قال صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء إن مؤتمر حوار الحضارات والثقافات يجسد رؤية البحرين لتدعيم عناصر التواصل الحضاري والإنساني والثقافي، مشيراً إلى أن «الوحدة الإنسانية هي الأصل الذي يجمعنا على اختلاف توجهاتنا الفكرية والثقافية والدينية وألواننا وألسنتنا، تجمعنا الحياة لنعيش معاً بما حبانا الله به من نعم».وأوضح سموه، خلال افتتاح مؤتمر حوار الحضارات والثقافات نيابة عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، أن «أهمية هذا المؤتمر تكمن فيما يجسده من رؤية البحرين لتدعيم عناصر التواصل الحضاري والإنساني والثقافي بأسس من الحوار القائم على الاحترام المتبادل ما يسهم في ترسيخ أسمى قيم العيش المشترك والتسامح على جميع المستويات».ورحب سمو ولي العهد بـ»جميع المشاركين في هذا المؤتمر ذي القيمة الحضارية المهمة الذي ينعقد برعاية سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى». وأكد سموه «ضرورة التأكيد على الأصل الذي يجمعنا والأخوة المتجذرة فينا لنواجه معاً جميع التحديات ونسهم جميعاً في بناء صرح الأخوة الإنسانية الذي دعت إليه كل الديانات»، لافتاً إلى أن «التعارف الإنساني والتلاقي والحوار والتواصل قاعدة أساسية ينبغي علينا جميعاً أن نعمل على ترسيخها وتقويتها لتصل بنا إلى الوحدة الإنسانية المأمولة التي تحقق للبشر بكل أطيافهم سعادتهم وأمنهم».وشدد سمو ولي العهد على أن «مملكة البحرين تؤكد دعمها لمسيرة حوار الحضارات إسهاماً وتكملةً لجهود المنظمات الإقليمية والعالمية في هذا المجال، مقدراً للجميع جهودهم في هذا المسعى الإنساني الرائد».وشهدت الجلسة الافتتاحية كلمات لـ5 متحدثين يمثلون نخبة من قادة الحوار في العالم وتضمنت الدعوة لحوار على مستويين بين والعرب أنفسهم والمسلمين، وبين المسلمين والعرب وأتباع الديانات والحضارات الأخرى.ودعا شيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، في كلمة افتتح بها المؤتمر، إلى «إطلاق حوار شامل على مستويين داخلي بين العرب أنفسهم والمسلمين، وخارجي بإطلاق الحوار بين العرب والمسلمين وبين أتباع الديانات السماوية والحضارات الأخرى لتوطيد السلم الدولي»، مؤكداً «استعداد الأزهر التام للإسهام بفاعلية في استكمال ما بدأته البحرين من حوار بين المذاهب الإسلامية». وقال د.الطيب: «لقد أصبح العالم على سطح بركان عنيف يهدد بالهلاك، ولم يعد هناك من حل إلا بالتعارف والحوار والتقارب بين الأمم والشعوب والأديان».ودعا شيخ الأزهر إلى أن «تستمر البحرين في رعايتها لهذا الجهد في الحوار والتعارف بين الحضارات على مستويين التعارف والتحاور بين أتباع المذاهب الإسلامية للاتفاق على المشتركات الكثيرة، ضمن حوار داخلي يجمع أهدافنا ويوحد مقاصدنا العليا، ونعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، خاصة وأننا يقع بيننا كمسلمين العنف والبغضاء جراء اختلافات مذهبية يتسع لها ديننا الحنيف، إذ لا ينبغي أن نترك هذه الفروق المذهبية للألاعيب السياسية التي تفرق بين أتباع الدين الواحد، وبعد ذلك يأتي المستوى الثاني وهو التعارف والتحاور مع أتباع الديانات الأخرى».وأضاف: أن «الحقائق التاريخية تسجل أن الإسلام دين عالمي يفتح أبوابه على عناصر الحق والخير والجمال مهما تنوعت مصادرها، وكانت حضارة الإسلام منفتحة على العالم وأثرت وتأثرت بحضارات الآخرين، إذ إن حضارة الإسلام حضارة تعارف وانفتاح تمد يدها للحضارات الأخرى، وهي الحضارة الوحيدة التي استطاعت أن تطرح نفسها خارج الحدود الإسلامية، وكان الإسلام بذلك أول من سعى للعالمية المتعددة المنفتحة، ونحن بأشد الحاجة اليوم لاستلهام روح حضارتنا وإعادة إنتاجها مرة أخرى، ولا مفر من التقريب بين الشعوب والأديان وإزالة أسباب الخلاف حتى يصبح سكان الأرض كأهل مدينة واحدة».توسع «البلقنة»من جهته، دعا صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال إلى «توحيد الجهود التي بدأت منذ أربعة عقود لنشر ثقافة السلام والتمكين لثقافة المواطنة العالمية»، محذراً من خطورة توسع «البلقنة» وانتشار الخلافات العرقية والطائفية التي أصبحت تمتد من البلطيق إلى البحر الأسود وصولاً لمنطقتنا، إذ إن البلقنة قتال وعبث يضاد التنوع الذي هو إقدام متبادل وأهداف سامية، منبهاً إلى أن الظروف الراهنة الدولية تنبئنا كجنس بشري بوشك اندلاع حرب عالمية ثالثة».