كتبت - زينب أحمد ومريم عادل:أكدت ندوة «دور وأهمية الخطاب الديني في نشر ثقافة السلم الأهلي»، لمعهد البحرين للتنمية السياسية، أن الاعتدال والوسطية وقبول الآخر والتسامح ونبذ العنف وترسيخ قيم المواطنة، تعد من أهم مقومات وخصائص الخطاب الديني المستنير، وأن الخطاب الديني ثمرة اجتهاد بشري في فهم الإسلام، وبالتالي فهو قابل للمراجعة والمناقشة.وعرض كل من عميد كلية العلوم الإسلامية في جامعة الأزهر أ.د.محي الدين عفيفي، والسيد حسن علي الأمين من لبنان، في الندوة التي أقيمت الأربعاء الماضي بفندق الريجنسي، لمفهوم الخطاب الديني ودوره في نشر ثقافة السلم الأهلي وأزمة الخطاب الديني وواقع السلم الأهلي في المجتمعات الإسلامية.وقال أ.د.محيي الدين عفيفي إن اختلال الخطاب الديني يفسد وجدان الشعوب ووجدان المسلمين، لما يحمله من ثقل كبير لا يمكن تجاهله في البلدان والمجتمعات الإسلامية، مبيناً أن جامعة الأزهر تطالب بالخطاب الديني الوسطي المعتدل والذي يبرز السماحة والمحبة والألفة بين المسلمين.وأضاف أن الخطاب الديني له دور مهم في ترسيخ مبادئ السلم الأهلي في كل بلاد المسلمين لاسيما في مملكة البحرين، موضحاً أن وجود الثنائية المذهبية في المملكة جعل الشعب بحاجة إلى خطاب ديني يرسخ من مبادئ التعايش والتفاهم بين الطائفتين، وينشر مبادئ التسامح بين المذاهب الإسلامية وبناء الوطن الواحد مما يعزز السلم والأمن فيه.وبين أن الأزهر اتخذ موقفاً واضحاً في «ثورات الربيع العربي»، موقفاً يدعم إرادة الشعوب ويدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في حريتها والتعبير عن إرادتها ورأيها في تحقيق مبادئ العدل والسلم الأهلي التي ينبغي أن تحيا بها الشعوب وكان دوره واضحاً في دعم الثورتين، 25 يناير وثورة 30 يونيو.وأشار إلى أن الأزهر لا يتأخر أو يتوانى في الاستجابة لمطالب الدول العربية لاسيما دول الخليج العربي ومن ضمنهم مملكة البحرين بشكل خاص، موضحاً أن الأزهر يبادر في المشاركة في المؤتمرات العلمية والندوات العلمية وطرح مبادئ التسامح والتعايش السلمي بين الوطن الواحد، لما يشكله الأزهر من منارة علمية عالمية تدعم الوسطية والاعتدال في كافة جوانب الحياة.وتابع أن «الأزهر» ترفض التطرف السياسي والمغالاة بجميع الأشكال سواء في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية أو التربوية، فالاعتدال والوسطية مطلب مهم، مشيراً إلى أن من أبرز سمات الأمة الإسلامية إنها أمة وسط في إسلامها وفكرها وتصوراتها ومذاهبها في حياتها والوسطية لا تنفك عن الأمة الإسلامية والمسلم كمسلم.وبين عفيفي أن مفهوم الخطاب الديني يعني الانتاج الفكري والفقهي والعلمي والتعبير عن سائر الفهوم والجوانب المعرفية والاجتهاد في «خطاب الإسلام» أي خطاب الوحي في الكتاب والسنة وهو الخطاب المعصوم ومحاولة تنزيله على واقع الحياة في كل زمان ومكان وهو بطبيعة مصدره (الإنسان ) محل الخطأ والنسيان، مشيراً إلى أن الخطاب الديني يأتي ثمره لاجتهاد بشري في فهم الإسلام، وبالتالي يرى عليه الخطأ والصواب، فهو بطبيعته قابل للمراجعة والمناقشة والتقويم والاختبار والتعديل، وهو ثمرة لاجتهاد بشري في فهم الإسلام، وبالتالي فهو قابل للمراجعة والمناقشة.وأضاف اأ الخطاب الديني بهذا المفهوم يكون محلاً للمدارسة والتقوي والنقد وإعادة النظر والمعاية بقيم الكتاب والسنة ويبطل ماي مكن أن يحدث من صور دينية مشوهة من الكهانات البشرية، كما أنه يميز بين الذات والقيمة ويؤصل روح النقد والحوار والمراجعة والتصويب والتجديد والإلغاء والتعديل حسب تطور الظروف واختلافات المشكلات، ليس ذلك فحسب، وإنما يكون سبباً أيضاً في إطلاق الطاقات العقلية وبروز الملكات الاجتهادية ونزع حالة الإرهاب الديني والخوف من النظر والتفكير وزرع حالة الأمن الفكري والثقافي وتنميتها ورعايتها، لذلك يمثل خطاب الإسلام قيم الدين المعصومة ومعاييره التقويمية لفعل البشر وأن الخطاب الديني يمثل صور التدين والفهم والإنتاج، الذي