كتب – جعفر الديري: تحضر المواهب الإبداعية الشابة؛ حضوراً جميلاً في المشهد الثقافي في البحرين. إنها تتلمس خطاها بثبات، وإيمان بقدرتها على الخلق والإنتاج. من هؤلاء القاصة زهراء روساني، التي حصدت مؤخراً جائزة «درع قاص البحرين الأول»، للمتكأ الثقافي. تعتقد زهراء أن القصة القصيرة وصلت إلى أقصى درجات العمق الأدبي والوعي السردي، وترى أنك «أن تكتب القصة القصيرة يعني أنك تمسك بجميع العناصر الموجودة في القصة القصيرة جداً وفي الرواية، لتسكبها بالمقادير المناسبة في نصك». حول هذا العالم الرائع، «القصة القصيرة»، كان لنا هذا اللقاء مع القاصة الشابة.. * يبدو اهتمام زهراء الروساني بالقصة القصيرة جداً، اهتماماً صادراً عن قناعة وإيمان بهذا اللون من الإبداع.. السؤال هل تعتقدين أن القصة القصيرة جداً قادرة على أن تثبت وجودها في ظل الإقبال الكبير على اقتناء الرواية؟- بإضافة الـ«جداً» يصبح الأمر مختلفاً، فهذا الجنس الأدبي الذي يزيد عن الـ«ق.ق» بحرف واحد: «ج» يذكرني بالجوع الشديد في القراءة، كثيراً ما يصعب أن أشعر بالشبع عند قراءته، ولهذا كتابته تتطلب أكبر قدر من الحذر، قد يراه البعض ضرباً من التعمق والبعد عن السطحية، لكن ما أؤمن به هو أن القصة القصيرة هي من وصل إلى أقصى درجات العمق الأدبي والوعي السردي. أن تكتب القصة القصيرة يعني أنك تمسك بجميع العناصر الموجودة في القصة القصيرة جداً وفي الرواية، لتسكبها بالمقادير المناسبة في نصك. ورغم كونها جامعة للفنون والأجناس الأدبية لا تزال تواجه تحدي قلة ونخبوية قرائها في العالم العربي تحديداً. ما يفسح المجال للرواية أن تظهر بشكل أكبر لدى القراء هو انعكاس لكونها تكتب أكثر، مما يعني وجود نكهات عديدة، كل نكهة تتناسب مع ذائقة معينة. إذن.. حين نخوض تجارب أكثر في القصة القصيرة، حين تتنوع الأساليب والأفكار لدى الكتاب، لابد أنها ستثبت وجودها و أكثر.التصالح مع اللغة* هل أنت على علاقة جيدة باللغة التي تكتبين بها، أم أنك ترين أن القصة لا علاقة لها بسوى الخيال والغرائب الصورية والأحاسيس؟- قد لا تشكل القضايا النحوية والإملائية الجزء الأهم من الكتابة الأدبية، لكن من الصعب أن يلبس الأدب ثوب الجمال والخيال، وهذا الثوب ممزق بأخطاء بإمكان طالب في أول مستوياته الدراسية أن يلحظه. ربما تكتب قصة في أروع مستوياتها السردية، ثم تعرض على مدقق لغوي، يعيد الكلمة المحورة إلى شكلها الصحيح، قد يكون الإخراج النهائي في هذه الحالة جيداً، لكن لابد أن الكاتب سيشعر أن قصته فقدت شيئاً من بلاغتها في السرد. جل كلمات القصة القصيرة، تحمل بلاغتين، الأولى في المعنى، والأخرى وهي الأهم في السرد، وللحفاظ عليهما لابد للكاتب أن يتصالح مع اللغة التي يكتب بها وفيها. لا أخفي أني أتعرض لبعض الأخطاء اللغوية عند كتابة نصوصي، في المرة الأولى، لأني أعيش النص بالكامل مما قد يجعلني أغفل، وفي المرات الأخرى التي أحاول أن أتحقق منها تكون قد رسخت بالشكل الصحيح في ذهني، فلا أرى الخطأ أحياناً. هنا قد أحتاج مدققاً لغوياً، لكن المهم ألا يستلم النص وهو مليء بالخرق الكبيرة، فيغير منه ما لا يقنعني ولا يرضيني.البطل حالة اختلاف* من أين تلتقطين أبطال قصصك؟ من نماذج تقابلينها أم من الخيال؟