بقلم - د. أشرف محمد كشك:لم يكن فوز المشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المصرية التي أجريت على مدى ثلاثة أيام في الفترة من 26 إلى 28 مايو الماضي حدثاً عابراً بالنسبة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ليس لشخص المشير السيسي فحسب وإنما لمجمل العلاقات الخليجية المصرية والتي تتأسس على مبدأ الاحتياج الاستراتيجي المتبادل، صحيح أن تلك العلاقات ربما شابها بعض الفتور بعد عام 2011 إلا أن الشأن المصري ظل حاضراً وبقوة في المشهد الخليجي، كما لم يغب الآن الخليجي عن الاهتمام المصري، حيث أكدت الحكومات المصرية المتعاقبة أن أمن الخليج هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، بل إن المشير السيسي قد أشار إلى ذلك بشكل واضح في لقاء له مع صحيفة «الشرق الأوسط» بالقول «أمن الخليج من أمن مصر ولن تقف مصر موقف المتفرج أمام أي تهديد لأي دولة شقيقة» ولم تكن تلك المقولة مجرد عبارة فرضتها طبيعة التحولات وإنما تعكس ماضي وحاضر ومستقبل العلاقات الخليجية المصرية التي تعد ركيزة أساسية للأمن الإقليمي.فعلى الصعيد التاريخي والاستراتيجي، تكتسب منطقة الخليج العربي أهمية بالغة بالنسبة للأمن القومي المصري وتضرب تلك الأهمية بجذورها في التاريخ، كما تفرضها الاعتبارات الجيواستراتيجية والمتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة، ناهيك عن الروابط الثقافية والاجتماعية بين الجانبين، إلى الدرجة التي دفعت المفكر المعروف د.مأمون فندي للقول في مقال له بصحيفة الأهرام بتاريخ 11 مارس 2009 للتساؤل: مصر دولة خليجية؟ وهو المقال الذي لقي سجالاً وتفاعلاً من كتاب آخرين، وكان مضمون ذلك المقال وردود الأفعال بشأنه هو أنه اتخذ منحى جديداً في معالجة موضوع الدور المصري تجاه أمن الخليج من منظور إنساني في إشارة لمغادرة آلاف العمال المصريين الكويت عام 1990 في أعقاب الغزو العراقي بعدما فقدوا حصيلة عملهم لسنوات طويلة، فضلاً عن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي لمصر، والتي تمثلها السواحل البحرية لمصر مع المملكة العربية السعودية والتي تعد هي الأطول، وفي الإطار ذاته يمكن تفسير تدخلات الجيش المصري في الأزمات التي شهدتها منطقة الخليج العربي، ويعني ذلك أن تلك الرؤى قد أجمعت على أن الدور المصري تجاه أمن الخليج العربي لا يرتبط بالبعد الجغرافي بل يتعداه إلى الواقع الاستراتيجي الذي ينهض على وحدة الهدف والمصير.ومع التسليم بأهمية تلك الأبعاد التي صاغت العلاقات بين الجانبين لعقود طويلة فإن تحولات عام 2011 قد حتمت تسارع وتيرة هذه العلاقات، فعلى الجانب الخليجي أدى انحسار أدوار الدول المحورية ومن ثم تغير ميزان القوى الإقليمي لصالح تعزيز أدوار دول الجوار إلى المزيد من الانكشاف الاستراتيجي للخليج العربي، بل وربما تهيئة الأجواء لمعادلات جديدة لن تكون في صالح دول مجلس التعاون، والذي تزامن معه تغير مضمون السياسة الدفاعية للولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم لم يكن أمراً مستغرباً أن تشكل الأحداث في مصر بؤرة اهتمام دول مجلس التعاون منذ عام 2011 وحتى الآن، وعلى الجانب المصري فإن تطورات الأوضاع بعد عام 2011 وما ترتب عليها من أزمات والاقتصادية منها خاصة، كانت أحد عوامل التقارب بين الجانبين، فضلاً عن حجم المصالح