كتب ـ علي الشرقاوي: تنقل أحمد كمال بين أكثر من مهنة ووظيفة، دارت مجملها حول الصحافة والإعلام وما يتصل بشؤونها، من الإذاعة إلى المطبعة ومنها إلى مجلة «هنا البحرين».وفي الإذاعة وجد أحمد كمال نفسه، قدم فيها «صيد الأسبوع» و»سمعت هذا الأسبوع» و»رأيت هذا الأسبوع» و»بريد المستمعين»، ولعل أبرز مشاركاته المسلسل الإذاعي «عائلة بوجسام» حيث مثل دور صديق العائلة المواظب على زيارتها أسبوعياً.مقتطفات سيرة يرصد الباحث حسين المحروس في كتابه «إذاعة البحرين.. سيرة الكلام»، والباحث د.منصور سرحان في مؤلفه «أحمد سلمان كمال عطاء بلا حدود»، شيئاً من تجربة أحمد كمال الحياتية والثقافية والإبداعية. يقول منصور سرحان في مقدمة كتابه «ولد كمال عام 1930 بمدينة المنامة ملتقى الإثنيات والديانات المختلفة، حيث يعيش بها المسلم إلى جانب المسيحي واليهودي واتباع الديانة الهندوسية، وكان لهذا التنوع العرقي والديني أثره فيما بعد على حياته، إذ اتسمت بالتسامح واحترام الغير من أصحاب الثقافات المتباينة، ما أدى لصقل ثقافته واختزانه لمعلومات متنوعة، وظفها لاحقاً في حياته العملية، ودخل الكتاب لحفظ القرآن، وبعد ختمه القرآن التحق بالمدرسة الغربية الابتدائية بالمنامة وتخرج منها سنة 1944».المكتبة.. باب العالم في كتاب «إذاعة البحرين.. سيرة الكلام» للروائي والباحث المحروس، نقرأ شيئاً من بدايات مثقفنا الكبير، ويقول عنها كمال «يأخذني أبي إلى مكتبته بعيداً عن الحي، بعيداً عن متعة الطرقات الضيقة، بعيداً عن ناسه وأنسه وبحره ونوارسه، كان همه أن أبقى بعيداً عن صبية الحي، قريباً من الباب».ويضيف «القراءة عين من لا عين له، كنت بين مكتبتين، أذهب إلى الأولى بنفسي، ويأخذني أبي إلى الثانية، مكتبة المعارف خلف بيتنا في حي الفاضل، أسستها وزارة المعارف في مبنى أول بنك تأسس في البحرين ـ البنك الشرقي ـ قبل أن ينتقل لمكان آخر، لم أرَ البنك لكني سمعت عنه، يومها ليس ثمة مصدر آخر للمعرفة غير الكتاب، وفي هذه الفترة عرفت محمود المردي لأول مرة».في نفس الحي سكنت عائلتان يهوديتان انحدرتا من العراق «علاقاتهما بالناس رائعة، لأن اليهود لا يشعلون النار يوم السبت، صارت العائلتان تحضران إبريق الشاي إلى أمي، تغلي لهما ماءه وتعيده، عندما كان لدى أبي مشروع بناء، صعد أحد أبناء العائلتين على كومة رمل في الشارع يلعب عليها، تضايق أبي فضربه كفاً ترك أثراً على خده، في المساء جاءت أم الطفل تحمل زيتاً تريد من أبي الحاج أن يقرأ عليه آيات لتمسح خد طفلها به».المكتبة الثانية أسسها والده داخل شارع التجار عام 1922، واختار لها اسماً من اسمه «الكمالية»، وتمنى لها الكمال إذ تنقلت وتعددت أماكنها، وظل شارع التجار جزءاً مهماً من سيرتها.