كتب - أمين صالحفيلــــــــم «المستحيـــــــــل» The Impossible (2012)، الذي أخرجه الإسباني خوان أنتونيو بايونا Juan Antonio Bayona، مبني على قصة واقعية حدثت لعائلة إسبانية بينما كانت تقضي عطلة عيد الميلاد (الكريسماس) في إحدى منتجعات تايلند، حين ذلقت مع آلاف من الأهالي والسياح في خضم الفوضى المخيفة التي أحدثتها فيضانات (تسونامي) المحيط الهندي في ديسمبر العام 2004، وراح ضحيتها أكثر من 200 ألف شخص من مختلف الجنسيات في المناطق الآسيوية المطلة على المحيط.من المدهش أن السينما العالمية لم تتطرق إلى هذا الحدث المأساوي – التسونامــــي- ضمــــن البــــؤرة السينمائية، باستثناء أفلام قليلة تعرضت للحدث بشكل عابر أو هامشي أو كخلفية، كما في فيلم كلينت إيستوود .Hereafter فيلم «المستحيل» عبارة عن قصة مباشرة عن تلك العائلة (التي أصبحت بريطانية مع تحويل القصة إلى الشاشة)، ومحاولتها التغلب على الظروف المدمرة التي وجدت نفسها فيها على نحو غير متوقع، وكفاحها من أجل توفير العلاج من جهة، والتواجد معاً من جديد في أمان وطمأنينة. لقد أراد صانعو الفيلم، من خلال تناولهم للكارثة الطبيعية، جعل الفيلم شخصياً بتركيز البؤرة على مأساة عائلة واحدة.. قصة نجاة عائلة واحدة.وعن هذا يقول المخرج خوان أنتونيو بايونا: «إننا نشاهد نشرات الأخبار ونحن في حالة أشبه بالتخدير أو انعدام الحس. النشرات تعرض علينا الأحداث لا الناس. كان هدفي أن أعرض ما لا تستطيع نشرات الأخبار أن تعرضه: التقمص العاطفي والتماهي مع الأفراد، إضفاء الصفة الشخصية على الحدث بحصر وجهة النظر فقط في ما تشاهده الشخصيات وتعرفه وتشعر به. أردت أن أصور تجربة عاطفية، رحلة عاطفية، وليس رحلة فكرية. رحلة عن الألم، وكيف أن الألم الجسماني يصبح ألماً عاطفياً. ثمة ألم ومعاناة في النجاة. ثمة إحساس بالذنب. المأساة حدثت على نحو سريع جداً، في ساعات قليلة، إلى حد أن حتى الذين عايشوا التجربة لم يملكوا الوقت للتفكير فيها. لهذا السبب عليها أن تكون عاطفية جداً». الفيلم ينأى عن إغراءات هذه النوعية من الأفلام التي تحبس أنفاس جمهورها بما يبهر من تقنيات وحيل، ويتجنب الأحداث الوهمية ذات المظهر الجذاب والبريق الخادع، الذي نراه عادة في أفلام الكوارث الخيالية، ليركز بؤرته على الرعب الذي يشعره الناس تجاه ظاهرة مهددة أو حدث مهلك لا يستطيعون تفاديه أو مقاومته. هنا، نجد الإنسان الضئيل في مواجهة القوة العاصفة، عناصر الطبيعة الغاضبة، في معركة غير متكافئة، أعزل إلا من العاطفة الإنسانية، وغريزة البقاء.. مواجهاً محنته بالوحدة والتضامن والمحبة.