تؤكد عضو جمعية الاجتماعيين البحرينية الأكاديمية والباحثة هدى آل محمود، توافر عوامل عدة ماتزال فاعلة ومؤثرة بشكل كبير في أداء المرأة ومساهمتها الخاصة والعامة، تتمثل في العامل المجتمعي غير الرسمي، الذي تحكمه التقاليد والعادات، وعامل الواقع الفعلي للمرأة في المجتمع والأسرة، والعامل الثالث هو الواقع الرسمي (الدولة)، من قوانين وإجراءات تحدد مكانة المرأة وإسهاماتها المجتمعية والأسرية. وتشيد آل محمود في لقائها مع «الوطن» بجهود العامل (الدولة) بهذا الخصوص، في تمكين المرأة، والدفع في سبيل زيادة مشاركتها في الشأن العام، داعية النساء والرجال على حد سواء لاستغلال هذه الفرص لدعم مبدأ الشراكة بين المرأة والرجل في كل عمل وأداء، لأجل أن يتعزز مفهوم المواطنة القائمة على المشاركة بالواجبات والتمتع بالحقوق بشكل متكافئ. * كيف لنا أن نفهم وضعية المرأة البحرينية وأدوارها المجتمعية في الماضي والحاضر؟ - حتى نفهم ذلك، يجب أن نتعرف على عدة عوامل فاعلة وحاكمة لأدوارها، العامل الأول (المجتمعي غير الرسمي) وهذا تحكمه التقاليد والعادات «والتي ليست بالضرورة دينية» والتي تضع المرأة بمكانة أدنى من الرجل وتؤكد سيطرته عليها وتحكمه بها. العامل الثاني (الواقع الفعلي للمرأة في المجتمع والأسرة) والذي يبين مكانتها الرئيسة والهامة في كل مفاصلهما. (الواقع الرسمي: قوانين وإجراءات تحدد مكانة المرأة وإسهاماتها المجتمعية والأسرية. وإذا أردنا قياس وضع المرأة بناء على العوامل السابقة وبتفصيل أدق فسنجد إن المرأة قديماً وفي التراث خضعت أدوارها لهذه الثنائية الغرائبية، فهي تابعة لا رأي لها في زواج أو دراسة أو تنقل من منطقة لأخرى أو بيت لآخر، يتم تربيتها على الخضوع المطلق والطاعة وتدرب منذ نعومة أظفارها لأداء دورها التقليدي المأمول من الأسرة والمجتمع كزوجة وأم وهي بحكم التنشئة تحاول أن تبرع في هذه الأدوار بكل طاقتها. وعلى الجانب الآخر نرى في «الواقع العملي» امرأة فاعلة قوية وصاحبة قرار تتحمل المسئولية تقوم بدور الرجل أثناء غيابه في الغوص و أو التجارة، يعتمد عليها الرجل في إدارة بيته ويأتمنها على أسرته وتربية أبنائه لشهور طوال يغيبها الرجل بعيداً عن المنزل، وتكون المرأة هي القائدة المدبرة. ولدينا حكايات كثيرة من التراث تؤرخ للمرأة وأدوارها البطولية رغم شظف العيش وقسوة الحياة. كانت المرأة من المرونة والقدرة على التعايش مع الأوضاع الصعبة ما مكنها من اكتساب مكانة كبيرة لا يستطيع أي رجل (أب أو أخ أو زوج) أن يتجاهلها، لكن السواد الأعظم من النساء ظللن يعانين من المكانة الدونية والتسلط الذكوري بدعوى التقاليد والعادات والخصوصية. ضبابية الصورة * هل كانت وضعيتها جيدة في التراث؟ - لا نستطيع أن نحدد ببساطة ما إذا كانت مكانة المرأة في التراث جيدة أم سيئة! ظروف كثيرة تتحكم بهذا، فحين يغيب الرجل وتشتد الشدائد نجد مكانة المرأة ترتفع وتصبح موضع ثقة وتقدير واحترام ورأي مسموع، وفي أحيان أخرى من رخاء الزمن والوفرة وتواجد الرجل تتراجع مكانة المرأة وتتقلص أدوارها وصلاحياتها وتعود لممارسة أدوارها النمطية. إلا أنها على الدوام احتفظت بدور رئيس وهو تربية الأبناء والعناية بهم ولم ينافسها أو ينتزع هذه المكانة منها أحد في الماضي. تشابه خليجي * هناك من يقول إن مكانة وأدوار المرأة ومقدرتها على العطاء تشابه في كافة الدول الخليجية والعربية.. أذلك صحيح؟ - نعم.. لقد تشابهت مكانة وأدوار المرأة ومقدرتها على العطاء في كافة الدول الخليجية والعربية مع الأخذ بالاعتبار الظروف المجتمعية والسياسية لبعض الدول العربية والتي بدأ التعليم بها منذ القرن التاسع عشر وتأثير ذلك على وضع المرأة بها ومساهمتها في الشأن العام أبكر من المرأة البحرينية. وربما تميزت مكانة المرأة البحرينية عن مثيلاتها بالخليج نتيجة دخول التعليم مبكراً جداً (1899) والتحاق المرأة به بل أنها التحقت بالتعليم الجامعي وعملت بمهن التدريس والتمريض منذ عشرينيات وثلاثينات القرن الماضي في الوقت الذي لم تعرف فيه المرأة الخليجية القراءة والكتابة بعد. كما أنها وبناء على طلب المستشار في ذلك الوقت شاركت في التصويت في الانتخابات البلدية وهو إنجاز يحسب للمرأة البحرينية.. شوط علمي متقدم - مع كل ذلك.. هل وضع المرأة البحرينية اليوم أفضل من الأمس؟ - نحن في بدايات القرن 21 وقطعت المرأة شوطاً متقدماً من التعليم والعمل والمشاركة في الشأن العام، لكن المفارقة أنه لازالت العوامل التي تحدثت عنها في البداية مؤثرة بشكل كبير في أداء المرأة ومساهمتها الخاصة والعامة. لكن اليوم نجد إن الدولة (العامل الرسمي) تؤيد وبشكل كبير تمكين المرأة وتدفع في سبيل زيادة مشاركتها في الشأن العام. ومنذ حصولها على حق التصويت والترشح للبرلمان شهد المجتمع البحريني زيادة مضطردة في أعداد النساء المترشحات للبرلمان (بغض النظر عن وصولهن له من عدمه)، كما أن الدولة أيدت حق المرأة في الحماية الأسرية وثبتته في الدستور وعملت على دعم حق المرأة في (قانون أحكام الأسرة) عن طريق تبني الملف من قبل المجلس الأعلى للمرأة بعد أن تبنته الجمعيات النسائية ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى لأكثر من ثلاثة عقود. وكان التعاون وثيقاً بين القطاع الرسمي والأهلي في هذا السبيل. كما أن الدولة وعبر المجلس الأعلى للمرأة أقر استراتيجية تمكين المرأة في القطاع الحكومي والخاص وقد ساوى قانون العمل البحريني في كثير من مواده بين الجنسين في الحقوق والواجبات، الأمر الذي يحسب إيجابياً لحكومة مملكة البحرين. ولا بد من ذكر تعيين المرأة في الوظائف العليا والتي لازالت المرأة العربية والخليجية تناضل لاختراقها كتعيينها قاضية ورئيس نيابة ووزيرة والعديد من المناصب العليا التي كانت حكراً على الرجل سابقاً. إن مملكة البحرين تعمل جاهدة للتوافق مع الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة والتي صادقت عليها سابقاً، بل إن مملكة البحرين تعتبر سباقة في التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات التي تصب في صالح تحسين أوضاع المرأة. لكن وفي مقابل هذا الموقف الرسمي الذي لا يمكن أن ينكره منصف رغم وجود التقصير والأمل ببلوغ الأفضل للمرأة، إلا أن القوى المجتمعية التقليدية هي من وقف مواقف سلبية وفي بعض الأحيان معادية