إن الله عز وجل لما خلق الخلق وهو الحكيم الخبير لم يخلق فيهم صفة الملائكية أو العصمة من الزلل، فلن تجد أحداً إلا ذو خطأ، فمن منا ما أساء قط.. ومن له الحسنى فقط!!وهذه القاعدة العريضة لم يسلم منها أي إنسان حتى أهل العلم والصلاح فما منهم من معصوم، ولذلك قيل: «لكل عالم هفوة».وإن مما يؤلم القلب حقيقةً، ويحز في النفس صراحةً: أن تحضر مجلساً أو تقرأ مقالاً أو تسمع حواراً يُتَنَقَّصُ فيه ممن لهم سَبق في علم أو فضل لرأيٍ رأوه في مسألة هي محل اجتهاد ونظر، ولسان حال القائل يقول: أما أنا فأعلم بالصواب منهم!!وهذا ما يسميه أرباب السلوك وعلم النفس بـ «التكمل الزائف»، وذاك أن المتكلِّم لم يستطع أن يبلغ مرتبة المتكلَّم فيه من قول أو عمل؛ فتنقص من قدره ليجعله سُلماً يرتقي به بين الناس، وهذا والله لَبَلِية ونقص في العقل فضلاً عن الدين – نسأل الله العافية - ، وليت شعري كما قال الحطيئة:أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم... أو سدوا المكان الذي سدواإن الله سبحانه وتعالى بفضله وعدله: جعل للمجتهد باجتهاده أجراً وإن أخطأ، كما جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر»، ولذلك جاء عن غير واحد من أئمة المذاهب قوله: «مذهبنا صوابٌ يحتمل الخطأ، ومذهب من خالفنا خطأ يحتمل الصواب» فانظر يا رعاك الله إلى الفقه والإنصاف.إن الجزم بالصواب والقطع به علامة على الكبر، ودليل على قلة العلم وكما قيل: «كلما اتسع علم الشخص اتسع صدره للخلاف» وبضدها تتبين الأشياء.الشاهد من القول: إن الإنصاف عزيز في هذا الزمان، ومن أراده فليتمثل قول الحافظ بن رجب – رحمه الله – كما قال في مبدأ مؤلفه (تقرير القواعد وتحرير الفوائد): «المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه.. ويأبى الله العصمة إلا لكتابه».ولله در العلامة الذهبي – رحمه الله- حينما ترجم للإمام ابن حزم الأندلسي – رحمه الله – في تأريخه «السير» بعد أن نقد بعض آرائه.. ومع هذا كله عدها نقطةٌ في بحر حسناته، والله المستعان.رزقنا الله وإياكم الفقه والإنصاف
التَكَمُّل الزائف
04 يوليو 2014