حوار - عايدة البلوشي: دشن مركز عبدالرحمن كانو الثقافي؛ أمس الأول الإصدار الجديد للباحثة بسمة البناء «تويتر والبناء الاجتماعي والثقافي لدى الشباب»، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت. عالجت البناء في الكتاب، طبيعة البناء الاجتماعي والثقافي لدى مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي الشهير «تويتر»، وتناولت بالتحليل مفهوم وخصائص وسمات ووظائف الإعلام الجديد ونظرياته وبداية ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً موقع تويتر وآلية عمله واتساع نطاق استخداماته. حول هذا الكتاب وآفاقه كان لـ»الوطن» هذا اللقاء مع الباحثة بسمة البناء... * ما سبب اختيارك لهذا الموضوع؟ ومن أين جاءت فكرة هذا الكتاب؟- منذ التحقت بدراسة الماجستير في تخصص الإعلام في العام 2011م، كان أول حدث يستقبله عامي الدراسي الأول هو أحداث ثورة ما يسمى بالربيع العربي، وكان العالم يشهد حالة دراماتيكية جديدة أصابت الجميع بالذهول والدهشة، واكتنفها الغموض في الظواهر غير العادية التي انتجت مجريات وملابسات سريعة ومفاجئة استعصت على التفسير والتحليل ذلك الوقت أسوة ببقية الظواهر الاجتماعية والسياسية المفاجئة، وقد برز هنا بوضوح دور أدوات التواصل الاجتماعي وأثرها في استدعاء وحشد الجماهير، فكان هذا الأمر لافتاً بالنسبة لي ووجدته حرياً بالبحث والدرس.* ما الأهداف التي ترجين تحقيقها من هذا الكتاب؟- أسعى من خلال هذا الكتاب إلى وضع لبنة متواضعة على طريق الباحثين قد تضيف جديداً إلى هذا المجال الذي مازال أرضاً بكراً بحاجة إلى حرث، ويتطلب إضافة جهود تراكمية مشتركة للمشتغلين في حقل الإعلام في العالم العربي لتدارسه والتعمق في معرفة آثاره في مختلف الجوانب. صعوبة العثور على العينة النموذجية* هل واجهتك صعوبات خلال إعداد مادة الكتاب؟ - كان البحث الميداني مضنياً في أكثر من جانب، فجدة موضوع البحث وقلة مصادره العربية إلى جانب صعوبة العثور على العينة النموذجية التي يمكن استقاء معلومات صحيحة وجادة منها، كانت من أبرز الصعوبات التي واجهتني، لكنني استعنت ببعض المصادر والمراجع غير العربية التي لامست موضوع البحث من جانب أو آخر وجلبتها من أكثر من بلد، وقد تعاملت بصبر واجتهاد وتأن في مسألة العثور على العينات النموذجية التي توسمت في إجاباتها وفي نتائج إفاداتها ما يعين على استخلاص الاستنتاجات التي توصلت إليها.* ما الذي يميز هذا الكتاب عن غيره من الإصدارات التي ناقشت وبحثت ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي؟ - للإجابة على هذا السؤال سأستعير ما تفضل به أ.د.عبدالكريم الزياني في تقديمه لهذا الكتاب، فقد وجد أن مادته عالجت بشكل منهجي تحليلي طرق استهلاك الشباب لشبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية «التويتر» وتناولت أثرها على البناء الثقافي والاجتماعي لهم. وخلصت إلى نتائج مفيدة في فهم الآليات التي يستخدم بها الشباب تلك الشبكات والتأثير الناجم عن ذلك الاستخدام في البناء الثقافي والاجتماعي لهذا المكون الاجتماعي المهم في المجتمع. ورأى في هذا الكتاب محاولة جادة لدراسة شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية، بل ذهب إلى أبعد في اعتبار البحث محاولة جدية لبناء منطق فكري جديد تبنى عليه نظريات جديدة لفهم آليات البناء الثقافي والاجتماعي للمجتمعات التي يرتفع فيها استهلاك شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية. ونبه د.