لتمكين المرأة وتطور أداء أدوارها المجتمعية، بحجة التقاليد والعادات والدين (وهو براء من هذا) فعلى سبيل المثال لا زال لإقرار قانون أحكام الأسرة حبيس البرلمان ويتم التلاعب به في كل دورة انتخابية، وكذا قانون «العنف ضد المرأة» والذي لم يرَ البرلمانيون الرجال ضرورة لمناقشته ناهيك عن إقراره لثلاث دورات انتخابية. كما إن المجتمع بشكل عام يهاجم ما تحاول منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الاتحاد النسائي والدولة ممثلة بالمجلس الأعلى للمرأة من محاولات لتمكين المرأة وتعديل القوانين المنصفة والمحفزة لها على الإسهام بشكل أكبر في عملية التنمية المستدامة والتي أساسها وعنصرها الرئيس هو الاستثمار والاستغلال الامثل للعنصر البشري. لكن رغم كل هذه المعوقات إلا إنه لا شك أن وضع المرأة على العموم شهد تطوراً كبيراً وأصبحت إنجازات المرأة التعليمية والوظيفية والمجتمعية وإسهامها في الشأن العام (سواء داخل مملكة البحرين أو خارجها عبر ما تبوأته البحرينية من مناصب عالمية وبجدارة) أكبر وأوضح من أن ينكر. الوقت مبكر * إذن فالوقت مازال مبكراً للحديث عن تحسن أدوار القطاع الكبير من النساء في المجتمع؟ - صحيح.. خصوصاً ربات البيوت حيث يشكلن ما نسبته 70-75% من النساء، عدا العاملات بوظائف متدنية أو ممن يعانين من البطالة وكل هذه الفئات يصعب عليهن امتلاك قرارهن سواء في الشأن الأسري أوالشأن العام. وهذا هو المجال الذي تتشابه فيه ظروف وأوضاع المرأة البحرينية مع مثيلاتها بالدول الخليجية أو العربية من الحاجة للتركيز على القطاع الأكبر من النساء وليس النخب فقط. إن هذا يشكل في الحقيقة تحدياً للمرأة نفسها خصوصاً التي وصلت لدرجة من العلم والتمهن وأصبحت في موقع اتخاذ القرار أو قريبة منه، كيف يمكن لهن تبني خططاً وبرامج وبالتعاون بين مؤسسات المجتمع المدني والجانب الرسمي والقطاع الخاص للدفع في زيادة تمكين المرأة وتحسين أدوارها المجتمعية وإخراجها من دائرة الأداء النمطي. وأهم هذه الأدوار النمطية والتي تثقل كاهل المرأة وتقيد أداها العام اليوم هو دورها (الأسري) وهنا يجب أن يُعكس موضوع تحميل المرأة (وحدها) مسؤولية نجاح أو فشل الأسرة والأبناء إلى تأكيد المسؤولية المشتركة للزوجين في هذا السبيل. تغيير هذا المفهوم وتحمل الرجل مسؤولياته الأسرية وتبني مبدأ الشراكة بينهما سوف يسهم بشكل كبير ليس فقط في تفعيل أداء المرأة وكفاءة أدائها داخل وخارج المنزل ولكن سيسهم في حل الكثير من المشكلات الخاصة والأسرية والمجتمعية، وسيعزز قدرات وفاعلية الأداء لأفراد المجتمع من الجنسين. أمامها الكثير - ماذا أمام المرأة البحرينية لتنجزه؟ - حققت المرأة البحرينية الكثير لا شك في هذا، لكن لازال أمامها الكثير أيضاً لتنجزه، فنحن نُصنف من ضمن الدول النامية أي أننا نحتاج لجهد جميع أبناء الوطن نساء ورجالاً حتى نحقق متطلبات التنمية المستدامة والتي هي أساس التقدم والتنمية في كل بلد من بلاد العالم. فيجب تعزيز ودعم مبدأ الشراكة بين المرأة والرجل في كل عمل وأداء وبذلك يتعزز مفهوم المواطنة القائمة على المشاركة بالواجبات والتمتع بالحقوق بشكل متكافئ.