مكتبات البحرينيواصل أحمد كمال حديثه في كتاب سيرة الكلام «كانت مكتبة محمد علي التاجر أول مكتبة تجارية، والكمالية ثاني مكتبة، كنت أحب القراءة، وأبي حبب القراءة إلي ووضع عيني عليها، لم تكن عند أبي وظيفة غير إدارة المكتبة، ويؤمن له عقار مؤجر في شارع باب البحرين بعض الأموال». ويضيف «نشط في الحياة الاجتماعية والثقافية، خصوصاً في الثلاثينات والأربعينات، إذ شارك أبي في تأسيس نادي المنتدى الإسلامي، وصار أمينه العام، بينما أصبح الشيخ عبدالله بن عيسى رئيس المنتدى، وأطلق على أبي اسم سكرتير المنتدى الإسلامي وضم في عضويته أحمد بن حسن إبراهيم، ومحمد عبدالله جمعة». كان مقر المنتدى في مطلع شارع التجار بالمنامة «مؤلف من غرفة أو غرفتين، وساحة كبيرة وزعت فيها كراس طويلة تشبه كراسي المقاهي الشعبية، أخذني أبي إلى إحدى حفلات المنتدى، وعمري بين الثامنة والتاسعة».في المساء يعمر مجلس الوالد بالأصدقاء، والراغبين في معرفة ماذا يجري في العالم «يقرأ أبي على الآخرين صحفاً من مصر بعد أسبوع من صدورها الأهرام، المؤيد، والمقطم، عبر البحر، حتى صار وكيلاً لتلك الصحف، ووكيلاً لمجلة الكويت التي يصدرها آنذاك عبدالعزيز رشيد».في «الكمالية» أيضاً كثير من الأحاديث والحوارات بين والد أحمد وأصدقائه «كانوا كباراً لا أعي شيئاً مما يقولون، ألوذ بالكتب، أمد يدي الصغيرة إلى ما أشاء منها حتى لو لم أعرف عناوينها أو موضوعاتها، وأبدأ القراءة، كنت محصوراً بالكبار».يسكن في السفرفي الأربعينات هاجرت أسرة أحمد كمال إلى مكة، واستقرت في منزل يقابل البيت الحرام لسنتين «أدخلني والدي المدرسة الصورتية الباكستانية، الدراسة فيها باللغة العربية، وكان عمري آنذاك 9 أعوام، وليس في ذاكرتي الكثير عن تلك السنتين».انقضت السنتان فعادت الأسرة إلى البحرين «في الخمسينات ترك أبي وكالة الصحف إلى إبراهيم عبيد، وبدأت العائلة هجرة أخرى إلى العراق، حيث يعود نسب أمي، فأبي شغوف بالسفر وبالكتب والأمكنة».كان بين مكتبة الكمالية ومكتبة إبراهيم عبيد دكان واحد فقط «ولأن الراديو لم يكن يسمع جيداً حين قامت ثورة 1952 المصرية، صارت الناس تتدافع أمام مكتبة عبيد لشراء الصحف والمجلات، المصور، وآخر ساعة، وروز اليوسف، والأهرام، ولشدة التزاحم كان عبيد يصرخ على الناس لتنظيمهم، لو لم يترك أبي وكالة الصحف لكان التزاحم عنده».المعلم المهزعاختار الراحل عبدالعزيز القصيبي، الراحل عبدالله المهزع أستاذاً لتعليم أولاده في إجازة الصيف «اقترح أبي عليهما قبولي تلميذاً، ووافق الرجلان، كنت أنهيت للتو تعلمي القرآن الكريم عند المطوع، وعندما انتهى الصيف سجلني أبي في المدرسة الغربية مدرسة أبوبكر الصديق حالياً، وضمت كل تلاميذ المنامة، ومجموعة من المعلمين منهم عبدالله المهزع، وكانت المدرسة الوحيدة، وعندما افتتحت المدرسة الشرقية في شارع الشيخ عبدالله تم تقسيم تلاميذ الغربية ومعلميها بين المدرستين». ويضيف أحمد كمال «لحظة التسجيل مر اسمي على عبدالله المهزع، فقال هذا متعلم ضعوه في ثالث تحضيري»، وهي المرحلة الثالثة قبل الأول ابتدائي، وهكذا كان النظام في مدرسة ضمت المعلمين أحمد جاسم محمود، محمود المردي، وشاؤول معلم اللغة الإنجليزية اليهودي.قبل النكبة في عام 1946 أنهى أحمد الصف الرابع الابتدائي ويعادل الآن الصف السادس «عملت في إدارة التموين قرب باب البحرين في المنامة، وانتهى الصيف فصرت أميناً لمخازن مديرية التربية والتعليم قرب المدرسة الشرقية، وفي عام 1947 تزوجت، كان زواجاً مبكراً، قبل عام واحد من «النكبة».