«المحاذير الأيديولوجية لم يعد لها مكان في عالم اليوم «..»، تقدير مملكة البحرين للموقف الروسي بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين في دعم قضايا الخليج والحرص أن تبقى المنطقة التي تشكل عنصراً هاماً في المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية دائماً في وضع مستقر، منوهاً بالالتزام الدائم الذي تبديه روسيا في دعم مصالح أصدقائها وحلفائها»، بتلك العبارات وصف رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة العلاقات البحرينية الروسية التي تعتبر حلقة من حلقات العلاقات الخليجية الروسية. العلاقات الخليجية الروسية شهدت مراحل عدة، منها مرحلة شبه القطيعة في العلاقات السياسية والاقتصادية أيام الاتحاد السوفيتي السابق «الذي تعتبر موسكو الوارث الشرعي له» وأيام التدخل السوفيتي في أفغانستان كذلك، حيث تحفظت دول الخليج العربي على التحركات السوفيتية آنذاك، فضلاً عن محاولة نشر الفكر الشيوعي ورفض دول الخليج العربي الإسلامية لذلك. والمرحلة الثانية، شهدت عودة للعلاقات السياسية والاقتصادية، وصولاً إلى المرحلة الثالثة التي تشهد اهتماماً متبادلاً بين الجانبين الخليجي والروسي خصوصاً مع بروز دور روسيا كقوة دولية على الساحة السياسية، والأهمية الاقتصادية التي يلعبها الطرفان بصفتهما من أكبر المنتجين للنفط والغاز في العالم، وامتلاك الروس للصناعة العسكرية والنووية. العلاقة بين الجانبين عادة ما ترتبط بعوامل أخرى، ومنها العلاقة القوية التي تربط موسكو بطهران، والعلاقة الاستراتيجية بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية بصفتها أحد الحلفاء الاستراتيجيين، فضلاً عن اختلاف دول الخليج مع موسكو في بعض الملفات الإقليمية كالملف السوري. ورغم العلاقات التاريخية التي شابها نوع من الجمود في المستقبل، إلا أننا نشهد خلال هذه الأيام اهتماماً من الطرفين لتقوية وتعزيز العلاقة سواءً على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، ولذلك فقد كثرت الزيارات الثنائية بين دول الخليج وروسيا، حيث بات من المعتاد أن يعلن عن وجود وفود خليجية في موسكو أو أخرى روسية في الخليج لزيادة آفاق التعاون السياسي والاقتصادي. وتعتبر مباحثات الاجتماع الوزاري المشترك الثالث للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجمهورية روسيا الاتحادية من أحد أهم نقاط الالتقاء بين الطرفين الذي تم عقده مؤخراً في دولة الكويت. ففي اجتماع الكويت بحث الجانبان سبل توطيد العلاقات الثنائية، والارتقاء بها إلى مستويات الطموح، بما ينسجم مع الضوابط التاريخية والتي ترجع إلى القرن العشرين، والعلاقات الدبلوماسية العريقة التي يزيد عمرها هذا العام على النصف قرن. التوافق الخليجي الروسي في القضايا الإقليمية والعالمية، لا يصل إلى التوافق والتطابق الكبير في كل الملفات الرئيسة ويعتبر الملف السوري مثالاً واضحاً على ذلك، إلا أن هناك تقارباً في المواقف بين الطرفين في مجمل الصورة الشاملة للأوضاع السياسية.ففيما يتعلق بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتطابق وجهات نظر الجانبين حول النزاع العربي الإسرائيلي، وأن السلام الشامل والدائم لا يتحقق قبل انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.أما فيما يتعلق بالملف الإيراني، فإن لموسكو علاقة وطيدة بالجانب الإيراني سواءً على الصعيد السياسي واشتراكهما في بعض الملفات الشائكة في المنطقة كالملف السوري، أو على صعيد التعاون النووي، بعكس العلاقات المتوترة التي تحظى بها دول الخليج مع الجارة طهران لأسباب عدة منها إقحام طهران نفسها في القضايا في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي، واستمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث «طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى»، وإصرار الإيراني في المضي في مشروع السلاح النووي.. وغيرها من الملفات. العلاقات الخليجية الروسية تمر بفرص استثنائية على جميع الأصعدة خصوصاً في ظل استمرار التحفظات الخليجية على أداء حليفها الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة، إلا أن هذه الفرصة الاستثنائية يؤكد العديد بأنها لن تكون في سياق إيجاد بديل للحليف الاستراتيجي الأمريكي أكثر من كونه بناء مزيد من التحالفات الاستراتيجية مع الدول الكبرى وهي السياسة التي انتهجتها دول الخليج بشكل لافت خلال السنوات الماضية. وفي شأن العلاقات الخليجية الروسية، قال رئيس مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز بن صقر في مقال له «لقد توصلت موسكو ودول الخليج إلى أجندة مشتركة، بعد فترة طويلة من الجفاء، تشمل التعاون في مجالات النفط ومكافحة الإرهاب ومبيعات الأسلحة. ويجري هذا التحول والتركيز الجديد في سياق تعبر فيه دول الخليج عن حرصها على الإبقاء على خياراتها الجيوسياسية مفتوحة أمام كل الاحتمالات، بينما تعكف على مراجعة مدى فاعلية دور الولايات المتحدة بوصفها الضامن الوحيد لأمن المنطقة، مع مواصلة التفكير الجدي في استنباط آلية للأمن الجماعي تستوعب مجموعة من الأطراف الدولية الفاعلة».