كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:محيي الدين بهلول واحد من أبناء فريج الفاضل، كان يسكن وعائلته أحد بيوتاته، وكان بيتهم مميزاً عن بقية البيوت بعمود طويل على سطحه عبارة عن هوائي لاستقبال المحطات الإذاعية من خلال راديو يمتلكه والده، يستمع من خلاله إلى محطات «إذاعتي الحلفاء «لندن» و«الشرق الأدنى».يؤكد محيي الدين أن تسمية فريج «الفاضل» جاءت لوجود مجموعة كبيرة من تجار البحرين في ذلك الوقت يسكنون هذا الفريج، ولم يقتصر على الشخصيات التجارية لكنه كان يضم، شخصيات سياسية واجتماعية في فترة الخمسينات التي كانت تعاني من صراع من أجل التحرر من الاستعمار انطلاقاً من ثورة 23 يوليو العام 1952 في مصر والتي غيرت مجرى التاريخ، لتجعل من دول الخليج شعلة من الفهم السياسي والاجتماعي، هكذا كانت الحياة في فريج الفاضل رغم الحياة البسيطة والعلاقات التي كانت عنوان الترابط بين أهله. محيي الدين فتح لنا أبواب ذاكرته وفي الحلقة الماضية تحدث عن علاقته بغرفة تجارة البحرين إلى أن تركها بعد خدمة طويلة امتدت إلى 41 عاماً، وعطاء شابه كثير من المشكلات. وفي حلقة اليوم يفتح دروباً جديدة من ذاكرته مع الإذاعة والرياضة وفيها كثير من الطرائف والعشق للإذاعة والرياضة .هنا نتصفح دروبه بعد أن استضافنا في منزله لساعات طويلة وقدم لنا كتابه الذي صدر عن مشواره في العمل «حصاد سنين.. الغرفة.. الإذاعة.. الرياضة» خلال هذه المسيرة عن مشاركاته في الإذاعة ومع فريق النسور، تصفحنا كل مشاوير حياته وجلنا معاً في دروب جميلة سلكها ضيفنا، وبدأنا نفتح دروب الإذاعة والرياضة معاً. يقول محييي الدين: بدأت قصة عشقي للإذاعة في بداية الستينات وعلى مدى عشرين عاماً هي ذكريات جميلة لا يمكن لي أن أنساها، « ففي العام 1955 ، وبالتحديد في شهر يوليو تم افتتاح إذاعة البحرين في احتفال رسمي برعاية صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين، ولقد بدأت الإذاعة ومنذ أن تأسست ببث برامجها لمدة ساعة ونصف الساعة يومياً ماعدا يوم الجمعة، والمناسبات والأعياد فقد كان إرسالها يمدد ليصل إلى ساعتين ونصف من البث المتواصل، ثم بعد ذلك تطور ليصل إلى ثلاث ساعات. وكان هذا البث يغطي الأقطار المجاورة فيما كان المستمعون في تلك الأقطار يطالبون من خلال رسائل عديدة زيادة الإرسال وإذاعة الأغاني الشعبية. ويضيف: استطاعت الإذاعة فيما بعد تلبية طلبات الأشقاء في الدول الخليجية وضاعف ساعات إرسالها واستطاعت بعد ذلك من تقديم العديد من البرامج، بالإضافة إلى تسجيل الأغاني للمطربين الشعبيين في البحرين والمنطقة، ومن البرامج التي كانت تقدم في تلك الفترة «أولادنا أكبادنا» من تقديم مصطفى حجية، «الفن» من تقديم أحمد كمال، «مع الناس» من تقديم مصطفى جعفر ، «شخصية الأسبوع» من تقديم محمود بهلول، «قصة الأسبوع» تقديم أحمد يتيم، «ركن ألأطفال» تقديم عتيق سعيد ،«الزاوية الدينية تقديم ياسين الشريف، وقد استعانت الإذاعة بمجموعة من أعضاء البعثة التعليمية المصرية من مدرسين وتربويين، في إعداد وتقديم العديد من البرامج.