لم يبق أحمد طويلاً في المخازن، وصار سكرتيراً لمدير مدرسة رأس الرمان خير الدين الأتاسي سوري الجنسية، ومن أوائل المعلمين قدوماً إلى البحرين «ولأن السكرتير لا شأن له بالتعليم، لم تكن عندي مهمات وظيفية، وكلما تغيب معلم أرسلني المدير مكانه لإدارة التلاميذ، ليس أكثر من ذلك، وفي هذه الفترة بدأت أكتب القصة القصيرة، بوابتي إلى إذاعة البحرين».كان كتاب القصة في البحرين قلائل جداً إبان تلك الفترة «علي سيار وميرزا العريض، صرت أكتب وأحظى بتشجيع جميل من علي التاجر المسؤول في مجلة صوت البحرين الصادرة في الخمسينات، وبات التاجر يتابعني ويشجعني على كتابة قصة، وأحياناً يبالغ في متابعتي، فتصير المتابعة ملاحقة، إذ كنا عضوين في نادي العروبة».نشر أحمد كمال أول قصصه في مجلة كويتية، تلاها نشر 4 قصص في مجلة صوت البحرين، التي كتب فيها محمود المردي، علي التاجر، حسن الجشي، إبراهيم حسن كمال، علي سيار، ميرزا العريض وغيرهم من كتاب البحرين.وبدأ أحمد بنشر قصصه في «صوت البحرين» موقعة باسم أحمد كمال، بينما يوقع ميرزا العريض قصصه بـ»أ.ك» ويقول «سألني كثير من القراء عن ظهوري في قصة مرة، واختفائي مرة أخرى، وأنه لا مبررات لاختفائي في قصص ليست مسيسة، قلت لهم (أ . ك) ليس أنا».التقى بميرزا العريض في القاهرة فسأله عن «أ.ك» وحكى له قصة القراء معه، فقال «إن هذا التوقيع له، وأن القصص قصصه، لكن ما علاقة «أ.ك» بميرزا العريض؟ أليس من المفترض أن يكون «م.ع»؟ فقال إن اسم ابني الكبير كامل، وأنا أوقع أبو كامل، ضحكت وقلت له، إذاً بعض الناس سموك غير هذا الاسم».القصة باب الصوتويتابع أحمد كمال سرد حكايته مع كتابة القصة «كانت الإذاعة في خاطري، أجتمع مع أخوتي، نبني في خيالنا إذاعة، أكون فيها المذيع في أيام الحرب العالمية، كان الاستماع إلى إذاعة برلين ممنوعاً بأمر من المستشار تشارلز بلغريف، فكان أبي لا يسمح لنا برفع صوته، رغم أن للراديو مكانة كبيرة في أسرتنا».«القصة باب إلى الشخوص، وباب إلى إذاعة البحرين» يقول أحمد ويتابع «سجلت برنامجاً بعنوان ـ قصة الأسبوع ـ رأيت به الناس واستمعت إلى تعليقاتهم وآرائهم».في إذاعة البحرين قرأ القصة في برنامج «قصة الأسبوع» بصوت تمثلت فيه العاطفة والهدوء «لكن ذلك استفز مهندس الإذاعة الفلسطيني أنطوان، وقال لي هل تتكلم من بطنك؟ لا أسمعك.. ارفع صوتك الأجهزة مرفوعة على الآخر وبالكاد أسمعك».كانت الأيام الأولى لإذاعة البحرين، إبراهيم كانو، عبدالرحمن عبدالله، يوسف مطر، وعلي تقي يعمل بنظام جزئي، قليلون يملأون الفضاء كلاماً، يملأونه بسيرة الكلام.ويضيف «في عام 1957 سمعني جيمس (حمد) بلجريف مدير العلاقات والإذاعة، فقال صوتك زين يا أحمد، صوتك إذاعي، فلم لا تعمل معنا في إذاعة البحرين؟ فأجبته يا ليت، أنا أحب الإذاعة، أعمل الآن في مديرية التربية والتعليم، نحن الآن في أغسطس ولم يبق من إجازة الصيف إلا شهر ونصف الشهر تقريباً، فهل تعوضني عنها في الراتب؟».