عواصم - (وكالات): نجح مقاتلو «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في التمدد جنوباً بعدما أحكموا قبضتهم على مدينة الموصل شمال العراق، حيث تمكنوا أمس من السيطرة على مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين، واضعين وحدة البلاد أمام أكبر تحدياتها منذ اجتياح العام 2003. ولم يتوقف زحف المقاتلين الجهاديين الذي يقدر عددهم بالمئات إلا عند أطراف مدينة سامراء التي لا تبعد سوى 110 كلم عن شمال العاصمة بغداد، والتي تحوي مرقداً شيعياً أدى تفجيره عام 2006 إلى اندلاع نزاع طائفي قتل فيه الآلاف. وأمام الاختراق الأمني العسكري غير المسبوق، لم تجد الحكومة التي انهارت دفاعات قواتها بسهولة مفاجئة أمام المهاجمين، إلا التأكيد مجدداً على ضرورة التمسك بوحدة العراق، والتوعد بضرب المتمردين. وانتشرت منذ ساعات الصباح الأولى في الموصل مجموعات من المسلحين الذين ارتدى بعضهم زياً عسكرياً فيما ارتدى آخرون ملابس سوداء من دون أن يغطوا وجوههم قرب المصارف والدوائر الحكومية وداخل مقر مجلس محافظة.ولاتزال عشرات العائلات تنزح من الموصل باتجاه إقليم كردستان المجاور لمحافظة نينوى، بحسب ما أفاد شهود عيان. ويتخوف سكان الموصل الذي يبلغ عددهم نحو مليوني شخص من تعرض المدينة لعمليات قصف من قبل الجيش كما يحدث في مدينة الفلوجة غرب بغداد في الأنبار والتي يسيطر عليها أيضاً تنظيم «داعش» منذ بداية العام.وقد أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن أكثر من 500 ألف مدني فروا من المعارك في الموصل ومنطقتها.وفيما كان العراقيون منشغلين بأحداث الموصل ومحافظة نينوى التي أعلنوها ولاية إسلامية، شن المقاتلون الجهاديون هجوماً على محافظة صلاح الدين جنوب نينوى لينجحوا خلال ساعات قليلة في السيطرة على مدينة تكريت شمال بغداد مركز المحافظة.وقال ضابط برتبة عقيد في الشرطة «كل مدينة تكريت في أيدي المسلحين»، بينما ذكر ضابط برتبة رائد في الشرطة أن المسلحين قاموا بتهريب نحو 300 سجين من السجن المركزي في المدينة.وواصل المقاتلون زحفهم جنوباً حيث سيطروا على ناحيتي الدور والعوجة جنوب تكريت، وبلغوا مشارف سامراء حيث خاضوا اشتباكات عنيفة مع قوات حكومية لنحو ساعتين لم ينحوا خلالها في دخول المدينة التي تحوي مرقد الإمامين العسكريين.وإلى جانب سيطرتهم على محافظة نينوى ومدينة تكريت وبعض المناطق الأخرى في صلاح الدين، أحكم المقاتلون أيضاً قبضتهم على النواحي والاقضية التي دخولها أمس الأول في محافظة كركوك الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين العرب والأكراد.وأقدم مقاتلو «داعش» على إعدام 15 من عناصر القوات العراقية في المناطق في محافظة كركوك.كما قام هؤلاء باختطاف عشرات الأتراك بينهم القنصل التركي في الموصل مع العشرات من مساعديه بعدما اقتحموا القنصلية التركية في المدينة، وسط تهديدات تركية بـ «رد قاس» في حال تعرض المختطفون للأذى.وأفادت مصادر دبلوماسية أن تركيا أطلعت حلفاءها في حلف شمال الأطلسي على الوضع في العراق حيث يحتجز نحو 80 من مواطنيها داخل القنصلية في الموصل، لكنها لم تتقدم بأي طلب حتى الآن.وقال مصدر دبلوماسي إثر اجتماع عقد في مقر الحلف في بروكسل إن هدفه كان «اطلاع الحلفاء على الوضع»، لافتاً إلى أن «ممثل تركيا لم يطلب شيئاً من الدول الحليفة».وفي تطور بارز، أفاد مصدر عسكري في الفرقة الثانية عشر للجيش العراقي أن مقر الفرقة 12 شمال غرب كركوك جرى تسليمه إلى قوات البشمركة الكردية «المنتشرة وبشكل مكثف عند أطراف كركوك لحماية المدينة من الهجمات المسلحة».وفي ضوء هذا التدهور الأمني، دعا رئيس الوزراء نوري المالكي العراقيين إلى تشكيل جيش رديف والتمسك بوحدتهم، متوعداً المقاتلين الجهاديين بطردهم من المواقع التي احتلوها. وتتوجه أنظار العراقيين اليوم إلى البرلمان الذي من المتوقع أن يعقد جلسة يصوت خلالها على إعلان حالة الطوارئ في البلاد بطلب من الحكومة التي أعلنت أمس الأول التعبئة العامة وتعهدت بتسليح كل مواطن يتطوع لقتال «الإرهاب».وفي هذا السياق، اقترح الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر القائد السابق لميليشيا «جيش المهدي» تشكيل وحدات أمنية بالتنسيق مع الحكومة العراقية تحت مسمى «سرايا السلام»، تعمل على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية من «القوى الظلامية». وتبعد مدينة الموصل عاصمة الشمال العراقي بضعة كيلومترات عن الحدود مع سوريا حيث تفصل بينها وبين معبر اليعربية الفاصل بين العراق وسوريا منطقة ربيعة التي تسكنها عائلات سنية لها امتدادات عشائرية وعائلية على الجانب الآخر من الحدود. ويخشى مراقبون أن تؤدي سيطرة المقاتلين الجهاديين على نينوى إلى فتح ممر جديد وترسيخ مناطق نفوذ واسعة لهذه التنظيمات المتطرفة عند الحدود العراقية السورية.وأظهرت صور نشرها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» على الإنترنت مقاتليه وهم يزيلون الحدود بين محافظتي نينوى العراقية والحسكة السورية.وفي بيان نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» اعتبرت وزارة الخارجية السورية أن «الإرهاب» الذي يواجهه كل من العراق وسوريا واحد، مبدية استعدادها للتعاون مع العراق «من أجل مواجهة هذا العدو المشترك». من جانبه، أجرى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اتصالاً هاتفياً بنظيره العراقي هوشيار زيباري عارضاً دعم طهران «للحكومة والشعب العراقيين في مواجهة الإرهاب»، وفق ما نقلت وكالة إرنا الإيرانية الرسمية.ووعدت الولايات المتحدة بتقديم مساعدتها لنصف مليون عراقي يتوقع أن يفروا من هجوم المسلحين الإسلاميين الذين سيطروا على مركزي محافظتي نينوى وصلاح الدين ويتقدمون باتجاه بغداد.ودعت دول الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية القوى الديمقراطية في العراق إلى الاتحاد في وجه المتشددين.وفي وقت لاحق، قال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إنه «من غير الوارد» إعادة إرسال قوات بريطانية إلى العراق.ميدانياً أيضاً، قتل 37 شخصاً وأصيب العشرات في هجمات متفرقة في العراق أحدها انتحاري استهدف مجلساً عشائرياً شيعياً في بغداد وقتل فيه 15 شخصاً، بحسب ما أفادت مصادر أمنية.
«داعش» تزحف نحو بغداد.. وانهيار أمني غير مسبوق
12 يونيو 2014