كتب - جعفر الديري: إن حال المسارح الأهلية اليوم لا يختلف عن حالها بالأمس، فلاتزال تصارع من أجل البقاء! رغم أنها القلب الذي يضخ الدماء في الحركة المسرحية البحرينية، ولاتزال الجهود الشبابية تمسك بهذا المسرح عن السقوط! وإذا كانت وزارتا الثقافة والتربية تؤكدان اهتمامهما بهذه المسارح من خلال الدعم المادي ومنحها فرصة استخدام الصالات، فإن المسرحيين خصوصاً الشباب منهم، يلحون في طلب مزيد من الدعم يناسب طاقات كبيرة، مستعدة للبذل والعطاء في سبيل عودة المسرح البحريني للواجهة. يؤكد المخرج حسين العصفور أن المسارح الأهلية تصارع من أجل البقاء، وبفضل جهود شخصية لما تبقى من مسرحيين، حيث إن أغلب الفنانين عزفوا عن المسرح، ومع ذلك لايزال اسم المسرح البحريني موجوداً، كما إن بعض المسارح تنظم مهرجاناتها بشكل فردي وبمجهودات شخصية جبارة، وبمبالغ مادية متواضعة ومن ميزانياتها الخاصة كمهرجان أوال السنوي ومهرجان الريف ومهرجان الصواري للشباب، وهذا بالطبع كفاح من أجل الرقي بالمسرح البحريني، لكن بطبيعة الحال لا يمكن القول بأن أثر هذه المهرجانات كبير، بسبب تواضع الحالة المادية لدى المسارح، لكنها تساهم في التقرب من المتلقي، كما إنها تتيح الفرصة لظهور الطاقات الشبابية ولها دور كبير في الإبقاء على الحالة المسرحية وعدم اندثارها بشكل كامل، كما إنها تساهم في تطور الحراك الثقافي بشكل عام، ومع الدعم المتواضع جداً لا تجد مهرجاناً رسمياً للمسارح الأهلية، كما إن هناك شبه غياب تام للقطاع الخاص في المساهمة في مساعدة المسرح، وذلك بسبب غياب الترويج من الأساس. ويضيف العصفور هناك انتكاسة على مستوى الدعم والبيئة الحاضنة، وصحيح أن هناك تراجعاً على المستوى الفني، لكن هذا وضع طبيعي جداً، بسبب غياب المحفز وغياب الدعم والترويج، مما تسبب في عزوف الفنان البحريني عن المسرح والاتجاه للتلفزيون، ومن ثم اتساع الفجوة بين المسرح والجمهور.ويشير إلى أن عدم وجود الدعم المادي والترويج، وعدم وجود صالات للبروفات، بالإضافة إلى عدم وجود مهرجان رسمي محلي يصقل من خلاله المسرحيون تجاربهم، كل هذه الأمور تعد معوقات كبيرة، كما إن الواقع المسرحي اليوم يختلف كثيراً عن الواقع المسرحي سابقاً حيث الحداثة وتأثيرها، وتغير نظرة المتلقي باتجاه السينما، وأدوات التواصل الحديثة، والمحافظة على الحالة المسرحية في زمن متسارع الحداثة يحتاج للدعم ولتوفير بيئة خلاقة تساعد المسرحيين على الابتكار، فحتى الأعمال السابقة والتي لاقت نجاحاً لافتاً في تلك الفترة ستبدو متواضعة جداً لو أعيد إنتاجها اليوم، ببساطة لأن الزمن مختلف والبيئة مختلفة والثقافة مختلفة. ويقترح العصفور أن تقوم الوزارة بتنظيم مهرجان رسمي ملزم تشارك فيه جميع المسارح وأن تكون هناك زيادة في المخصص السنوي لكل مسرح، وأن توفر الصالات للمسارح لعمل البروفات، وأن تقوم الوزارة بإرسال الفرق المسرحية الأهلية للمشاركة في المهرجانات الدولية وهناك العديد من المهرجانات، كل هذه الأمور بالطبع ستحرك الحالة المسرحية وتوفر بيئة خلاقة، خالصاً إلى أن هناك ضعفاً اليوم في مستوى الجموح للتجربة، هناك تجارب شبابية هنا وهناك ولكنها قليلة العدد ولا تحظى باهتمام. العتب على الجمهور بدورها تؤكد الفنانة لمياء الشويخ أنه من دون المسارح الأهلية لا يوجد مسرح بحريني، لافتة إلى أن المهرجانات فرصة لطرح الأعمال الجديدة والمنافسة بين الفنانين وفرصة لحركة ثقافية فنية في البلد، لكن كل ذلك يحتاج لدعم أكثر وإعلان أكبر يفي بالغرض.