التحالفات الاستراتيجية على صعيد السياسة الدولية تعني الالتزام بمجموعة من المبادئ المشتركة والسعي الجماعي بين الأطراف المتحالفة لحفظ المصالح المشتركة وتطويرها بما يخدم مصالح البلدان المتحالفة. هذا هو المعنى المبسط للتحالفات الدولية التي تعني الالتزام طويل المدى بمصالح مشتركة ومواقف ثابتة لا تتغيّر بتغيّر الظروف والمستجدات التي قد تطرأ في المشهد الإقليمي والدولي، فهي لا تقبل التحول السريع، ولا تقبل التجزئة أيضاً، فتارة تكون الدول المتحالفة صديقة، وعدوة تارة أخرى، أو حتى حالة «الأعدقاء» اختصاراً لحالتي الصداقة والعداوة. النظام الدولي الجديد لا يقبل مثل هذه الحالات المصطنعة إذا كانت التحالفات تاريخية وقوية والمصالح عميقة ومشتركة لفترة طويلة زمنياً.مثل هذا الوضع ينطبق تماماً على العلاقات البحرينية ـ الأمريكية التي يفترض أن تكون علاقة تحالف طويلة الأمد تمتد لأكثر من نصف قرن بنى فيها البلدان تاريخاً طويلاً من المصالح المشتركة، وكان لهما تاريخ حافل من المواقف الإيجابية الجادة تجاه العديد من القضايا المحلية والإقليمية والدولية. لا يبدو حتى الآن للبحرين على الأقل، ودول مجلس التعاون الخليجي على النطاق الأوسع أن واشنطن تدرك فعلياً معنى التحالف الاستراتيجي طويل الأمد. بحرينياً كانت البحرين أكثر التزاماً من واشنطن تجاه التحالف الاستراتيجي التاريخي، عززت الولايات المتحدة مصالحها في المنامة، ونالت العديد من المكاسب والامتيازات، مكاسب على صعيد التسهيلات العسكرية الأمريكية، وامتيازات معاملة استثنائية بتطبيق القوانين الأمريكية على الرعايا العسكريين الأمريكيين، في وقت رفضت فيه الحكومة العراقية تطبيق هذه القوانين على جنود واشنطن، وأصرّت على تطبيق القوانين العراقية على هؤلاء الأجانب الموجودين في أراضيها. المنامة لم تقدم مثل هذه التسهيلات العسكرية والامتيازات الخاصة لواشنطن بدون معنى، وإنما كان تقديمها تقديراً للتحالف الاستراتيجي البحريني ـ الأمريكي والمصالح القائمة، وقناعة تامة بأهميتها مستقبلاً. ورغم الظروف والأحداث، فإن الإدارة الأمريكية لم تقدر قيمة هذا التحالف، في وقت تدرك فيه تماماً تراجع نفوذها الدولي، وبروز قوى دولية صاعدة، كما هو الحال بالنسبة لروسيا وحتى الصين التي باتت تنافس دولياً وهي بلاشك خيارات متاحة لكل حليف للولايات المتحدة. كان لافتاً تجاهل الإدارة الأمريكية لتدخلات السفير الأمريكي في البحرين خلال السنوات الماضية رغم التحالف الاستراتيجي. وهي التدخلات التي انتقدتها الخارجية الأمريكية في سياق تقييمها لأداء السفير كراجيسكي عبر تقرير رسمي مؤخراً.اليوم لم يتبق كثيراً على الفترة المتبقية من مهام السفير الأمريكي في المنامة، فهي شهور قليلة على الخارجية البحرينية أن تعمل جيداً على ضمان تعيين سفير لا يتدخل في شؤوننا الداخلية. فتجربة التغيير الدبلوماسي أثبتت إمكانية تعيين دبلوماسيين أجانب لا يتدخلون في الشؤون الداخلية البحرينية، وكانت لنا تجربة جيدة مع تغيير السفير البريطاني السابق بالحالي الذي استطاع تعزيز التحالفات نحو آفاق جديدة قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. البحرين ملتزمة بتحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، ولكن هل تدرك الإدارة الأمريكية معنى هذا التحالف؟يوسف البنخليل