قال الناقد والمترجم د.محمد الخزاعي؛ ان الفنون ارتبطت بحضارة دلمون التي ازدهرت في إقليم البحرين القديم، وتمثلت في تصميم وصناعة ما يُسمى بالأختام الدلمونية، مشيراً إلى أن هذه الأختام كانت تُستَخدم لتوثيق المعاملات وكعلاماتٍ تجارية وشخصية، وكانت من إنتاج فنانين وحِرَفيين مَهَرة بإمكاننا أن نطلق عليهم تسمية الفنانين القدماء. وأضاف الخراغي -خلال ندوة (الفن التشكيلي العربي المعاصر: الرهانات والتحديات) أمس في مركز الحسن الثاني بمدينة أصيلة المغربية، ضمن منتدى أصيلة الثقافي الدولي الـ (36)- في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام، كانت البحرين - كما الحال في الجزيرة العربية - تمارس نمطًا من الفنون التشكيلية تمثل في صناعة التماثيل أو الأصنام التي اتخذها السكان أوثاناً يعبدونها، مؤكداً أن فن النحت كان متطوراً في ذلك الوقت. أما المرحلة اللاحقة فشهدت اندثار صناعة الأصنام، وذلك تبعاً لظهور الإسلام وتحريم عبادة الأصنام، وهكذا اأختفت إحدى ظواهر الفن التشكيلي نتيحة إحجام النحاتين عن ممارسة هذا الفن. وحول الفن التشكيلي بمفهومه الحديث، أكد د.الخزاعي أن البحرين عرفته منذ فترةٍ تُقارب قرناً من الزمن، وذلك مع إدخال مادة الرسم والأشغال اليدوية كإحدى النشاطات الصفية في التعليم النظامي الحديث بالمملكة، مشيراً إلى أن هذه المادة كان لها الفضل في اكتشاف كثير من المواهب من بين طلبة المدارس التي كانت تقيم المعارض الفنية لأعمال الطلاب الموهوبينوأوضح أن انتشار المدارس وجمعيات الفنون التشكيلية وصالات العرض الخاصة والعامة ساهم في أن تكون الفنون التشكيلية رافداً مهماً من روافد الثقافة في البحرين، حيث توجه العديد من الطلاب إلى التعليم الجامعي والتخصص الفني، مما أثرى الحركة التشكيلية في البحرين، كما أن الجيل الأقدم لم يكن بمعزل عن تقنيات المدارس الفنية المختلفة، بل قام بتقليدها ليكون له موطئ قدم على الساحة الفنية.وأكد د.الخزاعي أن البحرين تعيش ظاهرةً جديرةً بالاهتمام تتمثل في كون هذا البلد العربي الصغير يضم عدداً كبيراً من الفنانين التشكيليين بالنسبة لعدد السكان. ومع تنوع إبداعات الفنانين التشكيليين منذ العقد الثالث من القرن الماضي انتشرت ظاهرة المعارض الفنية، مشيراً أنه لا يكاد أن يمر أسبوع إلا وتشهد البحرين افتتاح معرضٍ لفنانين مواطنين أو زائرين أو وافدين.وقال د.الخزاعي من جانب آخر، إن الحضارات الإنسانية على مر العصور عرفت وزاولت مختلف الفنون التشكيلية تمثلت في فنون النحت والرسم، إذ لا تكاد حضارة من الحضارات تخلو في حقبها المختلفة من نماذج للفن التشكيلي، مبيناً أن فن النحت كان له نصيب الأسد من هذه الفنون. وأوضح أن الحضارات القديمة كالهندية واليونانية والمصرية خلفت لنا آثاراً لا تُعد ولا تُحصى من التماثيل، منها ما هو في حجم جسم الإنسان ومنها ما هو من الضخامة بحيث تثير الدهشة عن كيفية تمكن الفنان القديم في تلك الحضارات من إنجاز أعمالٍ بهذه الضخامة.