وافق بلجريف ووعده براتب يتراوح بين 50 و70 ديناراً «عملت في فترة الإجازة كلها، فلما حل أكتوبر، قال لي بلجريف، أحمد.. لم أتمكن من الحصول على الراتب الذي وعدتك به، حصلت لك على 60 ديناراً فقط، إذا لم يعجبك سأطلب من أحمد العمران أن يعيدك إلى مديرية التربية والتعليم».أجاب أحمد «نحن في أكتوبر، فتحت المدارس أبوابها، تعين من تعين، ورحل الأستاذ الأتاسي، ولو بقيت لأصبحت مدير مدرسة الآن».- ما رأيك؟- سأبقى هنا.- سأعوضك بالوقت الإضافي Over Time.طاولة العائلة طاولة الوطنللإذاعة شعبية كبيرة، يستمع إليها الناس في البحرين والخليج، وفي ذلك وحده متعة «اقترح بلجريف علي فكرة مسلسل حواري، عائلة من أجيال مختلفة قديمة وجديدة ومخضرمة، يدور بين ناسها حوارات مختلفة تبدو فيها روح الجيل».اجتهد أحمد في تكوين العائلة عم وعمة، أب وأم، تلاميذ مراهقون، وأطفال «كيف أضع حواراً على لسان هذه الأجيال كلها؟ ماذا سأفعل في اللهجات المختلفة؟ لهجة أهل المنامة تختلف عن لهجة أهل المحرق رغم صغر البحرين».المهمة صعبة كيف يبدأ الحوار «كان صديق العائلة يطرح موضوعاً عن حدث جرى في البحرين، فتختلف الأجيال فيه، يعارضه العم والعمة، ويتحمس له الابن الأكبر، وآخرون مترددون في قبوله ورفضه، والأطفال لا يدرون ماذا يحدث، يبحث الأب عن مكانة رأيه، وتسعى الأم إلى أن يصغي إليها الجميع».شارك في المسلسل علي تقي «العم»، يوسف مطر «الأب»، محمد خميس «الابن الأكبر»، عبدالرحمن عبدالله «الابن الصغير»، فائق العلوي «الابن الأصغر»، ومعلمتان فلسطينيتان أخذتا دور الأم والعمة «أخذت دور صديق العائلة الذي يزورها مرة في الأسبوع، هو موعد الحلقة».وجدت حلقات «عائلة بوجسوم» صدى واسعاً عند الناس «وعندما خصصت حلقة لتعريف المستمعين بطقوس الزواج وعاداته في البحرين، اتصلت مستمعة قائلة إنها متخصصة في عمل فرشات العرس، وأنها مستعدة للحضور وتجهيز فرشة في الإذاعة، وتدور بالقهوة على الناس دون مقابل، لم تكن تعرف أني ورفاقي نستعين بالصوت لا بالصورة، وأن عرضها يصلح للتلفزيون فقط».نداء الرئيسقرأ أحمد كمال الأخبار، وجلس خلف الكونترول يهندس الصوت، وقدم مرة واحدة برنامج «ما يطلبه المستمعون» لظرف في الإذاعة، وقدم أيضاً «صيد الأسبوع»، «سمعت هذا الأسبوع»، «رأيت هذا الأسبوع».ويقول «كنا نذيع أغنية جديدة لمغن مشهور أم كلثوم، عبدالحليم، أو فريد الأطرش في برنامج سمعت هذا الأسبوع، كنت أحب عبدالحليم حافظ، ويحب عبدالرحمن عبدالله، فريد الأطرش، فيما أحب إبراهيم كانو أغاني أم كلثوم وعبدالحليم حافظ».يستخدم موظفو الإذاعة موسيقى «النهر الخالد» لمحمد عبدالوهاب صوت نداء لإبراهيم كانو كيف؟ «لم تكن ثمة وسيلة اتصال غير هاتف البيت الثابت، فإذا لم يكن في البيت، تذاع موسيقى النهر الخالد، ويعرف كانو أن الإذاعة في حاجة إليه فيتصل من أقرب هاتف أو يأتي إلى مبنى الإذاعة بنفسه».حدث مرة أن موظف الكونترول بث هذه الموسيقى فاصلاً قصيراً في وقت متأخر من الليل «سمعها كانو وهو في المحرق، فجاء إلى مبنى الإذاعة، لم يكن ثمة خطأ أو مشكلة، وجد الأمر صدفة لم ينسها أحد».