عواصم - (وكالات): دخل الهجوم الذي تشنه فصائل عراقية مسلحة أسبوعه الأول وسط معارك ضارية مع قوات رئيس الوزراء نوري المالكي للسيطرة على قضاء تلعفر الاستراتيجي شمال بغداد، إثر تقدم الفصائل وسيطرتها على عدد من البلدات التابعة لمدينة القائم بمحافظة الأنبار على الحدود العراقية السورية، فيما دخلت سفينة أمريكية مياه الخليج وعلى متنها 550 من مشاة البحرية أمس، قبل أن تعلن واشنطن أنها تبحث توجيه ضربات بطائرات دون طيار لوقف زحف المسلحين. في موازاة ذلك، أدرجت أمس إمكانية تعاون إيران والولايات المتحدة لمواجهة المسلحين في العراق على جدول أعمال مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا حيث أكدت واشنطن أنها منفتحة بإزاء تعاون مع طهران حليفة بغداد حيال التطورات العراقية. من جهتها، اتهمت السعودية المالكي بدفع بلده نحو الهاوية بسبب اعتماده سياسة التأجيج المذهبي والطائفية، و«إقصاء» العرب السنة، مطالبة بـ «الإسراع» في تشكيل حكومة وفاق وطني.وفي وقت لاحق، أصدرت وزارة الخارجية في البحرين «تعليمات إلى دبلوماسييها في جمهورية العراق بالعودة إلى البحرين نظراً للظروف الأمنية التي تشهدها البلاد».وتضاربت الأنباء أمس حول سيطرة الفصائل المسلحة وبينها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» على مدينة تلعفر بعد قتال عنيف مع قوات المالكي والميليشيات. وذكرت مصادر أن المدينة تشهد موجة نزوح جماعية، وأن نحو ألف عائلة فرت منها. وقد عثر على نحو 70 جثة لسجناء أعدمتهم القوات الحكومية قبل انسحابها.واتهم سكان مناطق سنية داخل تلعفر الشرطة وقوات الجيش بإطلاق قذائف هاون على أحيائهم، مما دفع المسلحين المتمركزين خارج البلدة إلى التدخل.وفي تكريت بث ناشطون صوراً أخرى لمقر الفرقة الرابعة للمشاة التابعة للجيش العراقي بعد سيطرة المسلحين عليه. من جانب آخر يستمر في عدد من المدن العراقية تدفق عشرات للتطوّع في صفوف الجيش.ويقع تلعفر وهو أكبر اقضية العراق من حيث المساحة الجغرافية في منطقة استراتيجية قريبة من الحدود مع سوريا وتركيا، ويبلغ عدد سكانه نحو 425 الف نسمة معظمهم من التركمان الشيعة.وفي محافظة الأنبارغرب العراق، قال ضابط في الجيش إن المسلحين الذي باتوا يسيطرون أيضاً على مناطق واسعة من محافظة صلاح الدين وخصوصاً مركزها مدينة تكريت شمال بغداد هاجموا نواحي الرمانة والكرابلة والعبيدي الواقعة على الحدود العراقية السورية. ويسيطر مسلحون من فصائل عراقية مختلفة بينها عشائر مناهضة للمالكي وتنظيم «داعش»، وتنظيمات أخرى منذ بداية العام على مدينة الفلوجة غرب بغداد، حيث قتل 7 اشخاص من عائلة واحدة بينهم طفلان جراء قصف إصاب منزلاً في المدينة. وكانت التطورات الامنية المتسارعة في العراق دفعت الولايات المتحدة إلى الإعلان عن إرسال تعزيزات أمنية إلى محيط سفارتها في بغداد ونقل موظفين إلى مواقع اخرى، فيما عمدت سفارات اخرى الى الطلب من موظفين غير اساسيين فيها مغادرة العراق. في هذا الوقت، أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري انه منفتح ازاء تعاون محتمل بين واشنطن وطهران حول العراق وحذر من أن توجيه ضربات من طائرات بدون طيار قد يكون احد الخيارات لوقف تقدم الجهاديين. وقال كيري ردا على سؤال من «ياهو نيوز» حول احتمال تعاون الولايات المتحدة عسكريا مع ايران «لا استبعد اي شيء يمكن ان يكون بناء». واضاف ان الرئيس الامريكي باراك اوباما يدرس «كل الخيارات المطروحة بإمعان» بما يشمل استخدام الطائرات بدون طيار، مشيرا الى ان الولايات المتحدة التي انسحبت عسكريا من العراق في نهاية 2011 «متمسكة جدا بوحدة» أراضي البلاد. لكن المتحدث باسم البنتاغون الأميرال جون كيربي أعلن لاحقاً أن واشنطن لا تنوي إجراء مشاورات مع إيران قبل القيام بعمل عسكري محتمل في العراق.