أجمع المشاركون في الجلسة الأولى لمؤتمر «دراسات» حول أمن الخليج في يومه الثاني أمس على أن المرأة بتربيتها لنشئ صالح مؤمن بوطنه وقيمه ومجتمعه تعد ضامناً للأمن الوطني والإقليمي لدول «التعاون»، مؤكدين ضرورة إشراك الشباب والمرأة في صياغة الأمن الوطني لدول مجلس التعاون.ودعت رئيس مجلس سيدات الأعمال العرب الشيخة د.حصة سعد العبدالله السالم الصباح، خلال الجلسة التي ترأستها الشيخة هند بنت سلمان آل خليفة رئيس جمعية رعاية الطفل والأمومة، إلى «تأصيل حب الوطن في نفوس الأبناء، وتعزيز الشعور بشرف الانتماء إلى الوطن للعمل على خدمته والحفاظ على مكتسباته، مؤكدة ضرورة «تعزيز الثقافة الوطنية وترسيخ الأهمية الاقتصادية والجغرافية للوطن، واحترام الأنظمة والحفاظ على حقوق الإنسان».واستعرضت الشيخة حصة تجربتها في توجيه عضوات مجلس سيدات الأعمال العرب بكيفية التعامل مع الأزمات وحالات عدم الاستقرار في الأوطان العربية، منوهة إلى أنه كلما كانت المرأة أكثر قدرة على تنشئة جيل صحيح، كلما أتيحت لها فرص العمل وتعزيز عوامل الاستقرار الاقتصادي وتربية جيدة لجيل يحمل راية التقدم والرخاء للأوطان.وأكدت الشيخة حصة أن الأم هي أول معلم للتربية وترسيخ مفاهيم المواطنة والانتماء إلى الأرض، خاصة وأن سلوكيات الأبناء وأخلاقهم المبنية على تربية الأم ستبقى معهم إلى الأبد.واعتبرت الشيخة حصة الأم أخطر وسيلة لتربية الطفل، لتمثل قدرة متجسدة أمام أعينه وهي مؤثر رئيس على سلوكياته وتنشئته على حب الوطن، مشددة على أن المرأة هي أساس نهضة أي مجتمع وغرس النبتة الطيبة والبذرة الأولى في تنشئة الأبناء، والعمود الفقري لبناء الكيان الإنساني وعطائه وصورته المستقبلية.وقالت الشيخة حصة إن دور البيت أخطر من دور المدرسة والمجتمع في تنشئة الثقافة الوطنية في قلوب النشء، فهو الحضانة الأولى في عماد العملية التربوية، محذرة من خطورة الإهمال في التربية بالمنزل.المرأة و«الحقبة المتأزمة»من جانبها أكدت عضو مجلس الشورى السعودي د.ثريا العريض خلال الجلسة دور المرأة في الأمن الوطني والإقليمي بدول مجلس التعاون وقالت إن دور المرأة الخليجية في هذه الحقبة المتأزمة أمنياً واقتصادياً ومجتمعياً يكتسب أهمية كبيرة.وقالت إن الوعي بضرورة حماية الأمن الداخلي قد زاد بعد أن تفاقمت تأثيرات نخر المجتمع عبر التسييس، والتأجيج المعلن والمستتر، واستغلال معاناة المواطن اقتصادياً لتسخيره كهشيم في معركة الصراع على التسيد للوصول إلى السلطة أو إلى التحكم في الموارد المحلية.وفي حديثها عن دور المرأة كشريك في حماية الأمن الداخلي قالت العريض: «أعطني مجتمعاً يحترم قدرات المرأة.. ويضمن حق المرأة في المواطنة.. أريك مواطنات يزرعن في أبنائهن وبناتهن إخلاص الانتماء، ومناعة مقاومة ذاتية ضد أي محاولة لتضليلهم، أريك وطناً مستقراً». مؤكدة أنه لا تستطيع الأم أن تغرس الشعور بالانتماء في أبنائها، إن لم تكن هي تشعر به في أعماق أعماقها عبر شعور متبادل بالرضا عن موقعها كأنثى في معادلة المجتمع وقوانين المواطنة.وقالت د.ثريا العريض إن الأمن الداخلي بحاجة لغرس وتقوية الشعور بالانتماء ومعالجة مسببات عدم الاستقرار النفسي والاقتصادي بين أفراد المجتمع.الشباب والعالم الافتراضيمن جانبه استعرض د.باقر سلمان النجار أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين التحديات التي يواجهها الشباب في الخليج العربي، وهموم المجتمعات الفتية التي تشكل النسبة الأكبر من التركيبة السكانية.