تعليقاً على ما نشر بإحدى الصحف المحلية بشأن تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق وما أثاره البعض من عدم تنفيذ التوصيات فيما يتعلق بإسقاط الاتهامات المتداخلة مع حرية التعبير؛ صرح عبد الرحمن السيد المحامي العام الأول بأن ما نشرته الصحيفة جاء مخالفاً للواقع من جهة الإجراءات التي اتخذتها المملكة بصفة عامة لتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، أو التي اتخذتها النيابة العامة بصفة خاصة في القضايا التي تجري التحقيق فيها أو تباشرها أمام المحاكم، وكذلك النتائج المشهودة التي خلصت إليها جميع تلك الإجراءات والتي عكستها الأحكام القضائية، بينما تضمن مغالطات قانونية تخلط ما بين الجرائم المنتظمة بالقانون.وأكد المحامي العام الأول أن ما أعلنته النيابة العامة من قبل هو حقيقة ليس لأحد الاجتهاد فيها ما دامت هذه الحقيقة مترجمة بالأحكام القضائية وقرارات النيابة. والحقيقة هي أن النيابة العامة قد أسقطت الاتهامات التي تتداخل مع الحق في ممارسة حرية الرأي والتعبير، وأبدت هذا صراحة ، قولاً وكتابة أمام المحاكم ، ومن ذلك أن وجه النائب العام خطاباً إلى رئيس محكمة التمييز يفيد فيه بإسقاط النيابة العامة الاتهامات بشأن تلك الجرائم ، بينما صرحت النيابة خلال جلسات المحاكمة بإسقاط هذه الاتهامات ، وهو ما اتبع على سبيل المثال لا الحصر في قضية الأطباء الخاصة باحتلال مجمع السلمانية الطبي، وقضية التآمر على قلب نظام الحكم، وقد تم إثبات ذلك في محاضر الجلسات ، ونوهت إليه المحاكم واستندت إليه في أحكامها ، فاستفاد من إسقاط تلك الاتهامات 334 متهماً ، وذلك بخلاف القضايا التي حفظتها النيابة العامة نتيجة استبعادها هذا النوع من الجرائم، ولم يحدث في هذه الأثناء أن قدمت النيابة شخصاً واحداً إلى المحاكمة بأي من هذه الاتهامات.في حين شكل مجلس القضاء الأعلى لجنة قضائية لمراجعة وفحص الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم السلامة الوطنية، وقد باشرت هذه اللجنة مهامها، وترتب على ذلك الإفراج عن العديد من المتهمين.ومن ناحية أخرى، وتعليقاً على ما تضمنه الخبر المنشور من مطالبة البعض الدولة بأن تعمل على تعديل قانون العقوبات فيما يتعلق بالمواد التي أشار إليها تقرير لجنة تقصي الحقائق، ذكر المحامي العام الأول بأنه يبدو واضحاً أن القائل بهذا قد فاته ما أدخلته المملكة بالفعل من تعديلات تشريعية على مواد قانون العقوبات ذات الصلة ، تماشياً مع توصيات اللجنة ، حيث صدر القانون رقم 51 لسنة 2012 بتعديل المادتين 168، 169 من القانون المتعلقتين بإذاعة الأخبار الكاذبة والمحررات والصور المصطنعة والمزورة ، وبإلغاء المادتين 134 مكرراً، 174 اللتين كانتا تؤثمان المشاركة في فعاليات في الخارج لبحث الأوضاع الداخلية للبلاد بغير ترخيص من الحكومة وحيازة الصور المسيئة لسمعة المملكة، بينما أضاف مادة جديدة برقم 69 مكرراً تنص على تفسير القيود الواردة على الحق في التعبير في الإطار الضروري اللازم لمجتمع ديمقراطي واعتبار ممارسة الحق في حرية التعبير في هذا الإطار عذراً معفياً من العقوبة، وهي التعديلات التي تعمل النيابة حالياً بمقتضاها وكذلك المحاكم بطبيعة الحال.فيما أشار المحامي العام الاول إلى أن ما نشرته الصحيفة بشأن نوعية الممارسات التي تدخل في نطاق حرية الرأي والتعبير تدل بشكل جازم على عدم القدرة على التمييز بين الأفعال المشروعة التي ليست محلاً للجدل، وبين تلك التي تشكل جرائم وفق القانون إذا ما تجاوزت الضوابط الموضوعة لها، فهناك فرق كبير بين المسيرات التي يجوز تنظيمها والدعوة إليها، وبين التجمهرات غير المشروعة التي تقع بقصد ارتكاب جرائم الحرق والتخريب والاعتداء على الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة وقطع الطرق ومنع الناس من مباشرة شئونهم الحياتية بشكل اعتيادي وآمن، فتلك بلا أدنى شك جرائم معاقب عليها، ولا يمكن بحال وتحت أي مبرر أو باعث القول بأنها تدخل في نطاق ممارسة حرية الرأي والتعبير. أما عن المسيرات كحق مباح قانوناً باعتبارها وسيلة للتعبير عن الرأي والمطالب فكل ما اشترطه القانون هو أن يبادر المنظمون لها بإخطار الجهة المختصة باعتزامهم القيام بها، ويعد امتناعهم عن الإخطار جريمة وفقاً للقانون، ومن ثم فإن إحالة النيابة العامة البعض بتهمة القيام بمسيرة دون الإخطار عنها، لا يعد إخلالاً بتوصيات لجنة تقصي الحقائق بقدر ما هو نتيجة للإخلال بالضوابط القانونية المقررة.وفي ذات الإطار نوه المحامي العام الأول إلى أن المحكوم عليهم في قضية التآمر على قلب نظام الحكم قد تم معاقبتهم عن جرائم جسيمة تتمثل في محاولة قلب نظام الحكم بالقوة والتعاون مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية لارتكاب عمليات عدائية داخل المملكة وما ارتبط بذلك من جرائم أخرى، ولم تكن إدانتهم عن ممارستهم حرية التعبير أو الحق في إبداء الرأي، وهي مسألة فصلت فيها الأحكام القضائية نهائياً وحسمها حكم محكمة التمييز.بينما ذكر أيضاً بأن الخبر المنشور قد تضمن إقراراً بأن النيابة العامة قد أسقطت الاتهامات المتداخلة مع حرية التعبير، إلا أن أحد المنسوب إليهم التصريحات موضوع الخبر أعقب ذلك بالقول بأن النيابة رغم ذلك عادت وقدمت 33 شخصاً إلى المحاكمة بتهمة الشغب وحرق مركز شرطة، وهذا ما يؤكد ما سبق الإشارة إليه من اضطراب الفكرة لدى البعض وعجزه عن التمييز ما بين حرية التعبير وبين الجريمة، ما لم يكن الصادر عنه هذا القول يرى بالفعل أن إشعال النيران في الممتلكات العامة ليس بجريمة وإنما حق يمارس في إطار حرية التعبير.