يبدأ أحمد برنامج «سمعت هذا الأسبوع»، بقراءة كلمات الأغنية المختارة، سواء كانت شعراً فصيحاً أو عامياً «هي غالباً ما تحوي قصة لمشاعر إنسانية وليست مجرد طرب وموسيقى وألحان، وكانت كلمات أغاني عبدالحليم، أم كلثوم، فائزة أحمد، تروي قصة حب، لم يكن عبدالوهاب يقبل أن يغني كل ما يعرض عليه دون نظر، وكثيراً ما عدلت أم كلثوم وغيرت في بعض نصوص الأغاني، قبل أن تؤديها».مزاج محمد زويدفي نهاية الخمسينات وبداية الستينات، جاء محمد زويد ليسجل أغانيه، كان يستقبله كل عاملين الإذاعة استقبالاً يليق به، يجلسون معه يحدثهم عن تجاربه، ويتحاورون معه «كلما اقتربت منه تجده إنساناً بارعاً في الأغنية البحرينية».جاء مرة وبدا عليه الضيق، قال:- أنتم لا تعرفون الأغنية.- لماذا؟ - إن المسؤول عن بث الأغاني بث الأغنية وفيها وقفات.. مازالت بروفة.كان مستاءً كثيراً.. ثم قال:- إن تكرر مثل ذلك فلن أسجل في الإذاعة مرة أخرى.كانت لدى زويد قدرة رائعة على الاستمرارية، يغني لساعات ولا يتعب، يغني الليل كله، وقد يستمر حتى مطلع الشمس.لم يكن زويد وحده، كان هناك يوسف فوني، علي خالد، أحمد خالد، حمد الدوخي، يوسف مشائي، ماجد عون، يوسف هادي، وعبدالله بوشيخة.أعجب أحمد كمال بأغاني بوشيخة «وضعت إحدى أغانيه في برنامجي سمعت هذا الأسبوع، كان صوته يناسب تلك القصائد التي يختارها لتكون أغانيه، صوته قوي وواضح، من أحسن الأصوات البحرينية، فعندما يغني أغنية «شبعنا من عناهم وارتوينا، وعند أرسوم منزلهم بكينا»، أسمعها بوضوح، من نبراته القوية الواضحة، إنه مختلف عن الآخرين في هذا الأمر، يبدو ذلك واضحاً في أغنيته «قصت حبالك»، كانت الأغنية الجريئة ليوسف مشائي «الوردة الحمرا على صدر السمرا»، كيف «حمرا» وعلى صدر «سمرا» قلت لصديق:- كيف تكون الوردة الحمراء على صدر السمراء؟ إن الألوان غير متناسبة، فلو كانت بيضاء لربما حدث هذا التناسب».الإذاعة بيتإبراهيم كانو عاشق الإذاعة، يتعب الجميع فيطلب منهم الذهاب إلى منازلهم، ويبقى هو لا يغادر حتى ينهي ما في يده «حدث مرة أن طلب منا ألا نغلق الإذاعة حتى يأتي خبر ثبوت رؤية هلال عيد الفطر السعيد، كان إبراهيم في اجتماع خارج الإذاعة، صارت الساعة الحادية عشرة ليلاً موعد إغلاق الإذاعة لكن خبر العيد لم يأت بعد».سألناه «ماذا لو تأخر خبر العيد حتى الصباح، هل نجلس؟ فقال ابقوا حتى الساعة الثانية عشرة فقط»، ظلت الإذاعة تبث الأغاني، فلما صارت الساعة الثانية عشرة ولم يكن هناك أي خبر عن العيد أغلقت الإذاعة.رنّ هاتف الإذاعة قال علي تقي «ارفع السماعة» ففعلت، وجدت رئيس الديوان الأميري يوسف ارحمه الدوسري يستنكر إغلاق الإذاعة، قال لهم «سوف يصل خبر العيد بعد قليل» فأعد فتح الإذاعة.عرف كانو بالأمر فجاء إلى الإذاعة وطلب من جميع العاملين الذهاب إلى منازلهم للراحة «ظل هو حتى جاء خبر ثبوت العيد بعد ساعتين من منتصف الليل فأذاعه بنفسه».ويقول أحمد «صوت قوي، مميز، يقابله تميز في الإصغاء والاستماع، قادر على تغيير نبرة صوته إلى نبرات أصوات بعض المذيعين المشهورين، وتقليد أية لهجة من تلك اللهجات التي نسمعها في الإذاعة، يصغي لأصوات المذيعين ثم يخبر كل واحد منهم بأخطائه، ويقول له ملحوظات مختلفة حول أدائه».