كتب - يوسف شويطر: كما عرفه المؤلف سعيد مجروح في مقدمة كتابه (الشعر الشعبي للنساء البشتون) يعني حرفياً الموجز وهو في الواقع قصيدة قصيرة جداً، بيتان من الشعر الحر الأول من تسعة مقاطع والثاني من ثلاثة عشر مقطعاً دون قافية إلزامية، لكن بتفعيلة داخلية قوية مع اختلاف الأنغام وفق المناطق من جهة أخرى تصون هذه القصيدة المجهولة القائل من التنافس شبه الدائم، فكل بعد ظهر حين تذهب فتيات القرية لجلب الماء من النبع أو حين يرقصن ويغنين في احتفال أو زفاف يرتجلن لانداي جديدة يترسب أفضلها على الفور في الذاكرة الجماعية.من هم البشتون؟مجموعة عرقية من جذور شرق باكستان تقطن جنوب وشرق أفغانستان والمناطق الشمالية الغربية الحدودية والمناطق الفيدرالية المدارة قبلياً بغرب باكستان. يتميز البشتون بلغتهم البشتو وممارستهم للبشتونية (بشتونوالى) أو الحفاظ على السنن والرموز التقليدية السمحاء لديهم، يعتنق البشتون ديانة الإسلام كافة. تعتبر القومية الأفغانية من أدنى القوميات، فهي تتمركز في أفغانستان وترجع في أصولها للأقوام الهندية الشرقية، وهم بذلك إخوة للهنود الغربيين والبنجاب وغيرهم من الأقوام الشرقية والتي تمثل الهندو أوربي في القارة الآسيوية. والقومية البشتونية أنجبت العديد من أعلام الأمة أشهرهم السيد جمال الدين في العصر الحديث، وهذا ما أكده المؤرخ المرحوم مصطفى جواد والمؤرخ حسين علي محفوظ والمؤرخ عباس إقبال وغيرهم.بين القيود والجرأةكما هو واضح بأن الشعر له حضور طاغٍ في الدين الإسلامي الحنيف، والدليل على ذلك، هو تواجد 120 من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ممن يمتلكون الموهبة الشعرية، وقال الرسول أيضاً بأن الشعر يحرم في ثلاث حالات؛ في الوصف الفاحش والهجاء ووصف الخمر، والرونق الذي يتميز به هذا النوع من الشعر هو الجرأة المشحونة بالعواطف الأنثوية الجياشة، ولكن بحسب الظروف، والنشأة الدينية المحكمة في أفغانستان هي التي أدت لذلك، كل شيء يحكم بالكبت والكتم يولد الانفجار الدامي، ولكن نستطيع أن نقول بأن شاعرات اللانداي يمتلكن السهل الممتنع للتعبير من خلال مقطوعات شعرية قصيرة جداً، والفن بشكل عام يحتاج للجرأة في حالة التعبير.موقف شعر اللانداي من الجرأةلاشك بأن الجرأة قد تضيف جمالاً لغوياً للمادة الفنية بغض النظر عن قضية الحلال والحرام، وإذا نريد التوجه إلى الشعر خاصةً سوف نرى بأن المعلقات والقصائد الغزلية في العصر الجاهلي هي الأكثر تداولاً في عصرنا الحالي، والبعض منها يدرس في الجامعات والمدارس، على سبيل المثال الشاعر حسان بن ثابت عاش 120 سنة، 60 منها في الجاهلية و60 في الإسلام، يقول بعض المؤرخون بأن شاعريته في صدر الإسلام تأطرت بالقيود عكس ما كانت عليه سابقاً، ومن يتعمق بقصائد اللانداي سوف ينسى موضوع الجرأة ويتأمل بالسهولة وقوة التصوير والتشبيه.في قمة الغرابةمن الأشياء التي ممكن أن تلقي الغرابة في ذهن قارئ اللانداي هو أن اللواتي يؤلفن القصائد لم يذكر أسماؤهن وإنما القصائد تترك هكذا بلا اسم مؤلف، وهذا يعطينا انطباعاً بأن المجتمع الأفغاني غير متحرر فنياً وفكرياً من ناحية بروز مواهب المرأة ويعيشون في زمن يحكم بأن المرأة هي العبد المطيع للرجل، والغريب من ذلك أيضاً بأن أفغانستان وما حولها من دول أمثال أوزبكستان و طاجيكستان وغيرهم (بلدان ما وراء النهر) هم الذين أنجبوا خيرة العلماء والفنانين والكتاب في حقبة زمنية ماضية، وإلى الآن تردد أسماؤهم في الأذهان، ومستوطنة في بطون الكتب أمثال الإمام البخاري وابن سينا والترمذي، أيعقل أن دولاً وأقطاراً مثل تلك ينجبون هذه الفئة من الفنون تكبت مواهبهم في الزمن الحالي؟