وتساءل د.الخزاعي عن العلاقة التي تجمع الأديان بالفنون، خصوصاً فن النحت، مستدلاً بالكنائس في العصور القديمة والعصر الوسيط وعصر النهضة التي كان لتشجيعها أبلغ الأثر في بروز الفنانين وانتشار الفن التشكيلي بين أروقة وجدران الكنائس وسقوفها من خلال لوحاتٍ مستوحاةٍ من الكتاب المقدس. ومن عصر الكنيسة إلى العصر الكلاسيكي وعصر النهضة في أوروبا، أشار الناقد إلى تطور فنون النحت والتصوير، التي كان الهدف منها تخليد الأباطرة والقادة والمشاهير من النساء والرجال. وقد بقيت تلك الأعمال شاهداً على عظمة وبراعة وموهبة أولئك الفنانين.وبين د.الخراعي أنه نتيجةً لهذا التحول في الديانة والذي نتجَ عنه تحولٌ موازٍ في الفنون، استطاعت البلاد الإسلامية أن تجد ضالتها في فن الزخرفة المعروف بالأرابيسك، والذي كان يتخذ من الأشكال الهندسية موتيفات زخرفية، لافتاً إلى أنه رغم انغلاق الحضارة العربية على الفنون التشكيلية، إلا أنها انجذبت بالمقابل للفنون المعمارية، وخصوصاً عمارة الجوامع والقصور، كما هو الحال بالنسبة للمعمار المسيحي للكنائس والكاتدرائيات. مبيناً أن الفرق يكمن في استخدام الزخارف بدلاً من الأيقونات والتماثيل والزجاج المعشق الجميل، والاستعاضة عن كل ذلك بالخط الجميل للآيات القرآنية التي زينت الجدران، وذلك ما جعل من الخط العربي أداةً من أدوات الفنانين التشكيليين، وأن تطور الخط العربي بحروفه الجميلة أوجدَ أجيالاً من الخطاطين والناسخين في مختلف البلاد العربية.وأكد د.الخزاعي أن فكرة الرهانات والتحديات أمام الفن التشكيلي العربي تتمثل في الاعتراف بإنتاج الفنانين العرب وعرضها في جاليريهات وصالات الفنون في العالم، وبناءً عليه فإن أحد التحديات التي تواجه الفنان العربي تتمثل أساساً في ظاهرة الانتشار عبر الآفاق العالمية الرحبة، والذي يتحقق من خلال مشاركة الفنانين في معارض عالمية بشكلٍ منتظم وعبر اختراق صالات العرض الخاصة من جهة أخرى. إلى جانب ذلك، طرح الناقد البحريني مسألة تسعير الأعمال الفنية التي ترتبط أيضاً بانتشار الفن، مشيراً إلى أن التشبه بالفنانين العالميين في طلب أسعارٍ عالية قد يكون عائقاً أمام انتشار الفن العربي على جميع الأصعدة. وفي مقارنةٍ بين فناني هذا العصر وفناني القرون الماضية، أوضح د.الخزاعي أن السابقين لم يستطيعوا أن يجنوا أموالاً طائلة لأعمالهم، بل عاش الكثير منهم عيشة الكفاف والعوز، وأن ما نشاهده الآن من بيع أعمال في المزادات العالمية تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات ناتجٌ عن عدة أسباب لها علاقة بطبيعة إدارة تلك المزادات وتكالب بعض المتاحف العالمية على اقتناء هذه الأعمال. وشكر د.الخزاعي القائمين على منتدى أصيلة الذي يقوم بدورٍ فعال في نشر وترويج الفن العربي، وإتاحة الفرصة أمام الفنانين العرب للاحتكاك بزملائهم من الأقطار الأجنبية من خلال معارض وورش الفن بموسم أصيلة.
الخزاعي: دلمون عرفت الفنون من خلال الأختام
19 أغسطس 2014