كتب - عبدالرحمن محمد أمين:يؤكد مجموعة من كبار السن، لـ«الوطن» أن شهر رمضان كانت له روحانيته ومزاجه الخاص أيام زمان، خصوصاً مجالسه التي شكلت وطناً صغيراً يضم مختلف شرائح أهل البحرين، متهمين «الواتساب» و«الإنستغرام» بسرقة أجمل ما في المجالس من مزايا. يقول يوسف بوخماس: لو رجعنا بالذاكرة أواخر الخمسينات وتذكرنا المجالس الرمضانية من حيث العدد والتعداد وقارناها بمجالس اليوم، لوجدنا فارقاً كبيراً، حيث ازدياد كثافة سكان البحرين وزيادة عدد المدن تطلب فتح مجالس عديدة بأسماء العوائل البحرينية المنتشرة على أرض الوطن. ولو عدنا بين رواد المجالس في تلك الأزمنة وزمن الغوص وتجارة اللؤلؤ التي اشتهرت بها البحرين حيث كان أغلبها في أوقات الشتاء لأن أيام الصيف يذهب الغاصة والنواخذة لاستخراج اللؤلؤ، وفي الشتاء عندما يجتمعون في هذه المجالس البسيطة يتحدثون ويتسامرون على ما تم في موسم استخراج اللؤلؤ أو أن بعضهم يلقي قصائد قديمة أو منهم من ينهم أغاني الغوص ليسلي الحاضرين، أما السياسة فلم تكن على بالهم ولم تكن السياسة التي نشاهدها ونسمعها كل يوم.ويضيف: أما من لديه من أحاديث وخواطر، فمنهم المتشدد ومنهم الوسطي المعتدل، أما هواة الرياضة والمباريات فيحلو لهم مناقشة المباريات وما يحدث في الساحة الرياضية، وقد تستمر المناقشة حتى الاحتدام وقد يصل للشجار والخصام دون مبرر. لكن المجالس الرمضانية اليوم بأعدادها وأعداد المترددين عليها تمتاز بالروح الطيبة والتواد والتواصل فيما بعض والتعرف على حال الآخر، وقد يكون صاحبك أو صديقك لم تره لفترة طويلة هي فرصة للقاءات الحميمة التي يقوم بانتظارها كل عام.مجالس للجميع ويتابع بوخماس: أن بعض الج الس تدعو بعض العلماء والفقهاء وأصحاب السياسة المعتدلة للتحدث في مجالسهم مما يفيد الحاضرين من هذه اللقاءات والندوات، لكن ما يحيرنا في بعض أو غالبية الناس ممن أصيبوا بداء الهاتف أو بالأحرى الواتساب والإنستغرام وتوابعهما فتراهم عندما يحضر هذه المجالس تراه منشغلاً وكل اهتمامه متابعة الواتساب تاركاً مناقشة أصحاب المجالس وضيوفهم فهو في واد وهم في واد، فالواجب عندما يحضر الإنسان هذه المجالس يفترض أن يعطي جل اهتمامه لأحاديث من حوله ويترك الهاتف للحاجة الماسة وألا يطول في الحديث فيه لساعات وإلا لماذا أتى إلى المجلس لكنت جلست في منزلك وأخذت راحتك وراعيت شعور الآخرين. لقد حضرت يوماً ما مجلساً عامراً وعند دخولي رأيت أكثر من عشرة أو خمسة عشر شخصاً منكباً على الهاتف وهو منشغل على الرد على الواتساب وخلافه.ويشير بوخماس إلى أنه عند اللقاء في هذه المجالس وعند التحاور فيما بعض قد يستفيد الكثير من الناس من المهندس والمحامي والطبيب والتاجر والأديب كل في مجاله وإلا ما الفائدة من هذه المجالس، الكثير والعديد من الناس وصلت إلى مراكز رفيعة باختلاطها وتحاورها مع هذه الشرائح من الناس. واليوم مع وجود التكنولوجيا والإنترنت بات على الجميع الغوص في منابرها والانتفاع والنفع من مواردها، مجالس آباؤنا وأجدادنا كانت لا تخلو من العبر والقصص والحكايات القديمة التي تعلمنا منها الكثير حتى الثقافة الدينية كانت تصل لنا نحن الأطفال بصورة سليمة ليس فيها من التشدد والتعصب والويل والثبور وتخويف الطفل بالنار إذا لم يقم للصلاة وتلاوة القرآن بل كانت تعطى بقناعة ولين ولطف بعيداً عن التهديد والتوعيد. وعليه وجدت الطفل يجل ويحترم والديه بقناعة بأن الدين دين تسامح ودين الرفق واللين وليس الشدة، فالعنف لا يولد إلا العنف مثله.