كتب ـ عبدالرحمن محمد أمين:اتفق بعض خريجي الثانوية العامة بالبحرين لسنة 1962 ـ 1963، وبينهم يوسف بوخماس وعبدالله جمعة وآخرون، على اللقاء بمواعيد محددة بعد إنهائهم المرحلة الثانوية، ولاتزال تلك اللقاءات مستمرة رغم مضي نصف قرن من الزمان.خمسون عاماً على عهد اللقاء، يجتمع الأخوة ويتسامرون ويستذكرون حقباً ولت دون رجعة، وهم يقارنون عالم الأمس الجميل بعالم اليوم الذي يرونه رغم ما يحمل من عوامل الأنس البهجة، أقل ألفة وأكثر تباعداً بين الناس.مجموعة ما كان ليكتب لها النجاح لولا جهود المهندس محمد صلاح الدين، باعتباره صاحب الفضل في اجتماع «أعضاء المجموعة»، ومتابعته لاجتماع أصدقاء الدراسة تنظيماً وإعداداً ومراسلة، لكل عضو من الأعضاء وطيلة نصف قرن من الزمان.وبعد أن أدى المهندس محمد صلاح الدين واجبه ودوره تجاه مجموعة 1962، سلم المهمة إلى المهندس عبدالله محمد جمعة، وهو بدوره يكمل المشوار، ويحرص أن تظل المجموعة على تواصل لسنوات مقبلة. ذكريات نصف قرن مضىنخبة من الشباب خريجي 1963، أخذوا على أنفسهم عهداً بالحفاظ على الروابط الأخوية بينهم، خمسون عاماً مضت على العهد ولايزال حاضراً، مجموعة ما كان ليكتب لها النجاح لولا إصرار وجهود المهندس محمد صلاح الدين على حد قولهم، باعتباره صاحب الفضل الأول والأخير في اجتماع الأخوة «أعضاء المجموعة»، ومتابعته لاجتماع أصدقاء الدراسة تنظيماً وإعداداً ومراسلة، لكل عضو من الأعضاء وطيلة نصف قرن من الزمان.«هي عملية ليست بالسهلة» يقولون، لمتابعة أمور كثيرة تحديد زمان ومكان الاجتماع، وظل كرمه وحسن ضيافته ذكريات ودلالات مازالت محفورة بذاكرة الأعضاء، رغم أن الأخوة يتناوبون على استضافة الفريق كل بدوره.عند اللقاء الدوري تستحضر المجموعة حكايات ونوادر أيام الدراسة، إذ لا تخلو من مشاغبات الطلبة لبعضهم البعض وأحياناً للمدرسي بصورة تغلب عليه الشقاوة والفكاهة، ولا تمس أو تجرح المدرس، وكانوا يتقبلونها بصدر رحب.يذكر هؤلاء مشاغبة مدرس اللغة الإنجليزية الهندي الجنسية، وطريقة لفظه لبعض أحرف العربية، وكان بينهم طلبة أكبر سناً وأطول قامة، لذا يضطر المشرف أن يجلسهم في آخر الصف، وعندها يصعب عليهم أحياناً سماع المدرسين، حتى إن بعضهم يقف أحياناً ويقول ويسأل زملاءه الآخرين «شيقول هاذي»، وحيث إن بعض المدرسين العرب لا يفهم اللهجة البحرينية، ويضج الصف بالضحك ويتعكر مزاج المدرس.يجتمع الطلبة في الفرصة في جماعات ولكن دون تفريق في لون أو مذهب، حتى مسجد المدرسة كان يضمهم كأسرة واحدة متحابة، لا يفرق بينهم عقيدة ولا مذهب.وتمر السنون وتنضج العقول وتكبر، ويبدأ كل من هؤلاء الطلبة بالتفكير في اختيار مستقبل دراسته وتخصصه، إن كان في الفرع العلمي أو الأدبي أو التجاري.بينهم من أصبح مهندساً أو طبيباً أو محامياً، وآخرون اختاروا طريق التجارة، وهم اليوم معروفون ومشهورون بخبراتهم وتجاربهم في الميدان، بل تفخر البلد بهم. تتذكر المجموعة أساتذة ذاك العصر، ويخصون منهم الشيخ محمد صالح خنجي وابنه يوسف، جميل الجشي مدرس اللغة الإنجليزية، وإبراهيم فخرو، وآخرون من الجالية المصرية والهندية والإنجليزية كانوا من المدرسين المجدين المخلصين.