أجمعت فعاليات اقتصادية بحرينية على ان العقود الثلاثة الأخيرة من عمر مجلس التعاون لدول الخليج العربية كانت حبلى بإنجازات اقتصادية جمّة في حقول الاستثمار والصيرفة والتجارة والصناعة، ما جعلها تقف بثبات في وجه كافة التحديات الاقليمية والأزمات العالمية التي ألقت بظلالها على دول الشرق الأوسط والوطن العربي.وأوضح رجال أعمال ومحللون اقتصاديون استطلعت وكالة أنباء البحرين (بنا) آرائهم بمناسبة ذكرى مرور 32 عاماً على قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بأن المجلس بصيغته الراهنة قد أثبت على مر السنوات مضاهاته للتجارب العالمية الرائدة في مجال بناء التكتلات الاقتصادية الاقليمية وتوحيد المعاملات التجارية بين أبناء الكيان الواحد.وبينوا بأن الانجازات المتحققة على الساحة الاقتصادية لا تعني بالضرورة استكمال الحلم الخليجي بالتكامل الاقتصادي، فهناك العديد من القضايا ماتزال معلقة بين البلدان الست الأعضاء بمجلس التعاون، على رأسها الاتحاد الجمركي وانسيابية التجارة عبر المنافذ البرية، ما يحتم على حكومات دول مجلس التعاون الإسراع من اتمام التدابير المشتركة ذات العلاقة لضمان تجارة واستثمارات بينية أكثر ديمومة. كما شددوا في تصريحاتهم على ضرورة إرساء دعائم تنمية مستدامة متكاملة الأركان، تكفل الترابط والتكامل بين خطط التنمية الخاصة بكل دولة من الدول الأعضاء، بحيث يتم الوصول الى صيغة تكاملية لتعم المنفعة جميع اقتصاديات الدول الست الأعضاء.وقال المحلل الاقتصادي الدكتور يوسف المشعل بأن مولد مجلس التعاون فى العام 1981 قد شكل تجسيدا عمليا لما ظلت أجيال متعاقبة من أهل الخليج تحلم به وتتمناه. وأضاف المشعل انه رغم تعدد وجهات النظر حول الإيجابيات التى حققها المجلس منذ قيامه وحتى الآن، وحول السلبيات التي شابت مسيرته لظروف عدة، فإنها اتفقت على ان المجلس وقف منذ ساعات انشائه الاولى طودا شامخا معبرا عن ارادة الشعب العربي في هذه المنطقة من الوطن الكبير وواضعا طاقاته وقدراته وممارساته فى خدمة مصالح الخليج والأمة العربية.وأوضح المشعل أن العمل الاقتصادي يمثل محورا اساسيا من العمل الخليجي المشترك، ويأتي الاهتمام بالتنسيق والتكامل من واقع الإحتياجات الفعلية لتركيبة اقتصاديات دول المجلس التي يعتمد معظمها على مصدر وحيد للدخل وهو النفط، والذي يشكل نسبة عالية من دخلها القومي. وتابع بالقول: "لعلّ توقيع قادة دول المجلس في قمتهم الثانية التي عقدت في الرياض فى نوفمبر عام 1981 على الإتفاقية الاقتصادية الموحدة أبرز دليل على الاهتمام بالتكامل الاقتصادي، وقد تلا ذلك توقيع قادة دول المجلس فى ديسمبر 2001 خلال دورتهم الـ 22 للمجلس الأعلى فى مسقط على نص الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس والتي تضمنت تطويرا شاملا للاتفاقية الاقتصادية الموقعة عام 1981. كما وافق المجلس الأعلى بدورتيه السادسة والسابعة على برنامج لتنفيذ الاتفاقية الاقتصادية الموحدة، الأمر الذي يعكس تصميم قادة دول المجلس على توسيع آفاق ومجالات العمل المشترك.