- البطل هو حالة اختلاف، تتشابه تفاصيله من جهة ما مع كل قارئ بطريقة أو بأخرى، مما يتيح للقارئ أن يدخل النص فيكون بطلاً فيه، هذا ما يجعل القراءة ظلاً للكتابة. من المهم أن تخلق الكتابة هذا الظل، تركيبة البطل واحدة من أبواب هذا التكوين، كيف تركب التفاصيل فتخلق اختلافاً فريداً وفي الوقت نفسه تشابهاً غريباً؟ نبدأ من الخيال المحض، ثم نضيف الواقعية من خيارات بشرية منتقاة بعناية فائقة، تخضع لسلسلة من عمليات الدمج والحذف والتغيير.* ما رأيك بالاهتمام الكبير بالقصة من قبل الشباب؟ أتجدينه صحياً ومفيداً، أم هو تخبط وتشتت؟- أي شيء يدخل بوعي وإدراك، قبلهما رغبة حقيقية تنبع من داخل المرء، سيثمر، بإمكان هذه الجملة أن تكون عكسية تماماً، ويقاس الأمر على القصة القصيرة.* عندما تهم زهراء لكتابة قصة جديدة بماذا تشعر؟- من الأسهل أن أحدد شعوري حين تراودني قصة فأختار كما اعتدت ألا أكتبها مباشرة، بل أنتظر أن تتخمر جيدا، هذا الشعور الذي ينهش من رأسي مبتغاه، ومن مفاصل أصابعي ما يجبرني على الكتابة، يحدث الصراع بين عقلي الذي يريد أن ينتظر، ويدي التي لا تقو على ذلك. أما الشعور أثناء الكتابة، فإني أسعى دائماً لجعله مشابها أو مقاربا لحالة البطل، لا العكس.منافسة سردية * ما رأيك بقصص الكتاب البحرينيين، من جيل الروائي عبدالعزيز الموسوي؟ أتعتقدين أنهم يقدمون قصصاً جديدة؟- الكثير من الكتاب البحرينيين يكتبون القصة بشكل ذكي، بحيث يشعلون الشغف لخلق منافسة سردية بين الأجيال العمرية المتفاوتة، يكونون مرنين بما يكفي لاستيعاب القصة القصيرة الحديثة، فتدمج بالتقليدية. هذه التجارب هي ما كنت أقول إننا بحاجة إليها لتثبت القصة القصيرة نفسها لدى عدد كبير من القراء. في المقابل.. ثمة من يرفض الخروج عن الروتين النمطي، يرى القوة في الطريقة التقليدية، التي تعرف عليها بداية مشواره السردي، وأن أي استحداث لم يعتده منذ البدء، هو ضعف يهز أركان القصة وعناصرها، ويجردها من جمالياتها.أقرأ للجميع* لمن تقرأين من كتاب جيلك؟ وأي من الكتاب العرب والعالميين، يشد اهتمام زهراء؟- يوجد عدد جميل من كتاب القصة القصيرة ممن ينتمون معي إلى الجيل ذاته، وللأسف لم يتسن للقارئ المتذوق لهذا الفن أن يتعرف عليهم. تعرفنا على بعضهم من خلال الفكرة الرائعة التي تبناها المتكأ الثقافي، في إصدار مجموعة قصص قصيرة من البحرين.في القراءة التي تهدف لإنشاء مخزن ذهني يمنحك رصيداً وافياً للكتابة بشكل أفضل، يجب أن نقرأ ما أمكن للجميع، الأسماء المعروفة وغير ذلك، أعني أولئك الكتاب الذين لم تصدر كتبهم بعد، ولم يقرأهم إلا القليل، وأيضاً قراءة الجيد والسيء. من الأسماء العربية التي قرأت لها سرداً: أحلام مستغانمي، إبراهيم نصر الله، محمد حسن علوان، محمود تيمور، طه حسين، سعود السنعوسي، الطيب صالح، رضوى عاشور، عبدالرحمن منيف، عبد العزيز الموسوي، أحمد المؤذن، رسول درويش، يثرب العالي.. وغيرهم. قرأت أيضاً لتشيخوف، ادجار آلان بو، موباسان، أجاثا كريستي، باتريك زوسكيند، باولو كويلو، نيكوس كازانتزاكيس، وآخرين، «فلا شيء يحرر الأسئلة، خصوصاً السهلة منها، هذه التي توهمنا بإجابات مجهزة مسبقاً، لا لتقنعنا، بل لتوقفنا عن البحث.. من نص دافع».