إن الله قضى وقدر أن كل شيء له بداية ونهاية، فقبل أيام كنا نهنئ بعضنا بعضاً بقدوم شهر رمضان المبارك شهر العتق من النيران، كنا نستقبله بلهفة وشغف وشوق، وها نحن اليوم كل واحد منا قلبه منكسر محزون على فراقه، فقد تصرمت أيام هذا الشهر، وتقوضت خيامه، وقرب رحيله، وأذن تحويله، ولم يبق منه إلا القليل.تلك الليالي شعت بنور القائمين والتالين والمعتكفين، أوشكت اليوم على الظلمة، والأيام التي عمرت بالطاعة والتلاوة والصيام أوشكت أن تذهب، إنها لحظات لا ندري حقيقة أهي لحظات عزاء ومواساة، أم لحظات فرح وسرور.فلحظات وداعه لا تنسى، ولوعتها لوعة لا تبلى، وإن حرقة الوداع لتلهب الأحشاء، وإن دموعه لتحرق الوجنات بحرارة الدمعات، تنطوي صحيفة شهر رمضان وتقوض سوقه العامرة بالخيرات والحسنات، وقد ربح فيه من ربح وخسر من خسر.تصرم الشهر والهفاه وانهدما واختص بالفوز بالجنات من خدما طوبى لمن كانت التقوى بضاعته في شهره وبحبل الله معتصماً فهو ذاهب بأفعالكم، شاهد لكم أو عليكم بما أودعتموه، فيا ترى أتراه يرحل حامداً الصنيع؟ أو ذاماً التضييع؟ فمن كان أحسن فعليه بالتمام، ومن كان فرط فليختم بالحسنى فالعمل بالختام.فهنيئاً لمن صامه إيماناً واحتساباً، هنيئاً لمن صلى التراويح والقيام وخشع في صلاته، هنيئاً لمن حفظ لسانه عن اللغو والرفث وفاحش الكلام، هنيئاً لمن جعل أنيسه في هذا الشهر كتاب ربه قارئاً باكياً، هنيئاً لمن أحسن إلى الفقراء والمحتاجين.أخي المسلم أزف إليك هذه البشارة وأقول لقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، هنيئاً لمن وفق لقيام ليلة القدر إيماناً واحتساباً.وعزاءً لمن فرط في أيام هذا الشهر ولياليه، فنام عن الصلوات المكتوبة، وتخلف عن المساجد وفرط في قراءة كتاب ربه، عزاءً لمن لم يراقب الله المطلع على كل صغيرة وكبيرة فأطلق لسانه في الغيبة والنميمة والبهتان، وأطلق بصره للحرام، تذكر أن الله سائلك فما عسى سيكون الجواب؟ قال الله تعالى (ولا تقفُ ما ليس لك به علمٌ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) (الإسراء:36)، عزاءً لمن فرط في جنب الله تبارك وتعالى فخرج رمضان ولم يغفر له، فيا خيبة من هذه حالة، ونسأل الله التوفيق والقبول.عبداللطيف بن نجيب