وفي استعراضه للإنجازات الاقتصادية الخليجية، قال المشعل ان دول المجلس حققت خطوة مهمة بتطبيقها الاتحاد الجمركي فى الأول من يناير 2003، حيث تم الاتفاق على تعرفة جمركية موحدة للاتحاد بواقع 5% على جميع السلع الأجنبية المستوردة من خارج الاتحاد، مع إعفاء بعض السلع الضرورية من هذه الرسوم. كما قرر المجلس الأعلى بدورته الـ 25 المنعقدة في البحرين عام 2004 اعتماد قانون التنظيم الصناعي الموحد لدول المجلس وجعله إلزاميا.واستطرد المشعل بالقول: "إذا كانت المرحلة السابقة قد تطلبت اهتمامات أمنية وعسكرية، فإن النتائج اللاحقة يجب ان تؤكد على أهمية خلق إنسان متوازن، منتج، ومحب للعمل، وإن المفاهيم القيمية الجديدة تتطلب العمل على ترسيخ شخصية الإنسان المنتج الذي يسعى بكل جهده لأن يكون مواطناً صالحاً منتجاً".الى ذلك، اعتبر المشعل القطاع الخاص "العنصر المفقود في معادلة مسيرة العمل المشترك" على حد وصفه، رغم اهميته كشريك اساسي في المشروعات التنموية. مشيرا الى ان المرحلة القادمة تستلزم ضرورة مشاركته في كافة المجالات، والعمل على إيجاد الصيغة المناسبة لتفعيل مشاركته والتحول من مرحلة التنظير الى مرحلة التطبيق لتلبية طموحات المواطن الخليجي، بترجمة جميع قرارات المجلس الأعلى الى واقع عملي، مما ستكون الوسيلة لتحقيق أكبر قدر من التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات بين أعضائه في مختلف المجالات.واكد المشعل بأن تجربة الدول الأوروبية أكدت على أهمية التركيز على الجوانب الاقتصادية ومن ثم التطرق إلى السياسية، وهي معضلة لا يمكن التغلب عليها إلا إذا تشابكت المصالح الاقتصادية وأصبحت جداراً قوياً من الصعب أن يتم هدمه، حيث إن أبناء المجلس سيكونون أول من يتصدى لمن يحاول المساس بمصالحهم الاقتصادية.واختتم المشعل حديثه بالتأكيد على ان ترابط المصالح بين الدول هو أهم ضمان لاستمرار التواصل والتلاحم بين الدول والشعوب، وبالتالي فإن أهمية التركيز على السوق المشتركة أو خلق آليات للتكامل الاقتصادي يأتي في مقدمة الأولويات، الى جانب إيجاد عملة موحدة لدول المجلس، وخلق مشاريع جديدة تساهم فيها المجموعة الخليجية.ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي وخبير تحسين الإنتاجية الدكتور أكبر جعفري ان التكامل الاقتصادي بين دول المجلس لم يرق الى مستوى طموحات شعوب الخليج، ما يتطلب الاسراع في ازالة العراقيل التجارية والحد من طوابير الشاحنات عبر المنافذ البرية بين دول المجلس.وقد عدّد جعفري الكثير من الأمور التي اعتبرها في صميم متطلبات الوحدة الاقتصادية الحقيقية، أبرزها إنشاء البنك المركزي الخليجي، قانون التجارة البينية، مشروع العملة الخليجية الموحدة.وأردف جعفري بالقول: " ان هناك أشياء كثيرة كانت مفيدة اقتصاديا على مر 32 عاما من مجلس التعاون، ولكن قابلها تعقيدات لابد من اعادة النظر فيها بأسرع وقت ممكن لتعظيم المكتسبات الاقتصادية المتحققة خليجيا، فمشكلة تكدس الشاحنات على جسر الملك فهد أبرز مثال على ذلك كله".ولفت جعفري الى اهمية مواجهة المشاكل قبل الوصول الى المثالية، بدلاً من انتظار بلوغ الكمال في وقت لم يتم تجربة او تنفيذ ابرز البروتوكولات والاتفاقيات المبرمة بين أطراف الكيان الواحد.كما اشار جعفري الى مشروع جواز السفر الموحد بين أبناء مجلس التعاون الذي من شأن تفعيله ان ينقل التعاون الاقتصادي والتجارة البينية الى آفاق أرحب من اي وقت مضى، مدعومة برخص السياقة وارقام السيارات الموحدة لتشكل دوافع معنوية كبيرة بين شعوب مجلس التعاون.وقد عرج جعفري الى الاستثمارات الخليجية المشتركة التي وصفها بالضخمة، مشيرا في نفس الوقت الى استفادة البحرين بصورة كبيرة من هذه السيولة الخليجية من خلال إقامة مصانع وشركات ومصارف ومؤسسات مالية برؤوس اموال خليجية قوية. كما أكد جعفري بأن مملكة البحرين ماتزال طوال اكثر من 3 عقود من تأسيس مجلس التعاون سباقة في تنفيذ القرارات الخليجية المشتركة، ضاربا مثل معاملة المواطن الخليجي بنفس معاملة المواطن البحريني في كل شيء تقريباً، لتشمل ملكية المشاريع والشركات وحرية التنقل والإقامة والاستثمار.وبدوره، أكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين ورجل الاعمال كاظم السعيد، ان المنجزات الاقتصادية المتحققة بمسيرة مجلس التعاون المباركة تفوق بكثير العراقيل، بدليل حرية التنقل بين شعوب دول المجلس بدلا من التقوقع في مكان واحد.وبين السعيد بأن أعداد المشاريع المشتركة بين مواطني دول المجلس من رجال اعمال ومستثمرين أصبحت لا تعد ولا تحصى ومن الصعب حصرها، ما يمنحنا مزيدا من الثقة بالاستمرار في ضخ سيولة في اسواقنا الخليجية الواعدة والتي أثبتت صلابتها بمواجهة الصدمات المالية والاقتصادية العالمية. وأعرب السعيد عن أمله في ان يتم تفعيل مشروع الاتحاد الجمركي بأقرب فرصة ممكنة حتى يتسنى للتجار ورجال الاعمال تعظيم الاستفادة من التكامل الاقتصادي وتحرير المزيد من تدفق السلع والبضائع على كافة المنافذ الحدودية بين الدول الأعضاء.كما أبدى السعيد تفاؤله من قدرة دول مجلس التعاون على إزالة آخر المعوقات التي تعترض طريق استثمار اي رجل اعمال خليجي في اي دولة شقيقة. ومن جهته، اعتبر رجل الأعمال الدكتور محسن صفار، مجلس التعاون الخليجي التجربة التكاملية الوحيدة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي التي استمرت لفترة تزيد عن 3 عقود.وبين صفار بأن الاتفاقيات الاقتصادية المشتركة بين دول مجلس التعاون تحتاج الى إعادة نظر سريعة لتعظيم ما تحقق من مكتسبات لمواطني الخليج، ضاربا مثل الاتحاد الجمركي الذي لم يكتمل تنفيذه بعد.وأشار صفار إلى ان مجلس التعاون مايزال أمامه بوجه عام خطوات شاسعة لاجتيازها في باب التكامل الاقتصادي، مركزا على اهمية ايلاء رعاية قصوى لمشاريع النقل الجماعي والمواصلات كخط سكة الحديد الخليجية وشبكات الموانئ البحرية.كما أكد صفار أهمية رسم خطط استراتيجية موحدة لغايات استقطاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة وغير المباشرة بشكل يأتى بالفائدة على الجميع ، وتسهيل انسيابية التجارة البينية بتوحيد الإجراءات كافة في كل الأمور الاقتصادية".
اقتصاديون: "التعاون" الخليجي حقق مكاسب اقتصادية وأمامه الكثير
Business
اقتصاديون: التعاون الخليجي حقق مكاسب اقتصادية وأمامه الكثير
25 مايو 2013