البيوت مفتوحة بدورها تقول عائشة بوجندل وهي من مواليد الحورة العام 1956، انتقلت للسكن في المحرق العام 1975، وكانت تعمل متدربة في فترات الصيف لدى بعض البنوك: إن البيوت كانت مفتوحة في الماضي حيث يتم توزيع الأطعمة بين الأهالي لدرجة أن البعض كان ينام في بيوت جيرانه ممن يملكون مكيفات الهواء حيث كنا نعيش كأسرة واحدة وكانت رائحة الأكل أثناء طباخه تملأ الفريج بأكمله لأن الطبخ كان يعتمد على الأخشاب وكانت البيوت تحتوي على فناء مفتوح والطبخ يتم في حوش المنزل، وكانت العائلات في تلك الفترة لا يملكون من المال مما هو موجود حالياً كذلك كنا نأكل في السحور الهريس والكباب والفائض من أكلات الفطور، وأتذكر ونحن صغار أننا بعد صلاة التراويح نمارس الألعاب الشعبية السائدة في تلك الفترة وتضم الخليط من بنات وأولاد، أما الآن فقد تغير الحال فلا الجار يعرف جاره والكل أغلق بابه على نفسه فلا زيارات ولا أحد يسأل عن غيره.أما رابحة سعد وهي من مواليد المحرق العام 1964 وعمرها 50 عاماً فتقول: ذهبت أيام الطيبة والتراحم والتواصل، أيام رمضان في السابق كانت مواسم لنشر الخير ومساعدة المحتاجين وأتذكر أن كبار رجال الفرجان في الماضي كانوا يجمعون الفلوس من الأغنياء لشراء الأسماك والرز والخضراوات لتوزيعها على الأسر المحتاجة، متذكرة أن بائع الخضراوات كان يستعمل «الحمير» للدوران على الفرجان للبيع على الأهالي، وكانت بعض النسوة يعملن في بيوتهن طبخ النخي والباجلة والكباب، وأتذكر أن سعر ملة النخي والباجلة من الحجم الكبير 50 فلساً فقط، كنا نخرج ونحن صغار بنات وأولاد في ليالي رمضان بالماضي للعب معاً دون خوف، أما الآن فالعائلات صارت تخشى على عيالها من الخروج ليلاً لأن الفرجان قد امتلأت بالأجانب والعمالة السائبة بعد أن هجر تلك الفرجان أهلها الأصليون، وأرى أن التغيير الوحيد الذي رأيته توفر الحاجيات ووسائل الراحة وفقدنا مكانة الرحمة والتواصل.الاستعداد للشهر الفضيل ويؤكد عبدالرحمن التميمي وهو من مواليد الحورة العام 1953، انتقل إلى المحرق العام 1957 أن هناك اختلافا كبيراً بين رمضان سابقاً وحاضراً، ففي الماضي كنا نستشعر بقدوم رمضان من خلال الاستعدادات التي نشاهدها، فكانت العائلات تقوم بتنظيف الجدور والأواني المعدنية بواسطة ما يعرف (بالصفار) وهو رجل يجلس في مكان واحد بالفريج حيث يتهافت عليه الناس بإحضار جدورهم لتنظيفها وتلميعها بواسطة مادة النشادر والرصاص وكانت تباع في عمارات بسوق المحرق القديم قرب عمارة بوزبون الحالية. ويتذكر التميمي أنه كان يوجد في فريق براحة بن عجلان بالمحرق رجل يدعى عبدالله الصفار، وكنت مولع بالجلوس معه وأنا أشاهده وهو يقوم بإصلاح مواقد الكيروسين وإصلاح أرجلها إذا انحرفت، وفي الماضي لا يوجد عندنا الثلاجات فلم يكن هناك استعداد لتخزين الأكل كما يحدث الآن، وكانت المأكولات توضع فيما يعرف سابقاً (بالمرفاعة) وهي سلة من خوص النخيل تعلق بالحبال في سقف المطبخ لحفظها من الحشرات والبعض كان يستخدم الدولاب المصنوع من الخشب ومغطى بالتور. وكنت أذهب مع الوالد لأنه كان يملك سيارة لشراء الثلج من مصنع يقع في شارع الحكومة بالمنامة ومصنع آخر يقع بالقرب من بيت الدوخي بالحورة، وكان الثلج أنواع فمنه ما يعمل بالماء المقطر ومنه ما يصنع بالمياه المالحة، وكان طول القالب متراً واحداً ويباع بثلاث روبيات، كما كان يوجد ثلج على شكل مربع، وأتذكر أننا عند ذهابنا لشراء الثلج نأخذ معنا ما كان يسمى (بالخيشة) وهي مصنوعة من نوع خاص من القماش وتوضع بها قطعة الثلج حتى لا تذوب بسرعة، وعند وصولنا البيت نقوم بوضع الثلج وهو داخل الخيشة في حفرة بالأرض، أما الأكلات الموجودة خلال شهر رمضان فكانت صالونة السمك وهي المفضلة