للظلم أنواع وأشكال شتى، إلا أني أقصد به في هذا المقام نوعاً عظيم الأثر، خطير الضرر، قد استشرى بين الناس وإن ألبسوه لباس المصلحة والنفع.. ألا وهو ظلم الوَليات..ولا أعني بالولاية هنا الولاية العامة على المسلمين بل هي أعم من ذلك ابتداء بأصغر الولايات ولاية الرجل على امرأته و أولاده، مروراً بولاية الرئيس والمدير على مرؤوسيهم، وانتهاءً بولاية الأمراء والحكام والولاية العظمى..والذي يميز هذا النوع من الظلم عن غيره من المعاصي أن مغفرته تحتاج إلى تحلل من المظالم فضلاً عن التوبة النصوح ، قال رسول الله (ص): «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء»، وهذا فيه من المبالغة في تأدية الحقوق حتى بين البهائم فكيف بها بين البشر!! فقد تجد الرجل من أهل المعصية والفسوق وهو بذلك ظالم لنفسه مقتصر بمعصيته إلا أنه أفضل حالاً ممن يظلم الناس ولو كان مستقيم الظاهر.والظالم لو استشعر عظمة الله عز وجل ما أقدم على ظلم الناس، فظلمه دليل نقص تعظيمه لله، قال أبومسعود البدري كنت أضرب مملوكاً لي، فسمعت قائلاً من خلفي يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، فالتفت، فإذا أنا برسول الله (ص) فقال: «لله أقدر عليك منك عليه» قال أبو مسعود: «فما ضربت مملوكاً لي بعد ذلك».. الله أكبر كذا كان تعظيم الصحابة لله، لا مجرد ألفاظ تنطق مجردة عن مواقعة القلب.وكما إن الظلم نقص في الإيمان فكذلك هو نقص في المروءة والتربية؛ فإن الأصيل كلما ارتفع وعلا منصبه زاده ذلك تواضعاً، ونقيضه من زاده أشراً وبطراً فأخذ يظلم الخلق بما بوأه الخالق من المكانة.وليعمل كل ظالم، صغر ظلمه أو فحش أن له موعداً بين يدي العادل لن يخلفه، فعن جابر قال: لما رجعت إلى رسول الله (ص) مهاجرة البحر، قال: «ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟» قال فتية منهم: بلى، يا رسول الله بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قلة من ماء ، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثم دفعها فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه، فقالت: «سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل، بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً»، فقال رسول الله (ص): «صدقت، صدقت كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم»!؟! ، فإذا كان هنا الظلم بكسر قلة ماء فكيف بما فوقها من المظالم و الظلمات!! ناهيك أن للمظلوم دعوة لا ترد على من ظلمه ، فتحمل على الغمام، وتفتح لها أبواب السماوات، ويقول الرب عز وجل: ?وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين?.ورحم الله الإمام علي بن أبي طالب حيث قال:لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ... فالظلم مرتعه يفضي إلى الندمتنام عينك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنمأعاذنا الله وإياكم من الظلم وأهله.