كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري: الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان في منطقة الخليج العربي تكاد تكون نسخة مكررة لعادات أهله المتقاربة، وإن اختلفت في المسميات ويكون هذا الاستقبال عادة بالتهيؤ للشهر الكريم منذ وقت مبكر، وقبل دخوله حيث يتواصى الناس بالخير، ويذكرون بعضهم بعضًا باقتراب موعد حلول شهر رمضان.أهل الخليج وكما في البحرين يعتبرونه شهر الخير والفرح والبهجة والسرور، وأكثر ما تتجلى هذه المشاعر في الليلة الأخيرة من شهر شعبان، حيث يخرج الناس لمشاهدة هلال رمضان ويتنافسون في مراقبة هلاله فتراهم يبحثون عن الأماكن المرتفعة، فيصعدون إليها شغفًا وطلبًا للفوز برؤية الهلال حيث إن رؤية الهلال لها رمزية ومكانة عند الناس، لذلك نرى أن من يسبق إلى رؤية هلال رمضان يشتهر اسمه بين الناس، ويذيع صيته ذلك في الماضي قبل دخول التقنيات الحديثة اليوم.أهل الخليج عموماً عاداتهم متقاربة وأعرافهم متشابهة حيث تتنوع الأكلات الرمضانية عندهم، ومنها « مجبوس اللحم» و«الهريس» و«الثريد»، وغير ذلك من الأكــلات الخليجية المشهورة في هذا الشهر الكريم «كالخبيص» و«اللقيمات» وتسمى في بعض مناطق الخليج كالكويت مثلاً «لقمة القاضي» وهناك «قرص العقيلي» و«خبز الرقاق» و«لكباب» و«الزلابية» بالإضافة إلى بعض الحلويات العربية التي أدخلها أشقاؤنا في مصر ودول الشام مثل «الكنافة» و«القطايف» و«البقلاوة» والكثير من الأكلات التركية والهندية التي دخلت على الخط بالإضافة إلى الحلوى بلونيها الأحمر والأخضر وفي البحرين هناك الحلوى درجات وأسعارها تتفاوت من دينارين إلى ثلاثة إلى خمسة وهناك الحلوى العادية والسوبر والمليئة بالهيل والزعفران والمغلفة بالمكسرات وهناك «الملكية»، أما في عمان فقد تميّزوا عمّن سواهم من أهل الخليج بـ «الحلوى العمانية»، وهي حلوى لذيذة لا يخلو منها البيت العماني طيلة أيام العام وتزداد في ليالي رمضان، ولها أنواع عدّة تتفاوت في قيمتها ومكوّناتها، ويأتي في مقدمها «السلْطانية» التي تعتبر أغلى أنواع الحلوى، ولا يحصل عليها إلا علية القوم من شيوخ القبائل وكبار التجّار نظراً لقيمتها المرتفعة، تليها حلوى «بركا» وحلوى « نزوى» و«صحار»، وتأخذ هذه الحلوى ألواناً عدة، فمنها ما هو أسود اللون ومنها ما هو أصفر ومنها الأحمر، ويتم إضافة اللوز والفستق إليها، وفي بعض الأنواع يُضاف إليها «الكازو» والزعفران والهيل والسمن العربي، وحديثاً تم إدخال التمر في هذه الحلوى رغبة في تطوير صناعتها واستحداث مذاقاتٍ جديدة لها. الليالي الرمضانيةالليالي الرمضانية قد لا تختلف عن غيرها من الدول الخليجية، حيث يلتقي أهل الفريج الواحد في المساجد لأداء صلاة التراويح، وتتفاوت المساجد في أداء عدد ركعات صلاة التراويح حسب ما يراه أئمتها ومشايخها، فالبعض يصلي التراويح عشرين ركعة، والبعض الآخر يصليها ثمان ركعات.