منذ تولي جلالة الملك مقاليد الحكم وإطلاقه المشروع الإصلاحي، تشهد مملكة البحرين تطورات مستمرة في جميع المجالات، والتي في مجملها تدفع باتجاه مجتمع متحضر وإلى دولة ديمقراطية تسعى إلى تحقيق آمال وطموح جميع أفرادها.قد يعتقد البعض بأن ميثاق العمل الوطني والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك يختزلان في انتخابات برلمانية وبلدية، والتي يتشكل من خلالها مجلسان نيابي وبلدي، واللذان لم يحققا للمجتمع البحريني تطلعاته حتى الآن - وذلك لعدة أسباب لعلنا نناقشها في مقال آخر-، إلا أن ذلك يعتبر جانباً من جوانب الإصلاح المتعددة والتي لها أهميتها أيضاً.«مؤسســـات المجتمــع المدنـــي كجانــب مــن الإصلاح»الملاحظ للتطور المتواصل على صعيد مؤسسات المجتمع المدني على سبيل المثال، والتي نص دستور مملكة البحرين علـــى حرية تكوينها والانضمام إليهـــا (المادة 27)، يرى تقدماً واضحاً في هذا الجانب، فانتشار مؤسسات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة وتعددها واختلاف نشاطاتها وبرامجها وأهدافها، تعتبر ظاهرة جديرة بالدراسة والتقدير.فهنـــــاك مؤسسات وجمعيـــات سياسيــــة واقتصادية واجتماعية، ونوادٍ وتجمعات شبابية ومهنية وفنيه، بالإضافة إلى النقابات العماليـــة والمراكز الثقافية والمعرفيــــة والمجالس الأسبوعية، وأخرى تهتم بالعمل التطوعي والمرأة والطفل وغيرها من تنظيمات مدنية تُعنى بجميع جوانب الحياة المختلفة، فلا يمر يوم إلا وهناك برنامج أو ندوة أومحاضرة تهتم بأحد هذه الجوانب، والتي من شأنها رفع الثقافة والمعرفة وتداول المشكلات التي يواجهها المجتمع، ومناقشتها وطرح الحلول لها.«مثالٌ لأثرٍ ملموس»إن التطـــور في مؤسســـات المجتمع المدني لم يقتصر على نوعها فقط، بل تجاوز ذلك إلى تطور مستمر في البرامج والأسلوب والطرح، ما أسهم في قيامها بأدوار أكثر شعبيه تمثل بها المجتمع البحريني. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أسهم تطـور المجتمع المدني إلى تنامي دورالدبلوماسية الشعبية في البحرين، والتي كان لها دور فعال في إيصال صوت المجتمع البحريني لدول أخرى متجاوزاً بذلك الحدود الجغرافية، كدورالدبلوماسية الشعبية أثناء أزمة 2011، ووقفتها المشرفة في إيصال مشاعر وتعازي أهل البحرين لشعب دولة الإمارات الشقيقة في شهيد الواجب طارق الشحي، والذي كان للمؤسسات المجتمع المدني دور مهم في تكوين هذه الوفود والقيام بهذه المبادرات.للمجتمع المدني الفعال دور مهم في الدفع بعملية الديمقراطية، فيكفي أن نعرف بأن المجتمع المدني النشط يعتبر مؤشراً رئيساً ومهماً في قياس مدى ديمقراطية النظم السياسية من عدمها، حيث إنه قاد الكثير من الدول الغربية إلى الديمقراطية في مراحل مختلفة من تاريخها، كما أن له دوراً في التنمية البشرية، والمساهمة في تطوير التعليم والثقافة والمعرفة في المجتمعات، ويعتبر أداة شعبية لتناول القضايا المحلية وتسليط الضوء عليها وإدارتها وتدبيرها، بالإضافة إلى دوره في الدفاع عن الحقوق وتشجيع العمل التطوعي وتقديم المساعدة والاستشارة لمحتاجيها وغيرها من أدوار لا تسعنا هذه السطور لذكرها.إن نشاط وتنوع مؤسسات المجتمع المدني في البحرين، لم يكن لينمو ويتسع إلا بوجود البيئة المساعدة لذلك، والتي من أهم ركائزها حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والطباعة والنشر، حيث أطلق المشروع الإصلاحي أيضاً هذه الحريات وأكدها ميثاق العمل والوطني ونص عليها الدستور، فكان لذلك أثره الواضح في تشجيع تكوين هذه التنظيمات والانضمام إليها والمشاركة فيها.«هــل وصلنـــا لمثاليـــة المجتمع المدني؟»بالرغم من النشاط والانتشار الواسع في مؤسسات المجتمع المدني في البحرين، إلا أنه لا يعني ذلك -بكل تأكيد- بأننا وصلنا إلى المرحلة المتقدمة والمثالية في هذا الجانب، وإنما ذلك يحتاج إلى المزيد من الجهد والثقافة المجتمعية والتي تنضجها وتحنكها الخبرة المتجددة والمتراكمة والتي تحتاج لسنوات من التطور في هذه المجال.كما أن هناك أسساً ومبادئ لابد من اتباعها للوصل للمجتمع المدني المتقدم، فلابد أن تبنى هذه المؤسسات على أساس من المواطنة والمساواة والعدالة والتسامح واحترام الآخر وتكافؤ الفرص، لكي تكون بذلك الناشر لمثل هذه القيم والمفاهيم في المجتمع والتي ستنعكس مستقبلاً على الدولة ومؤسساتها. إن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك برغم العقبات والتحديات التي يواجهها في بعــض الجوانب، إلا أنه يجب ألا يُرى الجزء الفارغ من الكأس فقط، بل تقدير الصورة الكاملة للمشروع بجميع جوانبه، مع التمسك به والدفاع عنه والسعي جاهدين إلى تطويره وتقدمه.محمد أحمد مهنا البوعينينبكالوريوس علوم سياسية
المشروع الإصلاحي ومؤسسات المجتمع المدني
22 مارس 2014