المشتركة بينهما، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد العمالة المصرية في دول مجلس التعاون يبلغ حوالي 3 ملايين فرد تتجاوز تحويلاتهم السنوية 5 مليارات دولار، بما يمثل أحد مصادر الدخل القومي لمصر، ويوجد في المملكة العربية السعودية وحدها نحو 2 مليون، ويتوزع المليون الآخر بين الدول الخليجية الخمس الأخرى، وتشير بعض التقديرات إلى أن نحو 82% من عقود العمل التي حصل عليها المصريون في الخارج عام 2011 كانت من منطقة الخليج العربي، تأتي المملكة العربية السعودية في صدارتها بنسبة 57.5% من إجمالي تلك العقود، ولعله من قبيل الدقة القول أن يتعين حساب عدد هؤلاء ومن يعولون، حيث يتراوح من يعولونهم ما بين 7 و10 ملايين فرد آخرين، وعلى الرغم من تردد دول مجلس التعاون في دعم الاقتصاد المصري بعد عام 2011 فإن تحولات 30 يونيو كانت بداية حزمة مساعدات اقتصادية هائلة لمصر من جانب دول المجلس، من خلال تقديم دعم مادي وعيني في صورة قروض وشحنات وقود بلغت نحو 12 مليار دولار، «المملكة العربية السعودية 5 مليارات، الإمارات 3 مليارات، الكويت 4 مليارات»، ووفقاً لوزارة الاستثمار المصرية فقد قدر حجم الاستثمارات الإماراتية التراكمية خلال السنوات العشر الماضية بنحو 4.2 مليار دولار بما يمثل نحو 23.1% من إجمالي الاستثمارات العربية ونحو 10.1% من الاستثمارات الأجنبية، وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي حجم الاستثمارات الخليجية في مصر عموماً بلغ نحو 50 مليار دولار. وعلى الصعيد الدفاعي: فإنه من التطورات النوعية التي رتبتها تحولات عام 2011 هي أن البعد المصري تجاه أمن الخليج العربي قد اتخذ طابعاً عملياً للمرة الأولى ومنذ تجميد إعلان دمشق عام 1991 الذي كان يعد الصيغة العربية لأمن الخليج، وقد تمثل ذلك في مشاركة القوات المسلحة المصرية في المناورات العسكرية مع بعض دول مجلس التعاون وهي المملكة العربية السعودية «مناورة تبوك 1»، ودولة الإمارات العربية المتحدة «مناورة زايد 1»، والمناورات الجوية «الرابط الأساسي» مع مملكة البحرين والتي شاركت فيها دول الخليج الأخرى، بالإضافة إلى تركيا وباكستان والولايات المتحدة وبريطانيا، وقد اشتملت تلك الأخيرة على العديد من الأنشطة والفعاليات لتوحيد المفاهيم القتالية ونقل وتبادل الخبرات التدريبية بين القوات المشاركة والتدريب على إدارة أعمال قتال الجوي المشترك باستخدام أحدث التكتيكات الجوية وأساليب القتال الحديثة»، وللمشاركة المصرية في تلك المناورات دلالات مهمة سواء بالنسبة لنوعية المناورات أو توقيتها، حيث استمرت بعضها 15 يوماً، وجميعها امتدت خلال الأشهر المنقضية من العام الجاري 2014، بالتوازي مع استمرار المفاوضات الإيرانية الغربية، فضلاً عن نوعية القوات المصرية التي شاركت في تلك المناورات وهي من القوات الجوية والبحرية والقوات الخاصة، ولذلك دلالات مهمة ضمن تحقيق توازن القوى الإقليمي. وعلى الصعيد السياسي: تدرك دول مجلس التعاون الأهمية الاستراتيجية لمصر وهو ما أشار إليه د. عبداللطيف بن راشد الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالقول «إن علاقات دول المجلس مع مصر هي علاقة بين أشقاء تربطهم صلات الدم والتاريخ المشترك»، مشيراً إلى أنها «علاقة استراتيجية تستند على أرضية صلبة من التوافق في المنظور السياسي والمصالح