واجتماع الناس في رمضان يعتبر ظاهرة مميزة عند أهل الخليج، حيث يتكرر اجتماعهم أكثر من مرة في اليوم الواحد إضافة إلى اجتماعهم وقت أداء الصلوات فإنهم يجتمعون في حلقات لتدارس وقراءة القرآن بعد الفجر والعصر من أيام رمضان، كما يجتمعون عند تناول طعام الفطور في البيت بين الأسرة الواحدة، أو في المسجد رفقة أهل الفريج الواحد، ويلتقي الجميع لشرب القهوة والشاي بعد أداء صلاة التراويح، وتكثر في هذا الشهر المبارك مجالس الصلح والمصالحة بين المتخاصمين والمتشاحنين والمتنافرين، حيث يسامح المتخاصمون بعضهم بعضًا، ويتناسى المتشاحنون ما كان بينهم من بغضاء، ويصل المقاطعون ما أمر الله به أن يوصل.المجالس تعود للحياةمن الأشياء الجميلة في شهر رمضان عودة المجالس إلى الحياة، وخصوصاً التي أقفلت أبوابها بعد الانتخابات النيابية حيث ينشط الكثير منها في الحملات الانتخابية دعماً لمرشح دائرتهم، وتعاود تلك المجالس فتح أبوابها لتعود بذلك للحياة ومنها من ينظم الندوات والحلقات الرمضانية وإحضار المتخصصين في إلقاء الندوات الخاصة بالشهر الفضيل والتي تذكر بمحاسن هذا الشهر وسير النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة ولا يبتعد الحضور في المجالس بالحديث عن قضايا الساعة والأحداث التي تشغل العالم من صراعات ومؤامرات وحروب لا تنتهي، كذلك يأتي الحوار عن المترشحين للانتخابات المقبلة وبرامجهم كمادة دسمة تشعل برامج الحضور في عموم المجالس في البحرين ولا يغفل أهل المجالس الحديث عن ذاكرة التاريخ والحديث عن التراث والأمثال الشعبية والألعاب التي كانت في دفاتر رمضان وذهبت إلى دون رجعة «كمن خرج ولم يعد»، ومن المجالس من يقوم بترتيب «الغبكات» الأسبوعية والليلية للحضور كنوع من الترقب في الالتزام بالحضور إلى المجلس.المسحر مهنة المسحر التي ارتبطت بهذا الشهر الكريم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم «كان بلال بن رباح رضي الله عنه» أول مسحراتي في التاريخ الإسلامي حيث كان يجوب الشوارع والطرقات لإيقاظ الناس للسحور بصوته العذب طوال الشهر الكريم، وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول (إن بلالاً ينادي بالليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم) وكان ابن أم مكتوم هو الذي يتولى آذان الفجر، ومنذ ذلك التاريخ أصبح المسحراتي مهنة رمضانية خالصة وقد اشتهر من أرباب هذه المهنة «الزمزني» في مكة الذي كان يصعد إلى المئذنة من فوقها معلناً بدء السحور، وفي كل مرة يكرر فيها النداء كان يدلي بقنديلين كبيرين معلقين في طرفي حبل يمسكه في يده حتى يشاهدهما من لا يسمع النداء، أما في مصر فكان أول من قام بمهمة إيقاظ الناس للسحور هو الوالي عنتبة بن اسحق سنة 832هـ، وكان يسير علي قدميه من مدينة العسكر في فسطاط مصر القديمة، وحتى مسجد عمرو بن العاص تطوعاً وهو ينادي «عباد الله تسحروا» فإن في السحور بركة»، ومنذ تلك الفترة أصبحت مهنة المسحراتي في مصر تلقى احتراماً وتقديراً بعد أن قام بها الوالي بنفسه وتطورت الأشكال التي يؤدي بها المسحراتي عمله. وفي العصر العباسي كان المسحراتي ينشد شعراً شعبياً يسمى «القوما» طوال ليالي رمضان، وربما كان ذلك عائداً إلى ازدهار فن الشعر في هذا العصر، أما بداية ظهور الإيقاع أو الطبلة في يد المسحراتي فكانت في مصر حيث كان المسحراتي يجوب شوارع القاهرة، وأزقتها وهو يحمل طبلة صغيرة ويدق عليها بقطعة من الجلد أو الخشب وغالباً ما كان يصاحبه طفل صغير أو طفلة ممسكة بمصباح لتضيء له الطريق وهو يردد نداءاته المميزة «اصحى يا نايم وحد الدايم» أو ينطق بالشهادتين بصوت أقرب إلى التنغيم منه إلى الحديث أسعد الله لياليك يا فلان. وفـــي العصـــر المملوكـــي كـــادت مهنـــة المسحراتي تختفي تماماً لولا أن الظاهر بيبرس أعادها وعين أناساً مخصوصين من العامة وصغار علماء الدين للقيام بها ليتحول عمل المسحراتي إلى موكب محبب، وخاصة للأطفال الذين تجذبهم أغاني المسحراتي ويسعدون بصوته وطريقة أدائه على الطبلة وغالباً ما كان هؤلاء الأطفال يحملون الهبات والعطايا التي كان يرسلها الأهل إلى من يقوم بعملية التسحير. حول العالم تختلف عادات وطريقة التسحير من بلد إلى آخر وقد أورد ابن الحاج في كتابه «المدخل» أن أهل اليمن كانوا يتسحرون بدق الأبواب بأيديهم والاكتفاء بالتنبيه على حلول موعد السحور، بينما يتسحر أهل الشام بالضرب على الطبل أو بضرب النقير خمس أو سبع مرات ويتشابه أهل المغرب مع أهل الشام في هذا الأسلوب، أما في دولنا الخليجية فبعد أن تم تقليص مهنة « المسحر « إلى تحويلها في بعض المناطق في البحرين إلى «دي جي» يجوب الفرجان في سيارة «بيك أب» والشباب يتبعونه بدراجاتهم النارية ويتحول المسحر من مهنة تراثية جميلة ننتظرها على مساء إلى مهنة أزعجت السكان وتمنوا زوالها، لكن ذلك لا ينفي أن الكثير من المناطق في البحرين مازالت تحتفظ بخصوصيات هذه المهنة الجميلة، وأضافوا لها «الفريسة» والفرق الشعبية التي تجعل من المسية كرنفالاً جميلاً.الخيام بديلاً للألعابلعل ما يجعلنا نترحم عليها في هذا الشهر الفضيل تلك الألعاب الشعبية الجميلة التي كانت ما تميز ليالي رمضان سواء للبنات أو الأولاد، فإن لم تكن كلها فإن أغلب تلك ألألعاب أصبحت في ذاكرة النسيان وتحولت إلى جزء من ماض جميل ذهب إلى غير رجعة، فما إن تلتقي واحد من رجالات لول إلا وتجده يتحدث بحسرة عن تلك الألعاب ويلوم المسؤولين عندنا في عدم محافظتهم عليها، وتحديداً وزارة الثقافة وإدارة التراث في عدم إحياء تلك الألعاب التي بدورها ستعيد لهؤلاء الرجال شبابهم وذكرياتهم التي مسحت من أيام رمضان، يقـــول العـــم «بومحمد» لم يتبق من ذلك الزمن إلا «الحية بية» والتي بدأت تنقرض هي الأخرى أسوة بباقي الألعاب، فأين لعبة «الظلالــــوه» و«الصعقيــر» و«الخشيشــة» و«السللينقـــوه» و«التيلـــــه» و«القلينـــــة والماطوع» تلك كانــت ألعاب الأولاد التي نتذكر فيها شبابنا الذي تربى عليه أبناؤنا وآباؤنا لقد ذهبوا وأخذوا معهم تلك الألعاب على ما يبدو إلى غير رجعة.أم عبدالرحمن تتذكر أيام زمان عندما كانت شابة يافعة «كانت طفولتي من أحلى وأجمل سنوات عمري فيها من المحبة والبراءة، نلعب أولاداً وبناتاً مع بعض، أمام أهلنا تحت العريش، وتحت الشجر، وفي الضحى، وأي مكان فيه ظل، ونذهب إلى البحر لنلتقط عظام طيور «اللوه» أو الدجاج لنصنع منها «المدود» وهي عبارة عن عرايس نفصل لها الملابس من «الخلاقين» القماش الزائد من الثياب التي تخيطها الأمهات، فنكون منها عائلة من المدود ثم بعد ذلك نقوم بوضعهم في كارتون صغير كبيت لهم، وأيضاً كنا نلعب الكثير من ألعابنا الشعبية المشهورة مثل: «الخبصـة و«السكينه» و«بو سبيت حي ولا ميت» و«اللقفة» و«الظلالوه» و«الخشيشه» و«الخبصة» و«القيس» و«نطة الحبل» على سيف البحر، وألعاب أخرى كثيرة نصنعها بأنفسنا لنتسلى بها ونفرح ونوسع صدورنا ونقتل بها الوقت ونلتزم بصلواتنا وطاعتنا لأمهاتنا ومساعدتهن في أمور المطبخ وتنظيف البيت، وكنا إذا خرجنا من المنزل نلتزم بملابسنا الشعبية القديمة التي أصبحت اليوم جزءاً من التراث القديم كا «البخنق» والدراعة».