هو بطبيعته محل المعيرة والتقويم لما يجري عليه من الخطأ والصواب ومدى الملاءمة للعصر الذي وضع له. وأوضح عفيفي أن الدين شيء والتدين شيء آخر، وما لم تتضح هذه الحقيقة الشرعية والعقلية التي تعيد للعقل قيمته ووظيفته وتطلقه من عقاله وتكسبه الاطمئان وتشعره بالثواب على جهده واجتهاده وتدفعه للاجتهاد دفعاً، فان الاستمرار الالتباس سيتحول إلى مأساة ثقافية وفكرية وحضارية تنتهي إلى تكريس العجز والتخاذل والتخلف والجمود والتقليد وبروزالكهانات الدينية في الواقع الإسلامي التي تتحول شيئاً فشيئاً إلى وثنيات لا تمس، حيث تلتبس الذات بالقيمة ويصبح التدين هو الدين والشخص هو المقياس والمعيار فتنعكس المعادلة وتختل الموازين وتنقهر الأمة، فيعرف الحق بالرجال بدل أن يعرف الرجال بالحق.وأضاف عفيفي أن الإسلام يقرر في أقدس نصوصه أن المخالفة في الفكر والرأي والعقيدة لا تستلزم العداوة والعدوان ولا ينبغي أن تنطوي على الحقد والكره والحسد ولا ينبغي أن تحول بين المسلم وبين أن ينشر المعروف ويفعل الخير مع من استطاع وأينما حل، ولا تحول بين المسلمين وبين تعاونهم فيما بينهم أو مع غيرهم من أصحاب الديانات، بل الأحرى أن يكون هذا الاختلاف والتنوع دافعاً إلى التعارف والتعاون والتآلف بين الناس من أجل تحقيق وتبادل المنافع والتعايش السلمي، ومن هنا شاع بين الناس القول المشهور « الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية».ومن ثم فلا يجوز للمرء أن يضيق صدراً بالآراء المخالفة لرأيه فلا يجوز لطرف أن يدعي لنفسه أنه وحده الذي يملك الحق المطلق وأن غيره يقف في الطرف المقابل الذي يتساوى مع الباطل ، اذ أن الاختلاف في النظرة الإسلامية فهو رحمة بأمته والاختلاف في الآراء والأحكام يكاد يكون ظاهرة طبيعية في كل تشريع يتخذ من أعمال الناس وعادانهم متنوعة وآراءهم المتعارضة، وإذا اختلفت المقدمات اختلفت النتائج، لذلك روي الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال «ليس في الناس إلا من يقبل من قوله أو يرد عدا رسول الله فإنه لا يرد له قول» .بدوره قال السيد حسن علي الامين إن عقد الاخوة من أفضل الطرق المؤدية إلى فض الخلافات والنزاعات المحققة للسلم بين الأفراد والجماعات، ولما أصبحت الأخوة ركنا في بناء المجتمع الإسلامي، فهي بحاجة إلى الرعاية والتعاهد بما يمنعها من الاهتزاز ولتبقى تؤدي درها في تحقيق السلام الداخلي الذي يعتبر من الضروريات للأنطلاق في عملية البناء والتغيير ومواجهة الأخطار التي تتعرض المسيرة الجديدة، لافتاً إلى أن الشريعة الإسلامية حذرت عن كل ما يؤدي إلى أضعاف وحدة الامة والمجتمع في فعل أو قول كالنزاعات والشائعات، لتعزيز سلامة العلاقات الداخلية. وقد تعددت الروايات والأحاديث في الدلالة على تلاسيم نهج أخلاقي من خلال منظومة القيم والمبادئ التي تبعد الاختلاف عن دائرة الخلاف والنزاع وتهيء المناخ لسلامة المجتمع الداخلية. وشدد الأمين على ضرورة تعاون الولاة وأهل العلم والقلم على نشر خطاب الإعتدال الذي يجمع ولا يفرق ويصلح ولا يفسد، لكن البعض يحاول الفرار من هذه المسوؤلية في حياة الدنيا وكأنه يؤجلها إلى عالم الاخرة حيث تنتفي الحاجة إليها ويعتذرون عن تحمل المسوؤلية في مجتمعاتهم بدعوى خوف الضرر على أنفسهم، لكن الهدف في الحقيقة عند هولاء هو المحافطة على مصالحم الشخصية وهي لن تكون في سلامة عندما تتعرض المصالح العامة للمجتمع إلى الخطر إذا تركت الصراعات والنزاعات تعصف به وتخلى المسؤولون والمصلحون عن دورهم ومسؤولياتهم فإن ذلك سيوؤدي إلى الظلم وهلاك المجتمع كما قال الله تعالى (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون). وأضاف الأمين أن السؤال الذي ينبغي طرحه هو كيف نخرج الخطاب الديني من الحالة الفردية إلى الحالة المؤسساتية التي تجعل منه مرجعية عامة في ثقافة السلم الأهلي المؤثرة في سلوك الأفراد والجماعات، ونرجع هنا بالتإكيد في الدرجة الاولى على دور ولاة الامر في هذه المسألة