صدر منذ فترة قرار منع الخمور وإغلاق صالات الرقص الماجنة في الفنادق ذات الثلاث نجوم وما دونها، وقد أثلج هذا صدورنا التي كانت تتمنى مثيله منذ زمن. أثلجها لما رأيناه سيخفف بحول الله من شر من لا يريد للبركة والخير أن يحلان على هذه الأرض وأهلها. نشكر جلالة الملك – أيده الله – وكل الجهات المسؤولة على ما كان منهم بشأن القرار الموافق لشريعة الله المقتضي منع الخبائث من خمور ومواطن للمجون في الفنادق ذات الثلاث نجوم وما دونها. ونرجومن كل الجهات المعنية الجدية في تنفيذ القرار وتشديد العقاب على كل من يخالفه.ونلتمس منها إكمال ما بدأته من معروف بأن تمنع الخمور من غيرها من الأماكن، من (1) متاجر الخمور التي ما زالت وجهة ذوي القلوب المريضة ليجدوا فيها ضالتهم الخبيثة، ومن (2) الفنادق ذات الأربع النجوم فما فوق. بإيجاز، نرجومن حكومة البلاد أن تمنع تعاطي الخمور والمتاجرة بها في كل بقيعةٍ بحرينية على وجه أرض الله، فلا يكون لها وجود بعد ذلك على أرضنا الطيبة ولا تكون سبباً يقدم من أجله الأجانب يلوثون أموالنا بسحتهم، يعطبون أنفاس البحرين الطيبة بأنفاسهم الخبيثة المعبأة بروائح المشروب القذر. إن الخمر مضرة بالعقل والجسم والحياة الاجتماعية بشهادة العلم الحديث.وإن ذلك لعلم موجود في كتاب الله المنزل إلينا منذ أربعة عشر قرناً حينما كان أسلافنا يعيشون في الخيام يفترشون التراب، يرعون الأنعام في الصحراء القاحلة، يقضون حاجتهم في العراء. عندما تنزلت آيات الله العظيم على العرب الأميين، لم يكن لديهم أجهزة علمية تحليلية أوعلماء نفس واجتماع يثبتون بها الحكمة مما شرع في الوحي من أحكام، إلا أن سادتنا السابقين الأولين إلى دين الله أسلموا جوارحهم إلى خالقها وجاهدوا شهواتهم وشياطينهم فاتبعوا ما أنزل إليهم بلا نقاش أوجدال لما أيقنوا أن خالقهم هو اللطيف الخبير الأرحم بهم من أنفسهم، العليم بما ينفعهم وما يضرهم، ولما أيقنوا أنه بعث إليهم رسولاً من أنفسهم حريص عليهم من الهلاك يخرجهم من ظلمات العيش ومنغصاته إلى نور الحياة وطيباتها. كم حري بنا أن نقتدي بهم. إلى متى سنظل نسمع كلام جبار السماوات والأرض وكلام رسوله ونحن لا نعي أو نستجيب ؟؟! قد أنزل الله إلينا كتاباً لا يشقى من اتبعه ولا يحزن، سماه ربي هدى ونوراً. متى نوقن أن هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأنه هدى لكل زمان ومكان ؟!! هل عندما يمنع الغرب الخمور في بلادهم ؟! هل عندما يحرم الغرب ما حرمه الله علينا وأرانا فيه خبراً شافياً منذ ألف سنة ؟! قد من الله علينا بأن جعل من أنفسنا أناساً يعلمون شريعة هذا الدين يرشدوننا وينصحوننا من فوق المنابر وما عداها أن نقبل على الخير والطاعات وأن نتولى عن الخطايا والمعاصي وأسبابها، لقد أبينا الالتفات إلى هؤلاء الذين لم يسألونا شيئاً وأصررنا على الإنصات إلى من يسمون بالنخبة المثقفة المتعلمة التى لن تلبث حتى تقر في نهاية الأمر إلى صلاح ما بينه الفرقان العظيم من قبلهم، الكتاب الذي عزلناه عن شؤون حياتنا فما عاد لنا منه غير تلاوته في رمضان والجمعات والأحزان – إلا من رحم الله. أخبرنا مولانا الشارع أن الخمر رجس من عمل عدونا الشيطان اللعين الذي أوردنا الموارد، وقد حرمه علينا مليكنا الله تبارك وتعالى. وقد بين معلمنا المبعوث إلينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذا عظم هذا المنكر، فأخبرنا أن رب كل شيء قد طرد من رحمته تسعة أصناف ممن يتعاملون مع الخمور ما لم يتوبوا وذلك في حديث صحيح نصه (لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها). بل ووضع الإسلام عقوبة يحد بها من يتعاطى هذا المنكر الخبيث من بين جرائم معدودة لما كان يجر أهله إلى الهاوية. كل ذلك لخبث الخمر وأهلها. جزى الله كل من كانت له يد في منع هذا الخبيث من أن يباع ويشترى ويشرب في أماكن مورس فيها من المنكرات ما الله به عليم. نرجو من كل من بيده صلاحية أن يبرئ نفسه أمام ربه وأن يعمل مخلصاً لله رازقه لمنع الخمور من غيرها من الأماكن منعاً نهائياً فلا تتعاطى على هذه الأرض الطيبة بعد ذلك ولا أن تذكر.إن سواد أهل البحرين ليرجون أن يعيشوا أعوامهم المعدودة بلا أن يتنظفوا بخطيئةٍ أوفاحشة تجلب غضب الرب. جل ما نتمناه نحن أهل البحرين والمسلمون في بقاع الأرض أن نعيش في أوطاننا عابدين الله كما يحب ويرضى، لا يجاورنا فيها منكر يفتننا عن ديننا الذي فطرنا الله عليه. كيف لا، وقد نشأ هذا الشعب على حب الله والرسول وعلى طاعة الله والرسول ؟!! فهلا تجيب حكوماتنا رعاياها إلى مطلبهم هذا ؟!لم يحرم الإسلام تنمية أموال الدولة واقتصادها، لكنه حرم تنميتها بالحرام الذي بينه رب هذا الكون، وتوعد مرتكبه بالعذاب الأليم، في هذا الحياة أو التي بعدها. لقد مارس السابقون الأولون إلى الإسلام كذي النورين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وغيرهم مهنة التجارة حتى أصبحوا من أغنياء المسلمين. جاء الإسلام مبيناً كثيراً من أحكام البيع والتجارة لما يحملان من أهمية كبيرة في المجتمع المسلم، حتى أسس فقهاء الإسلام لذلك علماً خاصاً سموه فقه البيوع. عمل أسلافنا من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وتابعيهم في التجارة فنمت أموالهم وكثرت أملاكهم، وكان ذلك بما أباحه الله الذي هو أوسع بكثير مما حرمه سبحانه وتعالى. بل وشاركوا بأموالهم جهاداً في سبيل الله ونصرةً للحق. فهم عرفوا أنهم إنما مستخلفون في ملك الله، وأدركوا أن متعة الحرام وفائدته لا تدومان. رضي الله عن تلكم الثلة البشر، إن لنا فيهم وفي من سار على نهجهم أسوةً حسنةً. إن البحرينيين ولله الحمد ليمقتون ما يمقته الله من المنكرات. فليتق الله أصحاب الشأن في أنفسهم وفينا وليمنعوا هذه المنكرات تماماً، فهي وإن كانت لا تستهوي شعب البحرين المسلم، إلا أنها تفتن البعض ممن غلبت شهوته عقله، وبذلك تنصرف كثير من مواردنا البشرية بعقولها وأوقاتها وصحتها ومالها إلى ما يدر في جيوب الفساق المال الخبيث الحرام، بدلاً من استعمالها لنهضة الوطن وأهله. نسأل الله العافية. وإن كانت هذه الخمور وما يلازمها من فجور هي من أجل إراحة المقيمين والوافدين والسياح من غير المسلمين وإشعارهم بأنهم في وطنهم الأم، فهذا والله من المؤسف المبكي المثير للشفقة. إذ أن الله يتوعد من يسلك هذا الصراط في التفكير بعذابه العظيم الذي لا يعلم كيفيته وحينه سواه. يخبرنا مولانا الجبار في محكم كتابه ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين). على هؤلاء أن يخضعوا لقانوننا وشريعتنا ويحترموها إذا عاشوا على أرضنا كما نخضع نحن