العائلة مؤلفة من رجل أعمال (إيوان ماكجريجور) وزوجته الطبيبة (نعومي واتس) وأبنائهما الثلاثة. إنهم يقضون إجازتهم المريحة في منطقة ساحلية جميلة. فجأة يهدر البحر القريب، بلا إشعار، مرسلاً للبشر أمواجه السوداء الهائلة لتفيض على اليابسة وتدمر وتجرف المباني والسيارات والبشر وكل ما تصادفه في طريقها، باعثةً الذعر والرعب في القلوب. المياه الهائجة تباعد بين أفراد العائلة فتجرف الأم وابنها الأكبر إلى جهة، وتدفع الأب والابنين إلى اتجاه آخر. مشهد التسونامي يستغرق 15 دقيقة تقريباً على الشاشة، لينتهي بتدمير واسع وشامل لمختلف أوجه الحياة في المدن والقرى الساحلية. الأم تصاب بجرح بليغ في ساقها، فتنقل على عجل إلى أقرب مستشفى، برفقة ابنها، ويتضح أن المكان يعج بالمرضى، ويزداد ازدحاماً مع مرور الوقت. الأمكنة كلها تغص بالموتى والجرحى والباحثين عن المفقودين وأحاديث الرعب والمعاناة والمأساة. في المقابل، هناك نجد – بين الناجين - اللمسات الإنسانية، والحنو والعطف والتعاطف والفهم، والتشبث بالأمل، والتضامن بين الغرباء الذين وحدتهم المحنة أو المأساة.يقول المخرج بايونا: «من خلال البحوث التي أجريناها عن الكوارث الطبيعية اتضح لنا أن الأفراد الذين يفقدون كل شيء يكونون الأكثر عطاءً وكرماً وعطفاً على الآخرين. هذا فيلم صعب، يحتوي على صور غير مريحة، وقاسية جداً، لكن آمل أن يقدم نظرة إيجابية في رؤيتنا للإنسانية». الأب المفجوع، مع ولديه، يستمر في البحث عن زوجته وابنه البكر، ويصل إلى حافة اليأس والانهيار مع إخفاقه في العثور عليهما. إن الفيلم، في نصفه الثاني، يتركز حول البحث وكيفية لم شمل العائلة، بينما حالة الأم تزداد سوءاً. الفيلم لا يضفي سمات بطولية على الشخصيات الرئيسة - أفراد العائلة – ولا يظهرها في صورة استثنائية، أكثر أهميةً وتميزاً وفرادة، من الشخصيات الثانوية الأخرى.. وبسبب هذا، يبدو الفيلم أكثر صدقاً وإقناعاً. إنه يحتفي بطاقة البشر على الحب والعطاء، ويؤكد انتصار الروح الإنسانية. «المستحيل» هو الفيلم الثاني لمخرجه الإسباني خوان أنتونيو بايونا، بعد أن فرض نفسه، بقوة واقتدار، قبل خمس سنوات بفيلمه الأول «الميتم» The Orphanage (2007) الذي حقق نجاحاً فنياً وجماهيرياً، وفيه مزج ببراعة بين النوع المرعب (قصص الأشباح) والميلودرامي (الرابط العائلي القوي)، وبفيلمه الأول ذاك كرّس نفسه كموهبة جديرة بالاهتمام والمتابعة. هو هنا يدير عمله، مستعيناً بطاقات أدائية بارعة، وقدرات فنية ليخلق فيلماً جيداً، الحوار فيه موجز أو غائب في مشاهد عديدة، معتمداً على اللغة البصرية. من جهة أخرى، هو يحافظ على عنصر التشويق والإثارة، مطعماً بعض المشاهد بأجواء وحالات رعب.. لكن دون أن تطغى هذه العناصر على الحالات الإنسانية التي يريد توصيلها، وعلى الأسئلة التي تتصل بالوضع الإنساني، الحياة والموت، المقاومة والاستسلام. ولقد حاز بايونا على جائزة غويا، المقدمة من أكاديمية السينما الإسبانية، كأفضل مخرج عن هذا الفيلم.أداء رائع من ممثليه الرئيسيين، وملفت ومقنع من الأطفال، خصوصاً الابن الأكبر (توم هولاند). نعومي واتس، عبر أدوارها الجادة في العديد من الأفلام، كرست نفسها كواحدة من أهم الممثلات، لا يميزها أداؤها الصادق والقوي فحسب، لكن قدرتها الفائقة على التعبير عن العمق العاطفي للشخصية التي تمثلها. وعن دورها في هذا الفيلم رشحت للعديد من الجوائز.
فيلم المستحيل.. التغلب على الظروف المدمرة
07 أبريل 2014