زودت الإذاعة بحفلات أم كلثوم ويذكر محييي الدين أن الأستاذ إبراهيم كانو كان يعتمد علي كثيراً في تزويد الإذاعة بالحفلات الخاصة بكوكب الشرق أم كلثوم، وكذلك حفلات عبدالحليم وفريد وغيرهم من مطربي الزمن الجميل والتي كانت تبث من إذاعات القاهرة وصوت العرب ضمن حفلات «أضواء المدينة»، حيث كنت أقوم بتسجيل تلك الحفلات من خلال زيارتي للقاهرة، ومن ثم أرسلها للإذاعة ليتم إذاعتها قبل أن تبث في أي من الإذاعات العربية الأخرى، كما إنني قمت بكتابة فوازير رمضان للإذاعة وقام بتقديمها حسن كمال، وقد اختار لها مقدمة أغنية للمطرب اليمني أحمد قاسم «من عيونك »، وتم رصد جوائز لهذه المسابقة كانت الجائزة الأولى 300 روبية والثانية 150 والثالثة 100 روبية، بالإضافة إلى جوائز عينية ساهمت في تقديمها بعض الشركات العاملة في البحرين.لا مكاتب أو طاولات ويتذكر بهلول من الأشياء الطريفة أننا كنا نعمل بدون مكاتب أو طاولات، وكان الجميع يعملون دون التفكير بالمكتب الذي يعملون عليه فالكل يتناوب على المكاتب الموجودة حسب حاجة العمل له، وبعد أن ينتهي يترك المكتب لزميل أو زميلة دون حرج أو زعل، فالجميع كانوا يسعون وراء تقديم الخدمة للإذاعة والنجاح كان يشمل الجميع وليس وقفاً على أحد، وأتذكر أنه في قسم الأخبار كنت أعمل بجانب شقيقي محمود وهو من يقوم بإعداد نشرة الأخبار، وكان يكتبها بخط يده فلم يكن هناك أجهزة لطبع النشرة، وكان ينقلها من إذاعة «لندن» أو «الشرق الأقصى»، وهاتان المحطتان كانتا من نعتمد عليهما في نشرات الأخبار، وعندما يسافر شقيقي محمود كنت أنا من ينوب عنه في نقل الأخبار من تلك المحطتين .ويشير من المشاكل الرئيسة التي كنا نعاني منها في الإذاعة كانت مشكلة المواصلات، حيث إن غالبية الموظفين لا يمتلكون سيارات خاصة بهم وكانت الوسيلة الوحيدة لنقلهم من بيوتهم والعودة بهم بعد نهاية الدوام باص الإذاعة الوحيد، إذ كان سائق هذا الباص لا يهدأ، يجلب موظفين ويعيد غيرهم ويتنقل بين مناطق البحرين دون أن يعرف الراحة .وأذكر أنني خلال فترة تعاوني مع الإذاعة التقيت مجموعة كبيرة من الإعلاميين البارزين في الإذاعة منهم إبراهيم كانو ، أحمد سليمان، سعيد المهندي، علي محمد تقي، أحمد يتيم، عبدالرحمن عبدالله، يوسف مطر ، أما من الأصوات النسائية فقد كانت هناك العديد من الأسماء منهم : غلبية إسماعيل العريض ، نزيهه رضوي، ثريا رضوي، أليس سمعان، نهى بطشون، عائشة عبداللطيف، بدرية عبداللطيف، وشاركت بعضهن في العديد من البرامج الإخبارية والمنوعات والحوارات والتمثيليات والبعض منهن عملن في إذاعة نشرة الأخبار .ومن الطرائف التي أذكرها في الإذاعة ابتعاث الزميل يوسف مطر إلى إذاعة لندن حتى يكون ملماً بكيفية إذاعة نشرة الأخبار والربط بين البرامج، وعندما عاد إلى البحرين كان من الطبيعي أن يكون مكانه الإذاعة، وكان من جانبه، يستعد لتقديم الربط لأحد البرامج، وبدلاً من أن يقول «هنا البحرين» ، قال «هنا لندن» ثم بعدها تدارك الخطأ واعتذر للمستمعين، ومن الطرائف والمناوشات بين الزملاء في الإذاعة ما يدل على الروح والصداقة بيننا جميعاً أن الزميل عتيق سعيد رزق بمولوده بنت فاقترح عليه الزميل أحمد يتيم من باب التعليق بأن يطلق عليها اسم «زري» ليكون اسمها «زري عتيج»، فتقبلها الزميل عتيق بروح مرحة لكنه ردها له عندما رزق يتيم بمولود قال له أقترح عليك تسميته «ديد» ليكون اسمه «ديد اليتيم» ويعني بذلك تسمية مرضعة الحليب للأطفال، وكان من المتعارف عليه أن يذاع خبر قصير مع هطول الأمطار «هطلت اليوم أمطار على الجهة الجنوبية والغربية من البحرين، سالت على إثرها الوديان والشعاب، جعلها الله من أمطار الخير ، وكانت تذاع بعدها مباشرة أغنية مرتبطة بالمطر تقول كلماتها «فضلك ياسايق المطر.. تشكر يا سايق المطر/ ياملي الجود والكرم.. أحييت ألأرض من العدم/ خليت الطرش والغنم.. ترعى من الرمل والحجر»، والإذاعة كان لها كثير من