذ لا تقتصر بركته على محو الخطايا وتكفير السيئات، بل يمتد خيره، يقول الله تعالى «فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً».ولا يكون الاستغفار صادقاً إلا حين يصدر من قلب مؤمن مستحضر لجلال الرب وعظمته، نادم على ما كان منه من تفريط وتقصير، عازم على التوبة والإنابة، وإلا فهي توبة جوفاء، لا تنفع صاحبها.ثم إن أعظم أسباب المغفرة وأجلها تحقيق جوانب التوحيد، والإتيان به على أكمل وجه، وقد أعلمنا ربنا بذلك في كتابه حينما قال «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون»، فامتدح من كان إيمانه نقياً خالصاً من عوالق الشرك، وبشرهم بالسلامة من دخول النار، ولا عجب في ذلك، فإن الذنوب كلها تتصاغر أمام عظمة التوحيد، ومن ثم تكفل الله تعالى لمن لم يشرك به شيئاً ألا يعذبه، كما جاء في حديث سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه: «وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً».