كتبت ـ مروة العسيري:رأى مقيمون في تمسك النواب ومشورتهم بمنع رخصة السياقة عن الأجنبي، سيناريوهاً واقعياً للأقصوصة الشعبية ذائعة الصيت «رأس الثور والزير»، حين وجد أبطال القصة أنفسهم أمام مأزق تاريخي عندما علق رأس الثور داخل الزير، فارتأى عتاولتهم قطع رأس الثور، وعندما تعذر إخراج الرأس المقطوع، كسروا الزير وأنهوا المشكلة! وبينما عد مقيمون آخرون فكرة النواب «عبقرية» لم تخطر ببال عتاولة مهندسي العالم، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس الشورى الشيخ د.خالد آل خليفة، تمسك النواب بالمادة «نفخاً في قربة مثقوبة» لا يقدم ولا يحل مشكلة الزحام المروري. ووجد رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان د.عبدالعزيز أبل في المادة المستحدثة تعارضاً مع دستور المملكة واتفاقات دولية وقعتها البحرين، فيما اعتبرها مقيمون دعاية انتخابية «ساذجة» بعيداً عن «عوار الراس». قربة مقطوعةواعتبر الشيخ د.خالد آل خليفة في حديث لـ»الوطن»، أن المادة المتعلقة بمنع رخص السياقة عن الأجانب ما لم يكونوا سائقين، تمييزاً غير مبرر، لا يتماشى مع المستوى الحضاري للبحرين اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.وأضاف «أن المادة صعبة التنفيذ، ومن المستحيل التمييز بين الوافدين بمختلف رواتبهم أو نوع وظيفتهم»، وضرب مثلاً «إذا أخذنا بمستوى الراتب نجد أن بعض السائقين رواتبهم تساوي رواتب العمال، ومن الناحية الوظيفية يتطلب الأمر خلق كادر وظيفي يتناسب والحصول على رخص السياقة».وأكد أن أصحاب الأعمال الصغيرة هم المتضـــررون مــــن تطبيــــق المادة 20 المستحدثة بقانون المرور، معتقداً أن الفكرة لن تخفف عدد السيارات في شوارع البحرين ولن تقلل الزحام المروري.وقال «إن سمحنا للسائقين بمهنة السياقة، فهم سيخرجون بسيارات كفلائهم للشوارع، لأن العمال لن يستطيعوا تحمل كلفة تعليم السياقة واقتناء سيارة»، ملخصاً الكلام حول المادة بالمثل القائل «كمن ينفخ في قربة مقطوعة». من جانبه بين رئيس المؤسسة الوطنية لحقــوق الإنســان د.عبدالعزيــز أبــــل، أن المؤسسة بينت وجهة نظرها بخصوص المادة من خلال مرئياتها المقدمة لمجلس الشورى.وأكد أن المادة تتنافى مع اتفاقيات دولية وقعت عليها البحرين، وكذا نص المادة 31 من الدستور البحريني، وتنص على «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية».وأوضح أبل أن المادة المستحدثة من قبل النواب تقيد حرية التنقل، وهو حق لا يجوز تقييده بأي شكل من الأشكال، لافتاً إلى أن المادة الدستورية تؤكد عدم جواز المس بجوهر الحق والحرية بأي قانون وإجراء.وتساءل أبــل «كيــف يمكن للأجنبي الطبيب أو الصحافي أو المحاسب أو أي أجنبي لا يعمل سائقاً أن يتنقل في البلاد؟»، محذراً من الإساءة إلى صورة البحرين الدولية، خصوصاً فيما يتعلق بالحريات.وقال إن صورة البحرين دولياً تتميز بالحضارة والمدنية، معتقداً أن المادة المستحدثة بقانون المرور بمنع الأجنبي من رخصة السياقة، تؤثر سلباً على هذه الصورة.وألمـــح أبــل إلــى أن المقارنـــة بالقوانيـــن المشابهة في دول مجلس التعاون والدول الشقيقة غير مجدية، لأن الكويت مثلاً شكلت فريقاً يعمل جاهداً على إلغاء المادة، لتعارضها مع الحقوق الإنسانية.من جهته قال النائب سمير خادم إن المادة المثيرة للجدل بشأن منع رخصة السياقة عن الأجنبي، وضعته كنائب بين نارين، الأولى أن المادة تعالج مشاكل من ناحية، ولكنها تفاقم مشكلات أخرى.وشرح «هناك الكثير من العمال والمقيمين يستخدمون السيارات بطريقه خاطئة، وسياراتهم خطر يمشي في الشارع، يهدد البيئة من الدخان المتصاعد منها أو من توقفها فجأة وسط الشارع العام، وتتسبب بالحوادث».وأكد من جانب آخر أن تطبيق القانون يفتح باب التمييز والواسطات، معتقداً أن الحل ليس بالتمسك بالمادة، وإنما بتحديد راتب 500 دينار كحد أدنى للمقيم لاستخراج رخصة سياقة، لافتاً إلى أن الحل الأمثل تحديث الشبكة الطرقية بعموم المملكة.رأس الثور!