ألأصدقاء من المستمعين والهواة الذين يحرصون على إهدائها العديد من الحفلات الغنائية لمطربي الزمن الجميل، فبالإضافة لحفلات كوكب الشرق كانت هناك حفلات شم النسيم وحفلات للعديد من أهل الطرب منهم عبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ومطربي الستينات أمثال كارم محمود، محمد قنديل، نجاة الصغيرة، شهرزاد، ماهر العطار ، عبداللطيف التلباني، شريفه فاضل، محرم فؤاد، وأذكر أنه زار البحرين وأجرى معه الزميل أحمد كمال في برنامجه منوعات حوار إذاعي عن مسيرته الفنية وكذلك المطربة نجاح سلام وحضيري بوعزيز وناظم الغزالي وعوض دوخي والعديد من أهل الطرب العرب والخليجيين». أفلام أبيض وأسودويشير محيي الدين: هل ترى هذه الرفوف؟ إنها تحتضن ما يقارب عشرة آلاف حفلة وأغنية أصلية من ضمنها حفلات كوكب الشرق أم كلثوم كاملة وتسجيلاتها قد تصل إلى ساعتين ونصف بالمذيع الذي كان يقدم الحفلة، وهي تسجيلات أصلية ونادرة، التي غنتها في دار الأزبكية، سينما قصر النيل، سينما راديو وطنطا، بالإضافة إلى أكثر من اثنين وستين شريطاً لحفلات أصلية من حفلات «شم النسيم» لكبار المطربين في القاهرة والوطن العربي، وكذلك ثلاثة آلاف فيلم عربي بالأبيض والأسود وبنسخ أصلية ولقاءات مع كبار أهل الفن العرب أمثال عبدالسلام النابلسي وبشارة وآكيم وغيرهم، من الفنانين والفنانات، ولقد حاولت جاهداً التعاون مع المسؤولين بالإعلام لكي أوصل لهم هذه الأعمال النادرة، لكن دون جدوى فالجميع رفضوا التعاون معي وكانوا يسدون الأبواب في وجهي، وكانوا يتصورون أنها حقوق ملكية، وقلت لهم إن الحقوق يا سادة تسقط بعد خمسة وعشرين سنة ونحن تجاوزناها بسنوات تعدت الستين عاماً، حتى إنني عرضت عليهم تنظيم الإذاعة الطربية وقلت لهم حرام أن تسموها «طربية» وهي تذيع أغاني لا علاقة لها بالطرب، وعرضت أن أزودهم بخارطة عمل لنوبات متكاملة وأغاني باسم المطرب والمؤلف والملحن والمناسبة لكي يستفيد المستمع فقط، طلبت بالمقابل مكافأة وليس راتباً لكنهم لم يبالوا لهذا المقترح، وأنا الآن على اتصال مع المسؤولين عن الإذاعة الطربية وهناك شبه اتفاق أن يزوروني ويطلعوا على المكتبة ونبدأ تعاوناً ومازلت بانتظارهم .يرفضون استقبالي وبشأن كتابه يقول بهلول: تصور أنني منذ أن أصدرت كتابي «حصاد سنين .. الغرفة .. الإذاعة .. الرياضة» في أغسطس 2009 وإلى اليوم وأنا قد جهزت نسخاً خاصة لبعض المسؤولين والوزراء وهم يرفضون استقبالي بشتى الأعذار، وكأنني أود منهم أن يدفعولي مقابل اللقاء، فقط كل ما أريده فقط خمس دقائق من المقابلة، ولقد حاولت مع أكثر من سكرتير لأكثر من وزير لكن للأسف كانت إجاباتهم الوزير مشغول «الله يعينه» يعني أنا من عملت في هذا المؤلف لأكثر من عامين لا أجد حتى 5 دقائق لأسلمه لمسؤول أو وزير. مشواري مع الرياضةوينتقل محييي الدين للحديث عن مشواره مع الرياضة: إن مشواري مع الرياضة كان كأي مواطن بحريني أحب كرة القدم في الفريج وسعى للتألق فيها، لقد كنا في فريج الفاضل فريقين ومنتسبين إلى فريق الترسانة، وبعد الخلافات في الفريق انفصلنا لنكون فريق النسور، وكان ذلك في بداية الخمسينات، وقد اتخذنا من بيت يوسف حمزة مقراً لنا، وكان الفريق يتكون من أولاد حمزة، أولاد تقي، عيال البسام والزامل والصباغ وبيت القاضي ، وقد كانت العوائل التي تسكن الفاضل في ذلك الوقت، بيت العجاجي وبوجندل وبهلول وحمزة والزامل والقاضي وبوزيزي ومديفع وبيت على كنمكه والقصيبي والباكر .