وقال الأمير الحسن: «نحن بحاجة لمبادرات عديدة لجمع الكلمة على صعيد أمتنا العربية والإسلامية من أجل السلم الاجتماعي، وعلى صعيد العالم بأجمعه على الصعيد الكوني»، مضيفاً أن «الوقت حان ليتوجه الوفد العربي الإسلامي وغير الإسلامي معاً في اتجاه واحد ضمن مفاهيم المواطنة والعدالة للجميع والعدالة السياسية في الأرض المقدسة، وأدعو أن نخاطب بعضنا البعض في هذه المؤتمرات الهامة وأن تكون هذه اللقاءات استئنافاً لسيرورة الحراك الفكري الذي أطلقناه للحوار بين الحضارات منذ أربعة عقود، وينبغي أن تحقق هذه الفعالية الدولية الهامة الانتقال من عالم التأثر إلى عالم التأثير في المجريات وبإرادة حازمة، وذلك بنبذ الخلافات من خلال الحوار الأممي».وأشار إلى أن «كوكب الأرض اليوم قرية واحدة بـ 10 آلاف حضارة وثقافة بشرية، وهذا التنوع بحاجة لأن ينتظم ضمن ثقافة السلام الشاملة لصالح مستقبل الأجيال المقبلة».عزل المتطرفينومن جهته، دعا صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية إلى «تحسين الحوار بين الحضارات والثقافات وتعزيز التعاون بين الشعوب، فإذا أردنا نجاحاً لمستقبل أفضل للجميع فإن التواصل الديني والحضاري والتعاون هو الخيار الأفضل». وقال الأمير الفيصل إن «جهود الملك فيصل بن عبدالعزيز والقيادة السعودية سعت إلى التقارب والحوار بين الأمم والأديان»، داعياً إلى «حل الصراع في فلسطين ووضع حد لسفك الدماء في سوريا على مبادئ العدل والمساواة، وعزل المتطرفين الذين يستخدمون الدين وسيلة لاستمرار الصراع بين الأديان والشعوب.«الإسلاموفوبيا»بدوره، أشاد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي د.إياد مدني بجهود البحرين في عقد هذا المؤتمر الدولي المهم، داعياً إلى أن «يبرز المؤتمر ويؤصل للقيم المشتركة التي تجمع بين كل ثقافات وحضارات وأديان البشر وفق مفاهيم السلم الإنساني».وأكد أن «منظمة التعاون الإسلامي تقف ضد المتطرفين الذين يسعون لتشويه الإسلام واختطافه إذ لا يقدم على ذلك العنف إلا مجموعات متوحشة، في الوقت ذاته الذي تدين فيه تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا.من جانبه، دعا المرجع الديني علي الأمين إلى «البحث عن القواسم المشتركة في الحضارة الإنسانية»، مؤكداً أن «التعددية هي الأساس الذي تبنى عليه الحضارة الإنسانية بتنوع الأديان والثقافات والحضارات، وهذا التنوع ينبغي أن تعززه ثقافة الحوار لتعزيز المشتركات لتجنيب البشرية آفات الحروب والصراعات». وينعقد المؤتمر، الذي يحضره نخبة من رجالات الفكر والثقافة وممثلي الأديان والعقائد وممثلي المنظمات الدولية من مختلف دول العالم وكبار رجالات الدولة، تحت الرعاية الملكية السامية انطلاقاً من رؤية جلالة الملك المفدى الثاقبة لدعم قيم التسامح والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان والمذاهب المختلفة، وتفعيلاً للإسهامات الإنسانية المشهودة للمملكة وقيادتها في دعم الحوار والتفاعل بين الحضارات، واحترام المبادئ الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان وكرامته. وانطلقت أولى جلسات العمل متزامنة مع حفل افتتاح المؤتمر الذي يستقطب نخبة من المنظمات والهيئات الدولية، ونخبة من نحو 150 من المفكرين ورجالات الفكر والثقافة يمثلون أكثر من 15 دولة، إلى جانب 350 شخصية دينية وأكاديمية وفكرية وأدبية محلية، كما يستقطب مشاركات واسعة من مختلف المؤسسات الدينية في العالم على اختلاف أديانها وعقائدها، ولفيف من المؤسسات الثقافية والأكاديمية.ويناقش المشاركون طيلة أيام المؤتمر الثلاثة 12 بحثاً رئيساً تتمحور حول أربعة محاور تشمل التعارف الإنساني وأثره في إسعاد البشرية، ودور المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية في تعزيز الروابط الإنسانية، التعايش بين حضارات متنوعة في الوطن الواحد، حقوق الإنسان والديمقراطية ثمار للحضارات الإنسانية.