الزياني جزاه الله خيراً إلى أن الجهد المبذول في هذا الكتاب سيدفع بالمهتمين وخبراء الاتصال والإعلام، وأساتذة الإعلام والاتصال في الجامعات العربية إلى التفكير جدياً في التركيز على شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضية ضمن مقررات أقسام الإعلام، للأهمية التي يوضحها هذا الكتاب، بل إن أساتذة علم الاجتماع بحاجة إلى إعادة قراءة النظريات الاجتماعية المكونة للبناء الاجتماعي والثقافي في العالم العربي. حثت الشباب على الالتزام بالمصداقية* ما أهم التوصيات التي خلصت إليها الدراسة الميدانية التي تضمنها الفصل الأخير من الكتاب؟ - أهم توصيات الدراسة؛ ضرورة حث الشباب على الالتزام بالمصداقية والتأكد قبل نشر الأخبار في موقع تويتر، مع الاهتمام بالمحتوى والمضمون، لما له من أثر وانعكاس على شرائح واسعة من المجتمع البحريني المستخدم لهذا الموقع. وضرورة توعية الشباب حول سلبيات وإيجابيات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وإرشادهم للاستخدام الأمثل لهذه المواقع، إلى جانب الحث على عقد دورات تدريبية لفئة الشباب تستهدف تطوير مهاراتهم في توظيف مواقع التواصل الاجتماعي لصالح قضايا اجتماعية وثقافية تمس مجتمعاتهم. ورأيت أنه من الضرورة أيضاً فتح نوافذ الحوار المتمدن ونشر ثقافة الحوار من خلال الندوات والمحاضرات الثقافية التي تعقد للشباب بين حين وآخر لكي تعود الشباب على حوار علم ينبني على معلومات صحيحة وسليمة، وتعليمه أسلوب الحوار الحضاري الراقي القائم على احترام الرأي الآخر وتقديره، ويهدف الحوار لمواجهة التعصب والانغلاق وعدم التسامح، ولإيجاد أرضية صلبة لبناء جيل واعٍ قادر على تحمل المسؤولية. ومما خلصت إليه الدراسة إنماء الإحساس لدى الأفراد بالخصوصية الثقافية والحضارية، وأهمية التفاعل الواعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع الثقافات الأخرى على أساس التعاون والتكامل، لا الذوبان أو التبعية.* هل توصلت إلى نتائج تعطي مؤشرات حول استخدام الشباب للتويتر في المستقبل، وهل من خطورة في ذلك؟ - أمعنت النظر كثيراً في نتائج البحث التي أفرزت أمامي مجموعة من المؤشرات فما يقارب نصف أفراد العينة يستخدمون الحروف الإنجليزية عند الكتابة باللغة العربية عبر «تويتر»، كذلك هو الحال فيما يتعلق بالتواصل باللغة الإنجليزية مع أشخاص يتحدثون العربية عبر «تويتر»، وهو ما يستدعي مؤسسات الدولة الإعلامية والتعليمية والثقافية إلى تبني سياسة واستراتيجية على مستوى الدولة، من أجل إعادة إحياء اللغة العربية وتعزيز أهميتها والتأكيد على دورها المهم في تكوين الهوية المشتركة والجامعة للأفراد داخل المجتمع، ولارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي والانتماء العربي. وضرورة المناداة بوجوب تعميم استخدام اللغة العربية في التعليم وفي وسائل الإعلام وكافة مؤسسات ومنابر الدولة باعتبارها رمزاً للوطن والهوية الشخصية.* هل يعتبر هذا الكتاب هو الإصدار الأول لك، وهل من مشاريع مستقبلية لدراسة مواضيع وقضايا أخرى؟ - هو إصداري البحثي الأول، وأعمل على التخطيط لإعداد دراسات أخرى ستأخذ طريقها إلى النشر بإذن الله تعالى. يشغلني هم أكاديمي وأتوق إلى إعداد دراسات معمقة لمواقع تواصل اجتماعي أخرى بدأت في البروز والانتشار بين شريحة الشباب كالإنستغرام واليوتيوب. وبحكم اشتغالي في المجال الثقافي كوني رئيسة النشر الإلكتروني بمركز عبدالرحمن كانو الثقافي لدي اهتمام بدراسة قضايا الثقافة والهوية الوطنية، وقد مهدت لذلك بنشر مقالات في مجلة (الثقافة الشعبية)، وهي مجلة علمية محكمة. وأطمح في إنجاز بحث قيم في مجال مختلف لنيل درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات.لا إدمان على «تويتر»* هل لك أن تحدثينا عن واقع استخدام الشباب البحريني لمواقع التواصل الاجتماعي و(التويتر) تحديداً؟- لقد انخرط الشباب البحريني أسوة ببقية الشباب العربي في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي وتفاعلوا مع معطياتها بعدة صور، وبلغت آخر إحصائيات استخدام الشباب لمواقع التواصل الاجتماعي، الفيس بوك 600 ألف، والتويتر 300 ألف، 200 ألف إنستغرام، 160 ألف لينكد إن. ومن أهم عادات وأنماط استخدام موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» تبين من البحث أن غالبية العينة تقضي أقل من ساعة يومياً على «تويتر»، وهو ما يدل على معدل تعرض معتدل لاستخدام الموقع دون إدمان أو إسراف. وتحددت أبرز المواضيع المفضلة لدى الباحثين على «تويتر»، في المواضيع الاجتماعية حيث حصلت على المرتبة الأولى، تليها المواضيع الترفيهية كخيار ثان، أما اختيارهم للمواضيع الثقافية فقد جاء في المرتبة الثالثة. وفي مرتبة متأخرة جاء اختيار العينة للمواضيع الفنية، وحلت في المرتبة قبل الأخيرة المواضيع السياسية، وهو ما يشير إلى حدوث نوع من العزوف من قبل جيل الشباب عن التعاطي مع الشأن السياسي، وهي من النتائج المثيرة للاهتمام.* ما الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في البناء الاجتماعي والثقافي للمجتمعات العربية؟ - أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تضطلع بأدوار مهمة في تربية النشء وإكسابهم عادات وسلوكيات وهي تمثل أداة مهمة من أدوات التغيير الاجتماعي. فالشاب بتعاطيه مع مواقع التواصل الاجتماعي يمارس أنشطة اجتماعية وثقافية وفنية، ويتفاعل مع غيره من الناس، وبذلك يتبادل أنواعاً من السلوك الإنساني ويمني نفسه الإحساس بالمسؤولية والاعتماد على الذات عبر هذه العمليات والأنشطة وهو يقوم بذلك من خلال المشاركة مع الآخرين من الجماعات الأخرى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.ومن الآثار الإيجابية لهذه المواقع أنها ألغت جميع الحواجز الإنسانية والعمرية والجغرافية والزمنية، وجعلت الشعوب من شتى الثقافات حول العالم تتواصل مع بعضها البعض بمنتهى الحرية. من ناحية أخرى جذبت هذه المواقع شريحة واسعة من الشباب للكتابة عبرها عن كل ما يجول في خواطرهم ومكنوناتهم، وهو ما جعل الخطورة ماثلة من ناحية المضامين والمحتوى المتداول والمنشور إلكترونياً عبر هذه المواقع، وتتمثل هذه الخطورة في اعتبار هذه المواقع باتت تعزز «التقاليد الشفاهية»، القائمة على القيل والقال والرواية الشفوية، وليس القراءة المتأنية العميقة والتحليلية. وتعتبر العولمة الثقافية أحد أقوى الآثار الثقافية لمواقع التواصل الاجتماعي، والتي تشكل تهديداً للتنوع الثقافي خصوصاً في الوطن العربي، فقد تحولت هذه المواقع إلى آلة عملاقة لمؤسسة التبعية ولتسويق قيمها وفرضها على العالم، بحيث أصبحنا نعيش عصر القيم العابرة للقارات، التي تعتبر كل القيم المغايرة قيم دونية، مع ما يترتب عن هذه الرؤى من صدامات حضارية وأزمات روحية وعاطفية للإنسان. إن تهديد التنوع الثقافي يتزامن مع تنامي نزعة التنميط الثقافي وعولمة قيم وسلوكيات وأنماط حياة الإنسان الكوني.