وبعد أن كونا فريق كرة القدم قررنا تكوين فريق للسلة، إلا أن الاتحاد رفض أن نسمي فريق كرة السلة النسور، فاقترحت على الشباب تسميته «السلام»، وكان فريق النسور بما يضمه من نجوم في ذلك الوقت منافساً تقليدياً لفريق المحرق، وكان من الطريف أن مدربنا ومدرب فريق المحرق هو الكابتن جاسم المعاود، بعد ذلك اختلف مع إدارة نادي المحرق وأصبح مدرباً للنسور فقط، وكان التحدي فيما بيننا والمحرق كالأهلي والزمالك في مصر، وأتذكر أن المعاودة كان أيضاً أول مدرب لمنتخب البحرين، كنا في البداية حوالي أربعين عضواً وكنا نجتمع في دكان «يوسفوه» الملقب بـ «دوبي» وكان يوسفوه يبيع أنواعاً قليلة من البيبسي كولا ونوعين من العلكة «الملوك وصور الفنانين وشيبس أوكي» ونوعاً واحداً من «الكادبوري»، وكنا نتجمع في فصل الشتاء داخل هذا الدكان الصغير الذي يتحملنا جميعاً، وفي فترة الصيف نتخذ من سور مدرسة عائشة أم المؤمنين مجلساً لنا، وكنا نتجمع على كرسي خشبي طويل والبعض يفترش الأرض ونبدأ من الصباح إلى أن تأتي الشمس بحرارتها في فترة الظهيرة لتطردنا كلاً إلى بيته لنعاود التجمع في فترة العصر. وكان يوم الخميس أحلى الأيام التي تقام فيها الرحلات إلى البساتين المنتشرة في البحرين، وفي إحدى الرحلات وقد اعتدنا أن نطبخ الغداء في منزلنا ومن ثم نأخذه في بيكب إلى البستان ونبيت إلى عصرية الجمعة، وأتذكر أنه في فترة الغداء وبعد أن تم توزيع العيش واللحم في الصواني إذا بشقيقي عزيز - الله يرحمه - وجد « غرشه « بجانب الصواني وفتحها وأخذ يرش عليها صينية صينية ظناً منه أنه نوع من السركه وبعد أن انتهى وتحلق الشباب حول صواني العيش وكلهم جوعاً إذا بهم يكتشفون أن المادة التي رشها إنما هي «غاز » وبذلك لم يستطع أي من الموجودين بالرحلة أن يأكل ولم يكن في تلك الفترة، هناك مطاعم وبذلك صمنا يوم الجمعة وانتظرنا العودة إلى الفريج بسرعة لكي نأكل في بيوتنا ما حرمنا منه «عزيز». الانتقال للنادي الجديد ويتابع محيي الدين: بعد مقرنا في الفاضل تم بناء نادٍ جديد مقابل سينما أوال وكان هذا المقر شعلة من النشاط وقد انتقلنا إليه نهاية الخمسينيات. وفي هذا النادي كان مسرح شتوي مغطى وصيفي مكشوف وكانت تقام فيه الحفلات الصيفية التي يقيمها اتحاد طلبة البحرين في الخارج بالإضافة إلى المسرحيات المحلية للفنان محمد عواد وسلمان الدلال ونادي الفجر، ومن المسرحيات الكويتية أتذكر للمسرح الشعبي مسرحية «سكانه مرته» والعديد من الأعمال، وكان المدخول الرئيسي للنادي من خلال لعبة «الهوزي هوزي» التي تقام كل ليلة جمعة، وتستقطب كثيراً من عشاق هذه اللعبة، ومن الشخصيات التي استضافها النادي الرئيس المصري أنور السادات والشاعر نزار قباني والشاعر محمود درويش وكثير من الأدباء والفنانين والسياسيين، بعد ذلك تم الاتفاق على دمجه وتسميته بالنادي الأهلي وانتقل إلى مبناه الحالي بالماحوز وضم مسرحاً تقام عليه الحفلات والمسرحيات وملاعب لمختلف اللعبات، وقد شاركت كعضو في مجلس الإدارة لفترة ليست بالقصيرة، ثم في لجنة العلاقات، وبعدها في أمانة الصندوق قبل أن أبتعد عن العمل في المجال الرياضي الذي بدأته لاعباً ثم إدارياً، لكنني مازلت في تواصل مع إدارة النادي الأهلي ومتتبعاً نتائجه رغم أنها نتائج لا تسر هذا الصرح العريق الذي بدا يتهاوى في نتائجه الرياضية وهبط إلى الدرجة الثانية، وكم كنت أتمنى أن أسمع عنه الأخبار المفرحة والنجاح للعاملين فيه، وهو النادي الذي خرج منه كثير من نجوم المنتخبات سواء في القدم أو السلة أو اللعبات الأخرى.