وتعمل من اللومي الأسود والبصل والبطاطس والطماطم وكانت لذيذة الأكل، والبعض من الأغنياء كانوا يعملون الرز مع السمك والدجاج من تربية البيوت، ومن العادات الحسنة سابقاً كانت توزيع وجبات الإفطار بين الجيران ولكثرة عادات التوزيع كانت لكل عائلة لون أو نيشان معين يوضع على الصحون ليعرف الجيران من أي بيت وصل لهم الفطور. ويضيف عبدالرحمن: بعض البيوت كانت تفتح مجالسها في ليالي شهر رمضان لقراءة القرآن وكنا نجتمع في مجلس السيد أحمد بن عجاج حيث يحضر كل فرد قدر استطاعته من مأكولات وكان أكثرها الثريد على اللحم أو الدجاج والكستر الملون الأصفر والأحمر ومحلبية الأرز، وكانت الزيارات كثيرة بين الأهل والأقارب حيث تقام (الغبكات) أواخر الليل وتحتوي على الرز والسمك وأنواع من الحلاوة أما الشراب المفضل فكان عصير اللومي الطازج خصوصاً خلال أشهر الصيف، أما عن قضاء الأوقات بالنسبة للصغار خلال ليالي رمضان فكنا نلعب (السعكير والخشيشة والماطوع والدوامة والشكحة وهي لعبة القفز على الظهر. وفي أواخر شهر رمضان يستعد الجميع لشراء ملابس العيد وكان أشهر قماش في تلك الفترة ما يعرف (بالاس) وهو قماش يصنع في باكستان وهو غالي الثمن، أما محدودي الدخل فكانوا يعملون قماش (البافته) وهو أبيض اللون، وكان الرجال يشترون النعل المعروفة باسم (الزبيرية)، وأما الأطفال فيؤخذ لهم الأحذية، وفي يوم العيد كانت تقام الولائم من بعد صلاة العيد في مجالس وبيوت أفراد من العائلة المالكة الكريمة اللذين كانوا يقطنون المحرق ومن الأغنياء حيث يتم توزيع الرز باللحم ويطلق عليه (مودم) وحقيقة كانت أيام وليالي وذكريات لا تنسى حيث الطيبة والألفة التي أتمنى أن تعود إلى سابق عهدها.ذكرى خمسينية من جهته يقول محمد بوجيري: صادف خلال خمسينيات القرن الماضي شهر رمضان مع فصل الصيف فكانت أيام صعبة على الناس لعدم وجود المكيفات والثلاجات كما هو الحال اليوم، لدرجة أن حصول الناس على قطعة من الثلج من الأمور المستحيلة والصعبة وكانت المصانع الموجودة في تلك الفترة تقوم ببيع قوالب الثلج لبعض الدكاكين في الفرجان حيث يقوم صاحب الدكان بتقطيع القالب إلى أجزاء صغيرة وبيعها بالرطل وقد شاهدت وأنا صغير مشاجرة وضرب بالأيدي بين رجلين في موقع مبنى بلدية المحرق القديم من أجل الحصول على قطعة ثلج صغيرة، وكان أبناؤنا وأجدادنا عند الظهيرة يقومون برش الماء على ملابسهم عند نومهم لتخفيف حرارة الجو عن أجسادهم وعن أكلات الناس عند الفطور يذكر محمد بوجيري أن طعام الإفطار كان يتكون من الرطب والثريد والأرز وبعض أنواع الحلاوة وخصوصاً النشا والساكو، ولعدم وجود أجهزة الراديو والتلفزيون كان الناس يعتمدون على صوت المسحر وكان يطلق عليه (بوطبيلة) للإفطار والقيام للسحور. وأتذكر أننا كنا نجتمع ونحن صغار عند المساجد فترة المغرب وعندما نسمع الأذان يركض كل منا لبيته لإخبارهم عن الأذان والبدء في أكل الفطور وكان السحور يتكون من الخبز وشاي الحليب وبعد أخذ فترة من الراحة بعد الإفطار يذهب الكبار منا للمساجد لصلاة التراويح وكانت 20 ركعة في تلك الأيام، أما صغار السن والشباب فلا ترى إلا القليل في المساجد بخلاف الآن والحمد لله أن الشباب هم غالبية رواد المساجد. وأتذكر أن المسحر في فريق بوخميس بالمحرق كان اسمه مبارك المسحر كما كان يقوم بدق الحب عدة أشخاص أذكر منهم مطلق وعمر وسرحان ومرضي وذلك لبيوت أغنياء الفريج كعائلة المرحوم عبدالله بن أمين والإخوان المرحومين عبدالله وعبدالرحمن غلوم محمد أمين والمرحوم حسن الساعاتي.
كبار السن: «الواتساب» و«الإنستغرام» سرقا مزايا المجالس الرمضانية
28 يونيو 2014