الاقتصادية الواسعة والترابط الاجتماعي والثقافي». وأضاف أن «مصر هي قلب الأمة العربية، وهي ركيزة أساسية للأمن والاستقرار الإقليمي، وما يحدث في مصر يؤثر على الأمن القومي العربي، وعلى دور مصر المحوري في منطقة الشرق الأوسط»، ومع أهمية ذلك فقد كان لتحولات عام 2011 تأثير على مسار تلك العلاقات، حيث إن عدم وضوح الخطاب السياسي المصري بشكل كاف تجاه العديد من القضايا الإقليمية، وبشكل أكثر وضوحاً وجود خلط بين خطاب تيار سياسي والخطاب الرسمي، الأمر الذي جعل دول مجلس التعاون الخليجي تتريث في رسم علاقات مع النخبة الحاكمة في مصر، إلا أنه بعد 30 يونيو 2013 كان هناك نمواً مضطرداً لتلك العلاقات، ولعل اختيار الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور لثلاث دول خليجية لجولة خارجية له وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت كانت مؤشراً واضحاً على وجود رغبة في تطوير تلك العلاقات، من ناحية أخرى فقد كان للدبلوماسية السعودية دور مهم في إيضاح طبيعة التحولات التي تشهدها مصر والقوى الخارجية التي تستهدف أمنها، ولعل اللقاء الذي جمع بين خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود والرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي على متن طائرة خادم الحرمين لدى عودته من المغرب يؤكد وبما لا يدع مجالاً للشك حرص المملكة العربية السعودية على تقديم كافة أشكال الدعم لمصر خلال التحولات الراهنة التي تشهدها في دلالة قاطعة على الترابط الوثيق بين الأمن القومي المصري وأمن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.ومجمل القول أن تطور تلك العلاقات على النحو المشار إليه يعكس حقيقتين:الأولى: هي ترابط مفهوم الأمن الإقليمي بالمعنى السياسي والجيواستراتيجي وليس بالضرورة أن يتوازى مع المفهوم الجغرافي، بل أنه يمكن فهم تلك العلاقة من منطلق الاحتياج الاستراتيجي المتبادل.والثانية: أن التقارب المصري الخليجي يعد الضمانة الأكيدة لإجهاض أي محاولات لإعادة رسم خارطة المنطقة بما يمثل إخلالاً بتوازن القوى القائم بل ويهدد النظام الإقليمي العربي الذي تجسده جامعة الدول العربية كمنظمة إقليمية أو مجلس التعاون لدول الخليج العربية كتنظيم إقليمي فرعي.ومع أهمية وجود قناعة رسمية بين الجانبين تعززها توجهات شعبية بضرورة الارتقاء بتلك العلاقات نحو آفاق أرحب، أقترح آليات خمس لتفعيل تلك العلاقات وهي:الأولى: التفكير في صياغة آلية دفاعية منتظمة بين دول مجلس التعاون ومصر.والثانية: التأسيس لحوار استراتيجي خليجي مصري بشكل دوري حول مجمل المستجدات الإقليمية والعالمية وتأثيرها على مسار العلاقات بين الجانبين.والثالثة: تحفيز الوعي بأهمية تلك العلاقات وتقع تلك المهمة على عاتق مراكز البحوث والدراسات في الجانبين.والرابعة: دعم عمل جمعيات الصداقة بين مصر وبعض دول مجلس التعاون لما تلعبه من دور مهم في تعميق البعد الشعبي في تلك العلاقات.والخامسة: ربما تكون هناك حاجة لخطاب إعلامي جديد بين الجانبين بعيداً عن النمط الكلاسيكي في المعالجة وهو تكامل رأس المال الخليجي مع القوة العاملة المصرية الماهرة، وإنما شمول المعالجة بحيث تأخذ بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية والتحولات بعيدة المدى.* باحث بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة