إن مما لا يخفى على المسلمين ما للأمانة من مكانة عليا بين الأخلاق، بل إن سلب الأمانة في هذه الأمة دليل على قرب قيام الساعة وهي لا تقوم إلا على شرار الخلق.. والكلام عن الأمانة يطول.. إلا أن هناك باباً من أبواب الأمانة قد يخفى على كثير من المسلمين فارتأيت تسليط الضوء عليه.. ألا وهو أمانة الوظيفة.لقد تطرق الفقهاء -رحمهم الله- في كتبهم عند كلامهم على الأجراء والعمال والصناع ونحوهم، وما لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات، بل جعلوا الأجير بمنزلة المودع في الأمانة فلا يضمن بلا تعدٍ أو تفريط. الشاهد من هذا: ليعلم الموظف في القطاع العام أو الخاص أنه بمنزلة الأجير وأن له واجبات لابد أن يلتزم بها، ومتى فرط فيها أو قصر خرج وصفه من الأمانة إلى الخيانة.. فليراقب الله تعالى في عمله.. فمن ذلك: ليعلم أن ما يأخذه من راتب إنما هو نظير عمل يؤديه، فمتى ترك ذاك العمل أو تهاون فيه، فإنه لا يستحق هذا الراتب فيكون عليه سحتاً وحراماً لا يحل له. ومن ذلك -وهو مؤسف للغاية-: ما تجده من بعض أصحاب الوظائف والمناصب الذين في قلوبهم مرض حينما يقومون بتأخير معاملات المراجعين بغير وجه حق، وما علم ذاك المسكين أن الله جعله في هذا المنصب والمكانة لخدمة الناس لا لإذلالهم، فهذا يدخل في الظلم -والعياذ بالله-، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.ومن ذلك: أن الموظف أجير خاص كما قرر الفقهاء فإن وقته مملوك لمن استأجره، فلا يجوز له أن يستأخر عن وقت عمله، أو ينصرف عن الدوام قبل تمام أجله، ومتى فعل ذلك فهو غاصب للوقت محلل لما لا يحل له، وهذا ممحق لبركة الكسب، مؤذن بزوال النعمة.ومن ذلك: أنه لا يجوز له قبول الهدايا والأعطيات من المراجعين، ولذلك قال في عماله يقبلون الهدية: «والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة». ومن ذلك: أنه لا يجوز للموظف استغلال وظيفته لأعماله الخاصة حتى في أتفه الأشياء كأخذ ورقة من الأوراق الخاصة بالعمل، أو استعمال هاتف العمل لأموره الخاصة أو تقديم أعماله الشخصية ونحو ذلك، فإن هذا لا يحل، ولا يقول في نفسه أن ذلك هين، فما هان في الدنيا قد يكون عظيماً في الآخرة، ومن جرؤ على صغير جرؤ على كبير.. والله المستعان.رزقنا الله وإياكم الأمانة والفضيلة.. وأبعدنا عن الخيانة والرذيلة.
الأمانة الوظيفية
08 يوليو 2014