وتجد الشويخ في عودة مهرجان الصواري والريف بالإضافة إلى استمرار مهرجان أوال دلائل على إحياء للمسرح في أوقات معينة، متسائلة: أين هي الأعمال المسرحية المميزة كما السابق والإبداع المسرحي؟ كنا وكانوا من قبلنا نعمل بجد وحب للفن والمسرح بذاته، أما الآن فقط منافسة لاستعراض عضلات مخرجين وممثلين وتوصيل رسالة أننا موجودين! وتضيف الشويخ: بالأمس كنا نعمل شهوراً دون يأس ونحن ننظر مكاناً مناسباً للعرض أي خشبة مسرح تتناسب مع طريقة عرض العمل كما رؤية المخرج وفني السينوغرافيه، أما الآن صرنا نتنافس من يحصل على الصالة الثقافية ليعرض على خشبتها، وما قرأناه خلال الفترة البسيطة من الزمن وما رسمه المخرج من حركه تتناسب مع هذه الخشبة أشعرنا أن الجمهور يأتي للمشاهير والأصدقاء فقط! إذن هذا الجمهور لا يتناسب مع المسرح الحقيقي أما في السابق كانوا المثقفين يتابعوننا بشغف، إذن كنا في أزمة ومازلنا في نفس الأزمة بشكل آخر. وتدعو الشويخ لعودة التعاون بين مدارس التربية والمسارح وإنشاء صالة مخصصه للمسرح، مضيفة: عن نفسي كمؤسسة فنية خاصة حاولت أن أعمل جاهدة لأنظم عملاً فنياً راقياً غير ربحي، لكن لم أحصل على التشجيع من زملائي الفنانين والصحافيين، بل التوبيخ والتشكيك في كون العمل من إنتاج مؤسسة بحرينية لأول مرة، إذن فإن الفنانين أنفسهم غير متعاونين وهو الأهم. وتجد الشويخ الشباب مبدعين في وطننا هذا ولكنهم بحاجة للتعاون بينهم أكثر ليبدعوا أكثر، وهناك طاقات جميلة لدرجة تكفي لتغطية سلسلة من الأعمال، لكنهم يحتاجون للدعم المادي والمعنوي. القلب النابضوبحسب الممثل حسن العصفور فإن المسارح الأهلية هي القلب الذي يضخ الدماء في الحركة المسرحية البحرينية. فنحن اليوم نرى بشكل واضح أنه إذا أردت أن تتفرج على مسرح حقيقي ستراه من خلال الأعمال التي تقدمها هذه المسارح الأهلية خلال مهرجاناتها وورشها المسرحية السنوية، والتي بكل تأكيد تخلق فرصاً للإبداع وضخ الدماء الجديدة. ويؤكد العصفور أن الدعم لايزال متواضعاً مقارنة بالتكاليف. وأنا هنا أتحدث عن المسارح الأهلية فقط.. فالدعم سواء كان رسمياً أو خاصاً يمكن أن يقدم للمسارح الأهلية بعدة طرق منها تخفيض أسعار إعلانات الشارع والتلفزيون، وزيادة الدعم السنوي المقدم من وزارة الثقافة الموقرة، وتوفير أماكن للبروفات. ومن ناحية الكوادر فإن المسرح البحريني نهضة مشهودة، بحسب العصفور: لقد شاهدت عدداً لا يستهان به من ممثلين ومخرجين مسرحيين وكذلك فنيين أبدعوا في ما قدموه ويقدمونه بتميز لاشك أنه يرفع اسم البحرين عالياً. أما من ناحية الإمكانيات المادية والدعم الرسمي أصبح المسرح البحريني متواضعاً جداً مقارنة بمن حوله. ويضيف العصفور: إن المعوقات التي تقف أمام مسرحنا المحلي كثيرة سأذكر أكبرها، منها ضعف الميزانية والدعم المادي، إيجاد مكان مناسب لعمل البروفات مدة لا يجب أن تقل عن شهرين متواصلين إذا أردنا عملاً جيداً، ارتفاع أسعار الإعلان في الشارع والتلفزيون أمام المسارح الأهلية والتي يجب أن تراعى مراعاة خاصة كونها مسارح أهلية تعتمد على الدعم السنوي من وزارة الثقافة والذي يمثل في كثير من الأحيان أقل من نصف تكلفة عمل مسرحي واحد. ويتابع العصفور أن المسرح فن يعتمد بشكل رئيس على النص أو الفكرة، التمثيل، والإخراج، فإذا عملنا على إيجاد وتدريب كفاءات من هذه العناصر الثلاثة التي يعتمد عليها المسرح سنساهم في النهوض بالحركة المسرحية بشكل كبير. وقد أعجبت بكثير من التجارب الشبابية والناشئة التي جعلتني أحس بالفخر والأمل في أن هناك كثيراً من المواهب والقدرات قادمة بقوة لتساهم في إثراء المسرح البحريني.