لقوانينهم ويتوجب علينا احترامها إذا نحن عشنا على أرضهم. ولا أعظم وأشرف من أن نحكم بشريعة العلام فاطر كل ما هو موجودٍ – سبحانه وتعالى. أمر آخر، إن من شأن استيطان هذه المنكرات بيننا إهمالاً لفريضة عظيمة افترضها علينا مولانا الأعظم – تبارك وتعالى – وهي دعوة الناس إلى الإسلام لإخراجهم من ظلمات الأديان إلى نور الإسلام بهدي القرآن وسنة رسوله المبعوث رحمة للعالمين. لقد قصرنا كثيراً في هذه الفريضة التي ما صرنا مسلمين إلا حين بلغنا الإسلام بها، فأصبح الكافر (غير المسلم) من زميل دراسة أو عمل أوعامل يعيش في وسطنا لا يحول بينه وبين قبول هذا الدين إلا رؤيته لأهل هذا الدين يقولون ما لا يفعلون. فبالله عليكم، كيف سيقتنع المرء الكافر بصدق الإسلام وسمو أخلاقه وأنه دين ممسك السماوات والأرض إذا وجد أهله يكذبون ويخلفون الوعود؟! قياساً على ذلك، كيف سيتعرف الناس العاملون في أماكن المجون من غير المسلمين على هذا الدين إن كانوا يرون نسبةً كبيرةً من مرتادي هذه الأماكن مسلمين متسمين بمحمد وأحمد وعلي؟! إن كان أصحاب هذه الأماكن لا يخشون على أنفسهم من عقاب خالقهم ولا يكترثون لمصلحة دين الله، فهذا شأنهم. لكن لا ينبغي أن يكون هذا ديدن من سجدت جبهته لله ولم تسجد لغيره. كيف نسمح لهم أن يسهلوا منكرهم لأبنائنا وأحبابنا الذين نشؤوا على حب الله ورسوله وطاعة الله ورسوله وعلى العفة وبغض المنكر؟! نسأل الله العافية. هم يدعون شبابنا وشيوخنا إلى جهنم وبئس المصير، فهلموا ندعوهم إلى صراط العزيز الحميد، فنحن أمة فضلها الله على كل الأمم بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر. يقول المولى عز وجل: (يريد الله أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً). إن مصير هؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فينا هو الفناء، وهو مصيرنا كذلك. سيفضي كل واحد منا بعد ذلك إلى ما قدم في حياته الأولى، فمن عمل خيراً فلنفسه ومن أساء فعليها. ولن ينتفع أحد حينها بالمال الحرام الذي كان يدر على اقتصاد دولته بأرباح سببها المنكرات التي لم يمتعض وجهه لها. بل ستكون وبالاً شديداً يتحسر عليه. فهو وإن لم يكن يأتي ذاك الحرام، فإنه لم يمنعه عن غيره من العباد. إن الحلال بطهارته وعفته جميل وإن الحرام بخبثه وفحشه لدميم. لنستعن بالله ولنتقه ولنكتف بحلاله عن حرامه، لنتوكل عليه، عسى أن يرزقنا الله من فوقنا ومن تحتنا ويجعل لنا من كل ضيق فرجاً ومن كل هم مخرجاً، إنه قيوم السماوات والأرض. يقول الله تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)، ولا ننخدع بالأمن الذي نحن منعمون فيه فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الفاسقون، فإن خالق السماوت والأرض قد جعل سنة كونية بأن يصيب عباده ويعاقبهم بمحن وبلايا نتيجة ما اقترفته أيديهم من السيئات والمنكرات التي يرونها ولم يحركوا لها ساكناً. إن ذلك العقاب لآت لا محالة، إن لم يكن في هذه الدنيا ففي الآخرة وبئس الجزاء. إن أشكال بلاء الله غير محصورة، فلنحذر ولنتق سخط الله الذي أعطانا فلم نشكره والذي أراد هدايتنا فلم نطعه، لنحذره بالرجوع إلى ما يحبه ربنا باتباع كتابه وسنة رسوله المبعوث إلى الناس كافة، عسى أن يرزقنا حياة طيبة في هذه الدنيا وفي الآخرة.أسامة محمد