وكما نتحسر على الألعاب التي قضت في دفتر هذه الأيام ولم تعد في سجلات هذا الجيل الذي لا يعلم عن ماضي أهله من التراث إلا القليل جداً وهو ما يتحسر عليه الكبار في السن، لكن الجديد والبديل هو الخيم الرمضانية التي تبدأ في الانتشار في الفرجان إيذاناً بمقدم رمضان ويبدأ الشباب في التفنن في الخدمات التي تقدم فيها من ألعاب ومسابقات مثل «الكيرم» و«الدومينو» و«كوت سته» و«الدامه» والبعض طور الخدمات إلى ألعاب «البلي ستيشن» ودورات في التنس طاولة والبليارد، بالإضافة إلى خيم الفرجان دخلت على الخط خيم الفنادق الفايف ستار والفور والثري ستار التي تتسابق هي الأخرى في تقديم الخدمات لروادها من ضيوف البحرين وأهل الخليج والوطن العربي وحتى الأوروبيين الذين يفضلون قضاء هذا الشهر في البحرين رغم ارتفاع الحرارة ورغم أن رمضان هذا العام يعتبر اليوم الأطول في الصيام منذ أكثر 33 عاماً الماضية بسبب وقوعه في شهري يونيو ويوليو، بعدما تتابعت أشهر هذا العام في قلب فصل الصيف، وبين الفلكيون أن عدد ساعات الصيام في بداية الشهر دقيقة مقارنة بـ13 ساعة و55 دقيقة هي 11 رمضان الجاري ستكون 14 ساعة وعدد ساعات النهار في بداية شهر رمضان الماضي مؤكدين أنه سيزداد عاماً بعد عام نظراً لاقترابه من يوم الانقلاب الصيفي الذي يكون 12 يونيو من كل عام والذي يعد النهار الأطول في النصف الشمالي للكرة الأرضية خلال العام، ففي الخيام هناك المسابقات والأكلات الرمضانية البحرينية والخليجية والتفنن في تحويل الخيام إلى استراحات تزينها فوانيس رمضان التي يتم إحضارها من القاهرة وتركيا لهذه المناسبة، وما يزيد من حرارة هذا العام أن رمضان سيكون في منتصف المونديال المقام في البرازيل ما سيحول الخيام إلى ملاعب لمتابعة أفضل فرق العالم التي ستدخل الأدوار النهائية في السباق نحو الفوز بكأس العالم فالكثيرون بدؤوا في ترشيح « الطواحين الهولندية «بعــد أن دمروا أبطال العالـــم» الإسبــــان و«جعلوهم أول من يودع المونديال بعد الهزيمة القاسية على أيدي سانشيز وزملائه في منتخب تشيلي بالإضافة إلى الماكينات الألمانية والبرازيل والأرجنتين وسيكون السباق نحو الظفر بالكأس مليء بالمفاجآت والكثير من الأفراح والأحزان لجماهير راهنت على منتخبات كبيرة أصبحت في المونديال لا تقوى على تجاوز الأدوار الأولى، ومن مميزات ليالي رمضان التي ستنافس هذا العام، المسلسلات المحلية والعربية وستبقى ليالي هذا الشهر الفضيل عامرة بالفعاليات ومكملة لنور المساجد والصلوات ودور العبادة وزيارات الأحبة والأقارب والمجالس والخيام، وسيبقى رمضان بكل تقلبات الأجواء التي تصاحب الشهر الفضيل شهر المحبة والرحمة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى وشهر الرحمة للجميع، عسى أن يعاد على الجميع بالخير والأمن والأمان لبلدنا البحرين وكافـــة بلــــدان المسلميــــن وكــــل دول العالــــم.