يكتب الروائي اللبناني جبورالدويهي في عمله الأخير «حي الاميركان» قصة مدينة وناسها في سلسلة من التطورات التي طالتهم من خلال تغير لحق بعالم يحيط بهم.ولعل الكاتب هنا من أوائل الروائيين اللبانيين الذين تناولوا موضوع نشوء بعض الحركات الجهادية أو «الانتحارية» الإسلامية في بيئة كانت في سالف عهدها مرتعاً لحركات التحرر العربي كافة وللدعوات القومية والإنسانية العربية.جاءت الرواية في 160 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن «دار الساقي»في بيروت.ويستند الكاتب إلى أحداث واقعية يستمد منها نسيجه الروائي والى وقائع جرت لشخصيات حقيقية من المدينة وطبعاً مع تغيير في سمات هذه الشخصيات وفي تلك الوقائع مما يجعل الأمر عملاً خيالياً يستند إلى بعض الوقائع فلا يتحول إلى مجرد تاريخ حقيقي لمراحل من حياة المدينة. المدينة هنا هي مدينة طرابلس اللبنانية الشمالية.يبدأ الكاتب من فترة من تاريخ المدينة أيام الانتداب الفرنسي وبعد الاستقلال سنة 1943. إنها مرحلة كانت السلطة المحلية والنفوذ فيها لزعامات المدينة والتي قامت بدور مهم أيضاً على صعيد الحكم الوطني.ويرسم عدداً من شخصياته الروائية عند الحديث عن تلك الزعامات بسمات يبدو واضحاً أنها تستند إلى ملامح معينة مأخوذة من نماذج من أشخاص يشبهون في بعض صفاتهم سلسلة من أفراد عائلة كرامي الطرابلسية العريقة.وقد أعطت عائلة كرامي عدداً ممن لعبوا أدواراً كبرى في حياة لبنان ومنهم عبدالحميد كرامي مفتي طرابلس والشمال وهو أحد رجال الاستقلال ورئيس سابق للحكومة وعضو في البرلمان اللبناني وهو والد رئيسي الوزراء السابقين الراحل رشيد كرامي وشقيقه عمر كرامي وغيرهم من أفراد العائلة من وزراء ونواب. العائلة المشابهة التي يتحدث عنها الدويهي هنا هي عائلة الزعيم مصطفي العزام الذي أوصى بالزعامة بعده لابنه البكر من بين ولديه الاثنين وبقي الأصغر زعيماً محلياً نافذاً.أما الحكم النهائي الذي يصدره الدويهي فهو أنه لابد من تغير في وضع هذا العالم الذي أصابه التحول إلى درجة فقد فيها كثيراً من ملامحه الماضية فانتشر فيه الفقر والبطالة والخيبات واليأس و«مشائخ» متطرفون حولوا عدداً من الشبان إلى جهاديين إسلاميين وانتحاريين تمتد أنشطتهم من أفغانستان إلى اليمن والعراق وإلى لبنان ويتكاثر فيه تفجير الأحزمة الناسفة والسيارات الملغومة.ويبدو أن بعض هذا التحول الذي يشير إليه الكاتب هو التخلي عن القتل واستفاقة الشعور النائم بالأخوة الإنسانية.إسماعيل وهو ابن بلال محسن كانت والدته وجدته تعملان في بيت عبدالله العزام أما أبوه فهو عاطل عن العمل. كانت انتصار أم إسماعيل تأخذه معها أحياناً إلى بيت العزام.وقع إسماعيل تحت تأثير بعض المشائخ وتغير في عاداته وتصرفاته إلى أن كلفوه بالسفر إلى العراق بجواز سفر مزور وهناك كلف بمهمة تفجير إحدى الحافلات عند توقفها في إحدى المحطات. ارتدى الحزام الناسف وركب الحافلة لكنه فوجئ فيها بصبي صغير يشبه أخاه الصغير الكسيح فكاد يضمه باكياً. عند التوقف لم يفجر الحزام بل دخل إلى أحد المراحيض وأخفاه هناك. في هذا الوقت وزعت أخبار عن العملية التي لم تتم ووزع معها شريط عن الشهيد إسماعيل وصلت الأخبار إلى المدينة فارتفعت صوره وتألفت جمعيات تحمل اسمه.استطاع إسماعيل العودة إلى لبنان سراً مع عائلة عراقية نازحة ضمته إليها وأعطته بطاقة هوية ابنها الذي يشبهه. في المدينة خشي أن يعرفوه فيتحول إلى طريد. ملجأه الأخير كان بيت العزام حيث استقبله عبدالكريم العزام نجل عبدالله العزام وأبلغ والدته بأنه حي. ولما سعت الشرطة إلى اعتقاله بصفته إرهابياً مطلوباً للعدالة بعد أن حققت مع عبدالكريم العزام ساعده عبدالكريم على الهرب.يصف الدويهي التحول الرهيب الذي أصاب المدينة من خلال حديث عبدالكريم العزام مع خالته بعد عودته من فرنسا ليفاجأ بالتغير الحاصل. قال باكياً عن ذلك العالم الرومانسي الذي كانت عليه المدينة التي لقبت بالفيحاء ببساتين برتقالها وليمونها الشهيرة «اقتلعوا كل شيء... أطلقوا الجرافات وباعوا الأشجار حطباً البساتين المنبسطة المتعرجة التي تضيق أو تعرض... حولها مهندسو التنظيم المدني إلى ملكيات مربعة أو مستطيلة مستقيمة تماماً.ثم تحول فجأة من السياسة إلى نعي صالات السينما التي أقفلت واحدة تلو الأخرى يعدها «المتروبول» «الكولورادو» «الرومانس»«الروكسي» ويتبارى مع نفسه في معرفة الأقدم منها.