وأعلن مسؤول أمريكي في وقت سابق في فيينا أن طهران وواشنطن قد تجريان محادثات حول العراق على هامش المفاوضات النووية. كما دعت الولايات المتحدة أيران إلى عدم التعامل «بأسلوب طائفي» مع الأزمة العراقية، مكررة استعدادها لبحث هذه الأزمة مع طهران.وأفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن محادثات مباشرة ستجري قريباً بين الولايات المتحدة وإيران للاتفاق على كيفية التعاون بينهما لدعم العراق في مواجهة هجوم الفصائل المناهضة للمالكي.وكانت ايران اعربت عن استعدادها لتوفير مساعدة عسكرية من أجل التصدي لهجوم الجهاديين في العراق، من دون أن تستبعد التعاون مع الولايات المتحدة، لكنها في الوقت الراهن ترفض التدخل في المعارك، بينما ذكرت واشنطن أنها تدرس خيارات مساعدة العراق، معلنة عن إرسال حاملة طائرات إلى الخليج. ويعقد وزراء خارجية دول الجامعة العربية اجتماعاً غداً في جدة لمناقشة «الخطوات المطلوب اتخاذها» في مواجهة «الاوضاع الخطيرة» في العراق، على ما أعلنت المنظمة في بيان. وفي أول رد فعل رسمي سعودي على ما يجري في العراق، أكدت الرياض ضرورة «تجنب السياسات القائمة على التأجيج المذهبي والطائفية التي مورست في العراق»، وشددت على «رفض التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية» في إشارة إلى تدخل الإيراني أو الأمريكي المحتمل.ودعت إلى اتخاذ الإجراءات التي «تكفل المشاركة الحقيقية لجميع مكونات الشعب، والمساواة بينها في تولي السلطات والمسؤوليات في تسيير شؤون الدولة وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية اللازمة» كحل وحيد للخروج من الأزمة. كما ندد وزير خارجية قطر خالد العطية بـ «سياسات التهميش والإقصاء التي تتبعها حكومة المالكي»، محملاَ المالكي «مسؤولية ما يحدث بالعراق». من ناحيته، هاجم مفتي العراق الدكتور رافع الرفاعي، المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني الذي دعا إلى القتال في العراق والتطوع للدفاع عن البلاد والمقدسات بعد إصداره فتوى بذلك.وقال الرفاعي «أسأل السيستاني أين فتواه حينما احتلت العراق، دعوة القتال هذه طائفية، ولن نرضى بأن يكون العراق حديقة خلفية لإيران».وحول دور حكومة نوري المالكي ومساهمتها في تصحيح الأوضاع الراهنة في العراق، أضاف مفتي العراق «المالكي موظف صغير في الإدارة الإيرانية، وقد عاهدني سابقاً بتنفيذ مطالب المتظاهرين لكنه لم يفعل، لم يكتفِ المالكي بهذا الحد بل إنه قام بقصف أهالي الرمادي والفلوجة وغيرها، بحجة وجود عناصر من داعش».من جهته، قال نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي إن العنف في العراق جزء من انتفاضة سنية أوسع نطاقا في البلاد وليست مجرد حملة يشنها متشددون منشقون عن تنظيم القاعدة. من ناحية أخرى، أعلنت الأمم المتحدة أن قسماً من طاقمها في بغداد غادر العاصمة العراقية «كإجراء وقائي» وسينتقل إلى مناطق أخرى في العراق.كما أدانت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان نافي بيلاي عمليات الإعدام الوحشية لمئات من الجنود العراقيين غير المقاتلين ومن المدنيين في بيان صدر في جنيف.