الطلبة سكنة المنامة يأتون إلى المدرسة كلاً بطريقته، بينما طلبة المحرق والحد وبعض القرى يأتون بالباصات إلى المدرسة الثانوية بالقضيبية الموجودة حتى اليوم.وبعد أن أدى المهندس محمد صلاح الدين واجبه ودوره تجاه مجموعة 1962، سلم المهمة إلى المهندس عبدالله محمد جمعة، وهو بدوره يكمل المشوار، ويحرص أن تظل المجموعة على تواصل لسنوات مقبلة. عبدالله جمعة في سطورأنهى عبدالله جمعة دراسته الثانوية ـ الفرع العلمي في البحرين، قبل أن يلتحق بكلية في بريطانيا سنة 1963، ثم التحق بجامعة «سالفورد» في مانشستر سنة 1966 وحصل منها على شهادة BSC في الهندسة الكهربائية عام 1970، وعمل خلال إقامته في بريطانيا في عدد من الشركات المصنعة للمعدات الكهربائية مثل مفاتيح الضغط العالي والمتوسط والمحولات الكهربائية، بغية الحصول على التدريب والخبرة العلمية المطلوبة لإتمام متطلبات الحصول على الشهادة الجامعية.بدأ عبدالله في نفس عام تخرجه بالعمل كمهندس في إدارة الكهرباء التابعة حينها لوزارة التنمية والخدمات الهندسية ويرأسها المرحوم يوسف بن أحمد الشيراوي «كانت مسؤوليات الوزارة واسعة ومتعددة، وتشمل خدمات الكهرباء والمياه والمباني والصرف الصحي والمواصلات والطيران المدني».العمل في إدارة الكهرباء أكسب عبدالله خبرة واسعة في النواحي الفنية وفي طريقة التعامل مع الجمهور أيضاً «الشكاوى كانت متعددة مثل انقطاعات التيار وضعفه، والعدد الهائل من الطلبات الجديدة لتوصيل الخدمة وأعمال الطوارئ».عاصر عبدالله فترة السبعينات بعد الاستقلال وبداية عهد الانفتاح الاقتصادي «بدأت حينها أعمال البناء في كافة مناطق البحرين، من مبان سكنية ومجمعات ومصانع وعمارات تجارية وفنادق، هذا التوسع الضخم لم تشهده البحرين قبلاً، وانعكس على زيادة الطلب على الكهرباء، في وقت كانت سعة الإنتاج متواضعة جداً، ولا تصل إلى 100 ميجاوات، وشبكات النقل والتوزيع قديمة ومتهالكة، ما حدا بالحكومة لاعتماد خطة طموحة لتطوير البنية التحتية لكافة القطاعات مثل الكهرباء والتعليم والصحة والمياه المحلاة».عبدالله اليوم يشعر بسعادة عظيمة ويفخر ويعتز أنه شارك في تطوير البلاد خاصة مرفق الكهرباء «عاصرت تطوير وبناء شبكة حديثة وقوية سعتها 3 آلاف ميجاوات مرتبطة مع شبكات الربط الخليجي».ويضيف جمعة «عملت في عدة مناصب في وزارة الكهرباء والماء مثل رئيس المهندسين، مدير الكهرباء ووكيل الوزارة المساعد لشؤون الكهرباء،وفي عام 1995 تم تعييني بمرسوم أميري بمنصب وزير الكهرباء والماء، ففي عام 2001 صدر أمر تعييني عضواً بمجلس الشورى، وحصلت على وسام الشيخ عيسى بن سلمان من الدرجة الأولى، وعملت رئيس جمعية المهندسين مابين 1993 - 1995، وأعمل حالياً في الأعمال الحرة بمجال الكهرباء».يوسف بوخماسولد يوسف عيد بوخماس سنة 1948 في البيت العود لعائلة آل بوخماس بين فريقي الشواطرة والمعاودة ببيوتها البسيطة المتلاصقة وتشكل مع بعضها ما يسمي بالفريج.ختم يوسف القرآن وهو في سن العاشرة عند المطوعة شيخة بوعلاي «عند المطوع ينقسم الصبية بجانب والبنات بجانب آخر بنفس المكان، يوم الخميس نهاية الأسبوع تعطينا المطوعة فرصة، ولكن بعد أن تأخذ الحصير الذي نجلس عليه طوال أيام الأسبوع، حيث نأخذه إلى البحر وهو ليس ببعيد عن المكان، لنغسله بماء البحر ونعيده قبل الذهاب إلى بيوتنا».