من جهته قال الوافد إسماعيل إبراهيم «تفتقت أذهان نواب البحرين عن فكرة عبقرية لم تخطر ببال عتاولة مهندسي العالم، بخصوص حل الأزمة المرورية بشوارع المملكة، وملخصها منع الأجنبي من الحصول على شهادة السياقة».وسأل إبراهيم مؤيدي المقترح «ما البديل؟»، و»هل النائب مستعد لتوصيل العامل في برادته مثلاً إلى مقر سكنه؟!»، مؤكداً «أن النواب بالمختصر اختاروا الحل الأسهل، والأكثر عبقرية، بعيداً عن «عوار الراس»، في محاولة مفضوحة لدغدغة مشاعر المواطن قبيل الانتخابات النيابية المرتقبة».وأضاف «كان الأجدى بالنواب البحث عن حلول منطقية لحل المشكلة، والاستئناس بتجارب دول عانت المشكلة ذاتها وتوصلت لحلها، بدلاً من وصفته السحرية الجاهزة بمنع الرخصة عن الأجنبي».وأردف «هؤلاء باختصار ذهبوا للدعاية الانتخابية، وقدموها على المصلحة العامة، وقفزوا على منطق الأمور، وإلا لما اقترحوا نزع شهادة السياقة عن فئة تشكل أكثر من نصف القوى العاملة في البلاد».وفي نفس السياق وصف الوافد ل.خ تمسك النواب بعدم منح الأجنبي رخصة سياقة بـ«انفصال عن الواقع، ودعاية انتخابية ساذجة لا تعدو كونها دغدغة لمشاعر من قد تنطلي عليه وصفة النواب السحرية لحل مشكلة الازدحام».وأوضح أن «هدف النواب المعلن من وراء هذا التفصيل في قانون المرور الجديد وإصرارهم عليه، هو تخفيف الازدحام، وعدم مزاحمة البحرينيين العاملين في مجال سياقة الأجرة، فيما من البديهي أن حل هاتين المشكلتين لا يأتي بسن تشريع يحرم شريحة تشكل أكثر من نصف سكان البحرين من حقهم بامتلاك رخصة سياقة، في بلد يفتقد أساساً لشبكة نقل توفر البديل لامتلاك السيارة».وأضاف أن حل مشكلة الازدحام يكون بمشاريع متطورة في مجال البنية التحتية وتنظيم أكبر للسير في أوقات الذروة، فيما يعد التشدد مع المتعدين على مهنة سواق الأجرة المحصورة بالبحرينيين الحل الأنجع للقضاء على الظاهرة.وأشــار إلــى أن «إصـــرار النـواب على منع الأجنبـــي مــن القيـادة، إما عن جهل بطرق حل المشكلات التي تواجه المجتمع وتلك مصيبة، وإما بسبب نظرة عنصرية تجاه الأجنبي الذي يبني البحرين يداً بيد مع البحريني وحينها تكون المصيبة أعظم». وتساءل ل.خ «هل باستطاعة النواب حرمان الأمريكي والبريطاني من الحصول على شهادة السياقة؟ أم أن القرار يستهدف الآسيوي الذي لا يستطيع أساساً تملك سيارة، والعربي الذي قد يتبرع النائب مشكوراً بتوصيله إلى عمله ومسكنه ويأخذ أبناءه للأطباء ويؤمن احتياجاته اليومية».بدوره قال المقيم عبدالله الطاهر إن مقترح النواب لحل مشكلة زحمة السيارات في البحرين بمنع الأجنبي من السياقة، يعيد ذات الأقصوصة الشعبية الدارجة «رأس الثور والزير».وشــرح الطاهــر «في الأقصوصـة ضاع الثور وضاع الزير بسبب حل يفتقد للعقلانية، حيث شار أحدهم بعد أن عجز الناس عن إخراج رأس ثور علق داخل زير ماء، بقطع رأس الثور، ولما لم يخرج الرأس بعد القطع، أشار إليهم بكسر الزير».وأضاف الطاهر «ينظر النواب للمشكلة من وقائع أقرب إليهم ليس فيها بعد نظر»، مواصلاً «هل سأل أحدهم عن حجم خسائر الاقتصاد البحريني بسبب هكذا قرار؟».وأردف «هناك شركات للسيارات ستتضرر، وهناك شركات تبيع المشتقات البترولية ستتضرر، هل البحرين جاهزة لمثل هذا التوجه؟ هل تتوفر مواصلات عامة في البلد؟».وأكد الطاهر «النائب الذي يسعى لتجهيز نفسه للانتخابات، يضع حلولاً ليست عقلانية، فمع سعيه لإيجاد الحلول وجمع الأصوات يكون لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى».وكان النواب صوتوا بالتمسك بقرارهم السابق، بعد أن رأى مجلس الشورى حذفها لوجود شبهة عدم دستورية ولمنافاتها لحقوق الإنسان، إلا أن الحكومة طلبت إعادة المداولة في المادة ومادتين أخريين، بغرض عدم تعطيل قانون المرور أكثر، خصوصاً أن القانون مضى عليه 8 سنوات بالسلطة التشريعية. وأصر النواب على ضرورة وجود مادة تمنع الأجانــب مــن الحصــول علــى رخــص سياقة باعتبارها جوهرية، وبهدف تخفيف الازدحام بالشارع ومنع الأجانب من منافسة سائقي الأجرة البحرينيين، أسوة بدولة الكويت.
منع الأجنبي من السياقة «شور» نيابي يحاكي «الثور والزير»
25 أبريل 2014