وقال إن مجتمعات الخليج العربي تقوم على قاعدة سكانية فتية نسبتها 67,3%، وهي قاعدة واسعة وبفعل اتساعها العددي توجد تبعات اقتصادية وأخرى اجتماعية وسياسية، لافتاً إلى أن الفئات العمرية الواقعة في ما يعرف بالفئة الشبابية والتي قد تمتد من 15-40 سنة يشكلون ما لا يقل عن 45% من الجسم السكاني المحلي، وهي فئة رغم اتساعها تعاني من مشكلات اجتماعية وأخرى ثقافية واقتصادية.وذكر النجار أن بعض من هذه المشكلات هي ذات طبيعة نفسية اجتماعية يشترك فيها فئة الشباب بشكل عام، إلا أن بعضها الآخر قد فرضته التحولات الاقتصادية والمعرفية والتكنولوجية التي مرت بها المنطقة خلال العقدين الماضيين، مؤكداً ضرورة البحث عن حلول غير تقليدية لحل تلك المشكلات بحيث تكون ذات صبغة جديدة تأخذ في اعتبارها فضاءات الإنترنت المفتوحة وغير القابلة للضبط رغم كونها من أهم مداخل الضغط والتأثير على الشباب.وحذر د.باقر النجار من خطورة عدم القدرة على التعاطي بشكل صحيح مع الفضاء الافتراضي أو الإلكتروني، حيث تعتبر منطقة الخليج من أعلى أقاليم المنطقة العربية استخداماً وتوظيفاً للإنترنت بنسبة تفوق 60% من إجمالي سكان الخليج، تتصدرها الإمارات بنسبة 75% من إجمالي سكانها يستعملون الإنترنت وهو ما يعكس حجم تأثير ما يتم تداوله في الفضاء الإلكتروني على الشباب.وقال النجار إن غياب استراتيجية واضحة وفهم واضح لاحتياجات الشباب قد جعل منهم مجالاً مفتوحاً تستهدفه الكثير من القوى الخارجية والداخلية، لافتاً إلى أن غياب البرامج التي تستوعب الطاقات الشبابية يدفعهم للدخول بأنشطة غير مقبولة أو أعمال محظورة وممارسات سياسية غير مقبولة، ولربما هذا الفراغ قد ترك الشباب لجماعات الإسلام السياسي التي شحنت الشباب طائفياً والنتيجة مزيد من الخلافات والصراعات بالمنطقة.وأوضح النجار أن شباب الخليج يشترك مع الشباب العربي في كثير من المشكلات والهموم المستوردة كنتيجة للعولمة، مثل ظاهرة التنمر بين الشباب وتعاطي الأشكال الجديدة للمخدرات وانتشار العنف المفضي إلى الموت.وبين النجار أنه من المشكلات المقلقة أيضاً للمجتمعات الخليجية هو ارتفاع سن الزواج من فئات عمرية 18-24 سنة لتصبح الآن 20-30 سنة، محذراً من خطورة معدلات الطلاق المرتفعة والمخيفة في الخليج التي تصل في بعض الدول إلى 60% بين الشباب.واعتبر النجار أن التحدي الحقيقي الذي يواجه المنطقة يكمن في خلق وظائف نوعية بعيداً عن القطاعات الحكومية المشبعة وغير القادرة على التمدد، وتأهيل الشباب من الناحية المعرفية والمهنية لدخول القطاع الخاص ومنافسة العمالة الأجنبية.وقال علي حسين شرفي رئيس جمعية البحرين الشبابية خلال الجلسة إن إشراك الشباب والمرأة في عملية التنمية الشاملة أصبح أمراً غاية في الأهمية للتغلب بشكل مستدام على الأزمات والتحديات التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي.وذكر أن الإحصاءات تشير إلى أن معظم سكان دول مجلس التعاون هم دون سن الـ25 سنة، وأنه من المتوقع أن تكون نسبة عدد الشباب من هم دون سن الـ25 حوالي 54%من إجمالي عدد السكان في دول مجلس التعاون بحلول عام 2020 وكذلك بالنسبة للنساء تشير بعض الإحصاءات أن نسبة النساء في دول مجلس التعاون تفوق نسبة الرجال في بعض دول الخليج.وقال شرفي إنه يجب على حكومات دول مجلس التعاون أن تضع الشباب وكذلك المرأة على جميع المستويات في سلم أولوياتها ضمن الاستراتيجيات الحالية والمستقبلية للحفاظ على أمن واستقرار دول مجلس التعاون.وأكد رئيس جمعية البحرين الشبابية على أهمية دور الشباب تجاه دعم قضايا الأمن الوطني موضحاً أن وجود جيل من الشباب الواعي بالسياق المحلي والإقليمي والدولي من شأنه تعزيز الأمن الوطني، وبخاصة في ظل ما تفرزه العولمة من مفاهيم مغلوطة لا تتناسب وخصوصية المجتمعات الخليجية وتطورها، موضحاً أن توعية جيل الشباب بهوية المجتمعات الخليجية من شأنه تعزيز الانتماء الوطني.