محنة شريطثمة مشكلة كبيرة في الإذاعة اسمها «الأشرطة» غالية الثمن، غير متوفرة «كان لا بد من الاقتصاد، ووضع مواد كثيرة في الشريط الواحد، يساعد على ذلك أن الأشرطة طويلة نسبياً، وقد يستدعي الأمر التسجيل على مادة سابقة مهمة، ليس هناك تسجيل واحد لقصة واحدة من القصص الأربعين التي قدمتها إلى الإذاعة، ولا يوجد لدي شيء منها مكتوب على الورق أيضاً، تركت أوراق لقاءاتي ومقابلاتي وبعض البرامج في الإذاعة منذ ذلك الوقت، لقاء مع الفنان محرم فؤاد، وأحمد العمران، وثالثاً مع عبدالرحمن الزياني بمناسبة مرور أربعين عاماً على التعليم في البحرين، في هذه المناسبة أقامت وزارة التربية في العام 1959 احتفالاً بإشراف العمران، ورعاية الشيخ عبدالله بن عيسى».لكن أين هذه المقابلة الآن؟ «روى الزياني لي حديثاً طويلاً عمن أداروا التعليم في البحرين، وبذلوا جهوداً كبيرةً من أجله، وكيف تحولت المدارس الأهلية إلى حكومية».ويضيف «كان اللقاء تاريخياً لم يتم توثيقه، ولو لم تكن هناك مشكلة أشرطة لكانت هذه المواد موثقة مع مواد كثيرة مهمة مرت في إذاعة البحرين».بريد المستمعينقدم أحمد كمال برنامج «بريد المستمعين»، ويقول «كان به من المواد والموضوعات ما هو مثير فعلاً، فكثير من القضايا المثارة في الإذاعة والندوات أتت من بريد المستمعين». أرسلت فتاة رسالة تريد حلاً لمشكلتها مع أبيها الذي هددها بطلاق أمها إن هي رفضت الزواج من صديقه في العمل «قالت لي إنها تريد حلاً لأزمتها، وإنها لا تستطيع أن تتزوج هذا الرجل، واقترحت حلاً لم يوافقني عليه كانو».ويتابع «قلت لها يبدو من أسلوب رسالتك إن كنت أنت من كتب الرسالة، أنك إنسانة مثقفة إن لم تكوني متعلمة، وموقفك يدل على أن لديك عزة نفس، ولديك القدرة على اتخاذ القرار، ارفضي هذا الزواج، وإذا طردك أبوك وطرد أمك اعملي في أية مؤسسة من مؤسسات الدولة، وستحصلين على راتب يكفيك وأمك، إن تزوجت من هذا الرجل سيكون زواجك تعيساً وتواجهين مشاكل منذ البداية».بعد أربعة أعوام زار محمود المردي في الخبر في المملكة العربية السعودية، وتعرف إلى شخص سلم عليه وبالغ في الترحيب بي فسأله- من أنت؟- أنا زوج الفتاة التي اقترحت عليها حلاً لمشكلتها مع أبيها، كنت أرغب في الزواج منها، لكن أباها رشح لها شخصاً آخر، رشح لها صديقه في العمل. رفضت ذلك الزوج وخرجت من البيت وتزوجتها.- هل طلّق أبوها أمها؟ - لا.. لكنه تزوج عليها.في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات بدا التطور واضحاً على إذاعة البحرين «في عام 1961 أرسلتني العلاقات العامة بالإذاعة لحضور دورة طويلة في القسم العربي من إذاعة بي.بي.سي».هناك قيل لأحمد «إن الإذاعة الجديدة ليست صوتاً جهورياً قوياً، الإذاعة هي كيف تقول الجمل؟ كيف تعطي الكلمة والحروف حقها؟ كيف تختلف طريقة قراءتك للأخبار عنها في القصة أو الحديث؟ صرت مسؤولاً عن دورة إذاعية صباحية كاملة تبدأ عند منتصف الليل حتى السابعة صباحاً بتوقيت بريطانيا يسمونها Dawn Time».مدير النشرلم يبق أحمد في الإذاعة طويلاً «في يناير 1963 انتقلت إلى إدارة الإعلام، وعملت في مجلة ـ هنا البحرين ـ وكان يرأسها آنذاك إبراهيم علي إبراهيم مدير شؤون التشريفات بوزارة الخارجية، وهو العام ذاته الذي عملت فيه مديراً لمطبعة المؤسسة العربية للطباعة والنشر حتى عام 1966».