ويتابع يوسف سرد روايته «كان أهلنا يملؤون زجاجات الفيمتو الفارغة بالمياه، ويضعونها داخل كيس من الخيش المبلل لتبقى الزجاجات باردة طيلة ساعات الدوام عند المطوعة».ويضيف «بعد ختم القرآن يلبس الصبي أو البنت أفضل ما عنده من اللباس وغالباً في يوم الخميس، ويطاف به مع أصحابه والمطوع أو المطوعة يتلو ويسبح لله ويحمده بتراتيل وأدعيه خاصة بختم القرآن».أتم يوسف الدراسة بالروضة والتحق بالمدرسة الابتدائية «كانت في موقع مركز سلمان الصحي الحالي بالمحرق، وبعد أن أنهيت الابتدائية نقلت لإكمال صفوف الثاني والثالث والرابع ابتدائي بمدرسة الهداية الخليفية، ثم الثانويه العامة بالقضيبية حتى تخرجي سنة 1963 من القسم التجاري».تابع دراساته العليا عن طريق الانتساب في أمريكا وحصل على دبلوم في إدارة الأعمال «تمكني من اللغة الإنجليزية سهلت علي المراسلات حتى في ميدان عملي التجاري، ولعل الفضل يعود للأستاذ الراحل جميل الجشي».أسرة يوسفساهم يوسف عيد بوخماس كثيراً في نمو مؤسسة بوخماس بعمله الدؤوب إلى جانب والده، وهو يحكي قصة نجاح والده في التجارة، وبعض تفاصيل سيرته.ويتحدث يوسف عن والده «ولد الراحل عيد بن راشد بوخماس سنة 1925، في بيت جده الراحل علي بن حسين بوخماس بفريق الشواطرة المجاور لفريق المعاودة والبنائين بمدينة المحرق، وختم القرآن عند مطوع يسمى فاضل، وتعلم عنده مبادئ القراءة والكتابة منذ صغره، ما ساعده في إدارة محلات بوخماس بسوق القيصرية بالتعاون مع أخيه الراحل عبدالرحمن راشد بوخماس محل بوخماس المشهور في البحرين وكافة دول الخليج بتجارة أدوات القلافة ومستلزمات الغوص، وهي المهنة الوحيدة التي كان يعمل بها ويمارسها أهل البحرين إبان تلك الفترة، وكانت من أدوات الغاصة الفطام والخراب، أما النجاجير فكانوا يستعملون الجدوم والمنشار والمجدح، وكنا نستورد العديد من لوازم البناء والحدادة».كان لمحلات بوخماس عملاء من غالبية وجهاء المحرق في تلك الفترة ويتذكر ابنه يوسف الذي كان ملازماً بصورة دائمة لوالده، وساعده الأيمن، أنه شاهد من رجالات المحرق الراحلين عبدالله بن أمين وأحمد الشيراوي، إضافة إلى محمد بن يوسف الغاوي وحسن عبدالله سيادية وأحمد جمعان وعيسى صقر الشيراوي وعيسى محمد الحادي وآخرين.نقداً وبالدينكان من الزبائن من يتعامل مع والد يوسف بالنقد ومنهم بالدين «السلف»، وكان يدون الديون في دفتر صغير خاص، بينما يسدد الزبائن ما عليهم بالأقساط الشهرية وقت استلام رواتبهم «الأمانة والذمة هي من تحكم العلاقة سابقاً بعكس ما نشهده اليوم، أما التجار فكانوا يرسلون صبيانهم إلى الوالد بورقة يذكرون فيها ما يريدون، وكان يرسل لهم رغباتهم حالاً».ويضيف «لا أبالغ إن قلت إن الوالد كان يقضي أكثر ساعات يومه في دكانه، أكثر مما كان يقضيه مع عائلته، حيث كانت التجارة مزدهرة بجانب شهرة محلات بوخماس، فلا توجد لديه إجازة لا أسبوعية ولا شهرية، ولا يخرج من محله إلا عندما يخيم الظلام، وتأتي النواطير لحراسة الأسواق ويأتي العامل العماني ويدعى سالم العماني لإنارة لمبات الإضاءة بعصا طويلة يحملها بيده للضغط على أزرار أعمدة المصابيح لإضاءتها».