المهمة والبالغة التأثير في مجتمعاتنا التي لايمكن إخراج الدين من حياتها لأن الدين يشكل أساساً للفكر والعقيدة لديها، فلا يمكن إغفاله عن دائرة التوجيه والتنظيم، ولا بد من إبعاده عن دائرة الاستغلال في التعبئة الخاطئة التي تهدد السلم الأهلي والإستقرار من خلال الثقافة المضادة التي تزرع الفرقة والبغضاء باسم الدين بين أفراد المجتمع وفئاته، وقد ذكرنا بإن ذلك يبتدئ من المدرسة والكتاب، وهذا ما يتطلب تنظيماً للتعليم الديني وتعديلاً لمناهجه وإيجاد المعاهد المشتركة للدراسات الدينية وغيرها من المقترحات التي قدمناها في هذا السبيل إلى مؤتمر الحضارات في خدمة الإنسانية الذي انعقد قبل شهرين هنا في مملكة البحرين .وفي مداخلات الحضور، حول دور بعض خطباء الدين في التأجيج والتفريق بين المذاهب، أشار الأمين إلى حاجة الخطاب الديني إلى تدريب واختبار، فالدين يجب أن يبتعد عن الحزبية، فلكل حزب هو دين وأن واجب رجل الدين الجمع بين المسلمين بالعدل وليس بالسلب أو الإيجاب، فالصوت المتطرف يجب ألا يعلو والدور الأول لندب التطرف هي المؤسسات الكبرى التي يجب ان تندب هذه التصرفات.وعلق د.عفيفي أن الاختلاف بين المذاهب هي اختلاف في الفروع وليس الأصول، والاختلاف قاعدة فقهية لا يجوز استنكراها ومثل هذه الندوات لها دور كبير في التقريب بين هذه الاختلافات، مشيراً إلى أن مصر أنشأت مؤسسة تضم علماء المسلمين والمسيح وتقوم بتدريبهم على إلقاء الخطب الدينية وهذه الخطوة اثمرت بشكلً إيجابي على المستوى الاسلامي والمسيحي، ويرى انه هذه التجربة يحتاجها اي مجتمع فيه تعددية، وما اوصلنا لهذا الواقع بوجود أناس غير متخصصين يلقون الخطب الدينية، لذلك العجز والقصور يقع على مسؤولية الخطباء الذين لا يقدمون الخطب المتوازنة.وأضاف عفيفي أن التركيز على الأمور الدينية في الخطب هو أمر مرفوض، فالخطب يجب أن تتسم بتنوير الناس بالأمور الدنيوية الذي يعد تسويقاً للناس ولفكرهم، مشيراً إلى أن الإسلام يحترم العقل ولا يجوز تغيب المسلمين عن ما يدور حولهم، والتركيز على الفضائل أمر لابد منه، والخطابات العدائية يجب أن تبغض.وقال الأمين: يتفاجأ المرء بأن الأمة الإسلامية يصل عمرها لأكثر من ألف سنة، ومع ذلك سبقنا الآخرون، ويرجع ذلك إلى أننا لم نعمل على تطويرها، ومن الضرورة تركيز الإعلام على نحو هذه المواضيع، العمل على تطوير دور الأمة الإسلامية وتشغيل الخطب الدينية في هذا الخصوص، وضرورة وضع قانون يحارب المتطرفين ويجرمهم.وأشار إلى أن هناك مؤسسات ووزارات دينية تستخدم الدين كأداة للأمور الدينية، أي أنها تستغل الدين في تسيير أمور دنيوية لصالحها، وهذا أمر غير صائب، وبالنسبة لاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي فهو فضاء مفتوح ويمكن أن يستغله أي شخص وينتحل شخصية رجل الدين وكتابة الخطب الدينية وغيرها. يذكر أن أ.د.محي الدين عفيفي يشغل حالياً منصب عميد كلية العلوم الإسلامية في جامعة الأزهر بجمهورية مصر العربية وهو من علماء الأزهر البارزين وحصل على درجة الأستاذية العام 2006، فيما حصل على الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى من كلية أصول الدين بالقاهرة.ولعفيفي العديد من المؤلفات منها: الحرية بين الإعلام الإسلامي والإعلام المعاصر، وكتاب موقف الدعوة الإسلامية من قضايا الأقليات الإسلامية في أفريقيا، وكتاب الإعلام الإسلامي والتحديات الدولية، وكتاب الأقليات الإسلامية في أوروبا:الواقع والتحديات، وغيرها.أما السيد حسن الأمين فهو نجل سماحة السيد علي الأمين المرجع الديني البارز في الجمهورية اللبنانية والمعروف عنه جهوده الكبيرة في الدعوة إلى الحوار والتقريب بين أتباع الديانات، وهو داعية تعايش بين الطوائف اللبنانية ومقرب بين أتباع الديانات، وله مؤلفات وبحوث علمية هامة ، كما أن له مئات الندوات الفكرية والمحاضرات في مختلف الدول العربية ودول العالم
ندوة «التنمية السياسية»: الخطاب الديني اجتهاد بشري قابل للمراجعة
05 يوليو 2014