كانت المؤسسة العربية للطباعة والنشر شركة تتكون من محمود المردي، محمود حسين، إسحاق الكوهجي، يوسف الساعي، إبراهيم المؤيد، كانوا خمسة «حضرت حفل الافتتاح وعملت فيها منذ البداية، منذ أن ركبت الآلات، تركت الإذاعة وعملت في المطبعة مديراً، لم أجد نفسي في المطبعة، لا ميولي ولا أهوائي ولا أسلوبي، كانت عملية إدارية بحتة، لكني نجحت فيها».أخبر الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة رئيس الخارجية والإعلام آنذاك «أني غير مرتاح في مطبعة المؤسسة العربية للطباعة والنشر، فقال مكانك موجود، لك عمل عندنا، وصرت أعمل في هنا البحرين».ولما تقسمت الخارجية ونقل إبراهيم علي إبراهيم إلى القسم المعني بالخارجية فقط، صار أحمد يدير مجلة «هنا البحرين» كلها، ويخرج المجلة فنياً عبدالله المحرقي، بينما يحررها أحمد كلها حتى الأخبار «ونظراً لغياب الصحافة آنذاك كانت المجلة تنشر الأخبار الرسمية كلها».شكلت هيئة لتحرير «هنا البحرين» من طفلة الخليفة، سلوى المؤيد، سلمان تقي، علي صالح، سبيكة الزايد «بعد فترة صار علي صالح رئيساً لقسم المجلة، قلت له إنت بمثابة رئيس تحرير، لم تتوقف مسؤولياتي عند ـ هنا البحرين ـ فسرعان ما تم تعييني مديراً لإدارة المطبوعات والنشر، وهي أول إدارة تأسست في وزارة الإعلام».بات أحمد كمال مسؤولاً عن مجلة «هنا البحرين» و»الجريدة الرسمية»، والأرشيف، والأخبار اليومية، وإدارة المطبعة «مرت علي عشرة أعوام في هذه الإدارة لم أكتب خلالها حرفاً واحداً غير عملي الإداري الذي يقتل الكاتب ويقضي على همة الصحافي».كان هدف طارق المؤيد آنذاك أن تصدر المطبعة الحكومية جريدة يومية، وشيد بناء المطبعة على هذا الهدف «تناقشنا في الأمر طويلاً في البحرين ولندن، لكن ذلك لم يحدث، وبقيت في إدارة المطبوعات والنشر حتى العام 1979».في يوم 24 أبريل 1979 توفي محمود المردي «سمعت خبر وفاته في لندن فبكيت، تألمت كثيراً لفقدانه، فالعلاقة بيننا عميقة جداً، عرفت خبر وفاته من سفارة البحرين في لندن، اتصلت بعائلتي لأعرف الخبر منهم، وتفاصيله، لكنهم لم يخبروني بأية تفاصيل غير اتصال طارق المؤيد».عاد أحمد إلى البحرين بعد ثلاثة أيام من وفاة محمود المردي «التقيت بطارق المؤيد في مكتبه بوزارة الإعلام، قال لي مباشرة ستكون رئيس تحرير جريدة أخبار الخليج، وانتقلت إلى مكتبي الجديد بالصحيفة قبل صدور القرار الرسمي».ويضيف «كنت متردداً، متهيباً من أن أحل محل المردي، وشكل الانتقال هاجساً كبيراً عندي، كيف أكون في مكان هذه الشخصية؟».كان المردي يكتب افتتاحية الجريدة، لم يكتب كثيراً في أخبار الخليج، لأن همه كان منصباً على صحيفة «الأضواء»، إذ يرى «الأضواء» ابنته «قال لي مرة:- أنا تعبان مع «الأضواء»، خسارة.- أغلقها يا أخي لديك الآن «أخبار الخليج».- لا أستطيع، «الأضواء» بنت من بناتي.- إذن تحمل.- كانت الأيام العشرة الأخيرة من شهر أبريل، هي آخر ما تبقى لي في وزارة الإعلام، وستظل الإذاعة في سيرتي قصة الكلام وسيرة الكلام».