سوق القيصرية بالذاكرةيقول بوخماس «يعتبر سوق القيصرية الذي عايشه المرحوم عيد من الأسواق الشعبية القديمة ومازال قائماً والناس يذهبون إليه وخصوصاً كبار السن ممن عاصروا فترات السوق الذهبية، لتعود بهم الذاكرة إلى تلك الفترة».ويردف «ما نفخر به أن دكان الوالد رحمه الله مازال معلماً من معالم تاريخ البحرين الحديثة، وكان الوالد لولعه بالتجارة وتقديم أفضل الخدمات لعملائه، لم يكن يحظى في شبابه بوقت للهو أو اللعب مع الصبيان في الأحياء والفرجان، لأنه كان مشغولاً بالعمل مع جده الراحل الحاج علي بن حسن بوخماس، وكان هادئاً بطبعه سلساً في حديثه متواضعاً وعطوفاً على الفقراء والمساكين، وساعد عدداً من العائلات المحتاجة، وساهم في ترميم عدد من المساجد وإعادة صيانتها». ويتابع «كان الوالد كثير المداعبة مع صديقه وجاره الوجيه الراحل أحمد جاسم سيادي صاحب بيت سيادي الأثري المشهور، عندما يحصل على فرصة للتحدث إليه، ورغم خفة روح الوالد إلا أنه كان شديداً وجاداً في تربية أبنائه على الأخلاق القويمة وطرق التعامل مع الزبائن، واستفدنا كثيراً من تعاليم الوالد في حسن المعاملة كما كنت ملازماً له عند سفره إلى الهند لجلب بعض البضائع كالحبال والمسامير».ويضيف يوسف «كنا نستورد المرايا المزينة المستخدمة في حفلات الزواج وتعلق في ما كان يعرف بالفرشة، وكان من زبائن هذا النوع من المرايا شخص يدعى عبدالله حسين بن هندي، وكان مهتماً بتركيب وتنظيم المرايا بالاتفاق مع العريس وأهله».أصدقاء الوالدعن أصدقاء والده يقول يوسف «كانوا ثلاثة وهم الراحل محمد بن جاسم سيادي والراحل عيسى محمد الكويتي والراحل محمد القطان، وكان الأخير يلقب بمحمد الوزير، وهو من أصحاب حملات بعثات الحج في منتصف القرن الماضي، وكانوا في اجتماعاتهم الليلية الممتدة إلى منتصف الليل يحلو لهم بعدها الذهاب إلى عين بن هندي للاستحمام بها والعودة بعدها إلى منازلهم للنوم». ويضيف «كان الوالد يحظى بحب واحترام كل من كانت تربطه معهم علاقات تجارية وأخوية، ويحرص على مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم، ويسعى بكل باستطاعته لحل مشكلات الناس في ما بينهم أو التوسط لهم لدى الدوائر الحكومية المختصة، ومازال أصدقاء الوالد عندما ألتقي بهم يذكرون لي مكارم الوالد وسعيه الدؤوب لمساعدة المحتاجين، ومن الصفات التي اشتهر بها الوالد حبه للنظام والترتيب إلى درجة أنه إذا ما شاهد في دكانه أو مخزنه كرتوناً في غير محله، نزعه بنفسه ووضعه في مكانه المناسب، ومنه تعلمنا النظام والدقة والمواظبة في العمل».مواقف طريفةيقول يوسف عن ظرف والده «من مداعبات الوالد أنه في إحدى المرات كان بحاجة لسيارة، فأوكل إلى ابنه حسن لشرائها، وبدوره اختار سيارة ذات لون أسود داكن، وعندما أحضرها لبيت العائلة وشاهدها الوالد قال له كل ألوان الدنيا تركتها واخترت اللون الأسود، هل تريد أن أحترق بداخلها أو تحترق أصابعي عند لمسها».ويواصل «في نادرة أخرى حضر أحد الزبائن مع شخص يدعى مال الله الصباغ، وكان يعمل في صباغة البيوت لاختيار طلاء لبوابة بيت ذلك الرجل فكان أن اختار اللون الأحمر، رأى الوالد مال الله وغضب من اختيار اللون وترك المكان مغادراً وهو يقول لا أرضى أن يضحك علي الناس وهم يشاهدون لون الباب، فما كان من صاحب المنزل إلا الخضوع لرغبة الرجل واختار لوناً آخر حتى لا يتعطل عمله».