منذ الأحداث الأخيرة التي مر بها بلدنا العزيز، والتي ألقت بظلالها وانعكاساتها على المجتمع، وما أفرزته من حالة من اختلال في الفكر السياسي، انتشر استخدام الكثير من المفاهيم السياسية والاجتماعية كمدلول للانتماء والتوجه السياسي، وبعض هذه المفاهيم أصبح استخدامها على نطاق أكبر وللدلالة لمعنى قد يختلف مع مدلولها الصحيح، ولعل حالة التشويش التي خلقتها تلك الأحداث كان لها دور في ذلك، ومن أبرز هذه المفاهيم هما مفهوما المعارضة والموالاة.ولتناول مفهوم المعارضة والموالاة ودلالتيهما، يتوجب علينا استعراض استخدامهما في الدول التي نشأ ونمى فيهما هذان المفهومان بدايةً، ومن ثم مقارنة ذلك بواقع مجتمعنا. ففي الدول المتقدمة ديمقراطياً، التي يوجد بها أحزاب سياسية ذات أجندة وطنية، والتي تمثل أغلبية أطياف الشعب، وتمتلك برنامجاً متكاملاً لإدارة الدولة، تطلق كلمة الموالاة في النظام الديمقراطي النيابي على الحزب الفائز بأغلبية مقاعد البرلمان والذي يشكل من خلال أغلبيته الحكومة، فبالتالي حزب الأغلبية ونوابه يصبح حزب الموالاة والذي يدافع عن برنامج وعمل الحكومة التي أسسها من أعضاء حزبه.أما الحزب أو الأحزاب التي لم تتمكن من حصد أغلبية مقاعد البرلمان تكون أحزاب المعارضة، والتي تنتقد برنامج عمل حزب الموالاة الذي في السلطة من خلال تكوين حكومة ظل، والتي ترصد أوجه النقص والتقصير والخطأ في تطبيق حزب المولاة، حيث يكون الخلاف حول برامج العمل وأساليب التطبيق ومدى واقعية هذه البرامج وتوافقها مع إمكانات الدول والمجتمع.ولتلخيص ما سبق، يمكن القول بأنه لإطلاق وصف موالاة أو معارضة على حزب سياسي معين حسب واقع الدول المتقدمة يتوجب توافر ما يلي: أولاً: أحزاب سياسية وطنية، تمثل جميع أطياف المجتمع دون التفريق بين جنس أو طائفة أو مذهب أو قبيلة. ثانياً: أحزاب ذات برنامج شامل ومتكامل لإدارة الدولة وتصريف شؤونها في جميع جوانب الحياة. ثالثاً: تعمل هذه الأحزاب لتحقيق برامجها عن طريق مؤسسات الدولة وحسب قانونها ونظامها وليس خارجه.فالتساؤل الذي يجب أن نطرحه بعد العرض الموجز السابق، هل واقع مجتمعنا يتشابه مع واقع المجتمعات الديمقراطية المتقدمة؟ وإذا كانت الإجابة هي النفي، فهل يعني ذلك بأن إطلاق مفهومي المعارضة أو الموالاة على بعض الجمعيات أو القوى السياسية يكون خاطئاً؟إن الواقع المعاش على مستوى التجربة الديمقراطية أو على مستوى الجمعيات السياسية وبرامجها ونشاطاتها أو على مستوى الوعي المجتمعي والسياسي، لم يرتقِ لحد الآن لمرحلة يمكن من خلالها مقارنة الحال في بلداننا التي تشهد حالة من التحول الديمقراطي، والذي يرتفع تارة وينخفض حسب معطيات الساحة السياسية، بالدول التي تصنف من ضمن الديمقراطيات الراسخة والمستقرة. كما إن طبيعة المجتمع وخصوصيته، لا تسمح لنا بعقد مثل هذه المقارنات.إن وجود قوى سياسية معارضة وموالية في النظم السياسية وخاصة في مرحلة التحول الديمقراطي لهو ضرورة ديمقراطية، فلا ديمقراطية في أي دولة دون معارضة وموالاة، حيث إن المعارضة هي بمثابة السند القوي والركيزة الأساسية لأي حكومة في أي نظام سياسي ديمقراطي، ويتمثل دورها في نوع من الرقابة وتحقيق العدالة والموازنة مع تكتل الموالاة، فأي ديمقراطية لا تحتوي على معارضة فهي ديمقراطية غير مكتملة.فالمعارضة الوطنية على سبيل المثال، تستمد أهميتها من أنها الوسيلة الوحيدة للتغيير داخل النظم وحفظها من الفساد والتدهور، وضمان ألا يتحول الحكم السياسي إلى نوع من حكم الأوليجاركية «الأقلية» المدمرة لروح القانون والعدالة، إضافة إلى مراقبة الحكومة ومتابعة سياساتها وإحداث نوع من التوازن في السلطة، وعقلنة حركات الاحتجاج والنزاع وترجمتها إلى مطالب سياسية سلمية يمكن النقاش فيها والتفاهم حولها، وهذا هو المعنى الحقيقي للمعارضة الذي نطمح له ونؤيده.أما المعارضة أو المعارض الذي يعارض كل شيء، ولا يرى أن هناك أي إيجابيات، ويقف ضد الدولة والوطن، ويريد الانقلاب على النظام والقانون والحكومة وإعاقة عملهم ويستبيح دم من يخالفه الرأي، من الخطأ وصفه بالمعارض، فذلك لا يدل على وعي سياسي حقيقي وإنما يدل على تطرف وعداء، وهنا يتضح الفرق بين المدلولين وتبتعد المعارضة عن مفهومها ومعناها الحقيقي، وعكسه ينطبق على الموالاة أيضاً.إن من الأخطاء الشائعة التي نقع فيها، ويقع فيها كثير من الكتاب ومتصدري الشأن السياسي، هو وصف بعض القوى والجمعيات الراديكالية الانقلابية بالمعارضة، فحقيقة المعارضة تختلف كلياً مع نشاط وعمل تلك القوى التأزيمية، كما إنه من الخطأ أيضاً استخدام وصف الموالاة والمعارضة للإشارة إلى أحد مكونات المجتمع البحريني وتعميمها على طائفة كاملة، للخروج من حرج استخدام بعض المصطلحات الطائفية، حيث شاع ذلك وبشكل ملفت في السنوات الأخيرة، في حين أن ذلك يعمق الانقسام الطائفي والمذهبي في المجتمع علاوة على كونه تغيراً في حقيقة ومعنى المفهومين. إن توخي الدقة في إطلاق بعض المفاهيم والتسميات على بعض القوى والظواهر السياسية وخاصة من قبل المثقفين والكتاب والسياسيين، له دور في بناء وعي سياسي وثقافي متوازن بعيد عن التشويش والخلط في المفاهيم، والذي سيخرجنا من حالة التشويه الفكري الذي يمر به الوطن في هذه الفترة.حفظ الله البحرين حرة عربية وشعبها المخلص الوفي.محمد أحمد مهنا البوعينين