تذكروا كلامنا هذا، إذ سنعود للدخول في نفس الدوامة، وصدقوني لن ننتهي، فالرصيد سينفد وسنكون بحاجة لإعادة تعبئته؛ إذ بعد 400 مليون لم تسعفهم لإنقاذ الوضع في طيران الخليج، هاهي 664 مليوناً أخرى قادمة في الطريق. حال طيران الخليج لن ينصلح إن تمت الأمور فيها على ما هي عليه من سوء إدارة و«محاباة» واضحة وسكوت على الأخطاء. لماذا تريدون مزيداً من الملايين؟! ما هي الخطة الخطيرة التي ستحول الخسارة الفادحة إلى أرباح طائلة؟! إن كانت الملايين ستوجه لتغطية الرواتب الخرافية في الشركة، فعليكم منذ الآن تجهيز ملايين غيرها. رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب النائب علي الدرازي يقول: “سكرتيرة أحد المسؤولين بشركة طيران الخليج تتقاضى أجراً يتجاوز سبعة آلاف دينار”! ويقولون شغل “السكرتارية” ما “يربح”! في جانب آخر يكشف أحد النواب عن موافقة لمنح “بونس” يتراوح إجماليه بين 100 إلى 150 ألف دينار للموظفين رغم أن الشركة تعاني من خسائر وإفلاس ولم تحقق أي ربح. ما نعرفه أن “البونس” مكافأة للأداء المتميز يصرف نظير قيام الموظف بأداء عمل متميز، ولو رجعتم بالذاكرة لتلك الفترة التي تحدثت فيها الحكومة عن صرف مكافأة أداء متميز تحت مسمى “البونس” وتذكرتم السجال في مجلس النواب وكأننا سنخوض حرباً عالمية ثالثة، كل هذا من أجل مكافأة بسيطة ينالها الموظف الحكومي بعد أن يتم تشريح عمله تشريحاً، بينما في طيران الخليج وكثير من الهيئات شبه الحكومية يعتبر “البونس” من مميزات “الترف” التي يتحصل عليها الموظفون، ناهيكم عن بدلات النادي الصحي والتأمين الصحي وحتى تدريس الأولاد في مدارس خاصة. في هذا الخصوص، وعلى سبيل المثال تذكروا تقرير ديوان الرقابة، وتذكروا تحديداً الفصل الذي يتحدث عن صندوق العمل “تمكين”، وكيف تحولت هذه الهيئة التي أشبه ما تكون بدار رعاية و«تدليع» لموظفيها، فالبونس موجود، وتدريس الأبناء “مكفول دستورياً” بحسب نظامهم الداخلي، ووصل الفائض المالي المتحصل عليه من هيئة تنظيم سوق العمل إلى إنتاج مسلسلات رمضانية حتى. لسنا نطالب بتجريد الناس من الحقوق المكتسبة، لكن الإيغال في ترك الحبل على الغارب إدارياً يخلق لدينا حالة “طبقية” مقيتة على مستوى الوظائف، يخلق لنا مجتمعاً مهنياً “إقطاعياً”. بحسب النائب الدرازي فإن سكرتيرة في طيران الخليج تستلم راتباً يصل إلى سبعة آلاف دينار، ما يعني بالأرقام أكثر من راتب الوزير! في حين لو جئنا لسكرتيرة في قطاع حكومي لنرى كم تستلم، كم سيكون الفارق هنا؟! وضع طيران الخليج كارثي وتصرف “بونسات”! وتلتزم الشركة بدفع مئات الآلاف على الرواتب الخيالية، التي يفترض أنها تدفع لأناس بإمكانهم أن يصنعوا مكوكاً فضائياً يدور في المجرة لكنهم عاجزون عن إنقاذ الشركة. وهنا نتحدث مع الاحترام لعديد من الموظفين في الشركة إذ أصابع اليد ليست سواء فهناك الكفاءات وهناك من جاء إلى موقعه على بساط الريح وتحصل على راتب خرافي بقدرة قادر. نائبان تحدثا عن مسألتين فقط يمكنهما أن تكشفا الحال الذي وصلت إليه طيران الخليج، في حين أن هناك معلومة على النواب المهتمين بإصلاح وضع الناقلة الوطنية أن يتابعوها أيضاً، إذ “العصفورة الصغيرة” همست في أذني وقالت بأن جهة ما هي التي دفعت رواتب موظفي الشركة الشهر الماضي ولم تدفع الرواتب من الشركة بسبب العجز المالي. لسنا ضد طيران الخليج، أبداً والله، بل نريد لناقلتنا الوطنية أن تتحسن أوضاعها وأن تعود لسابق عهدها في تحقيق الأرباح ووقف الخسائر، (سابق عهدها جملة قد تعيدنا لعقود مضت)، لكن أن نستمر في محاولات الإنعاش في كل مرة تشير الأجهزة إلى توقف القلب دون أن نعالج المشكلة الأساسية التي يعاني منها، فإن ذلك يعني بأن الـ664 مليون دينار التي قد تمنح للشركة قريباً مآلها إلى الحرق والتبديد مثل حال الأموال التي سبقتها. هذه الشركة تحتاج إلى إعادة هيكلة، وإلى وضع إدارة صحيحة على رأسها، ومسؤولون يفكرون في إنقاذها في المقام الأول بدل التفكير في تحصيل البدلات وزيادة الرواتب وإيصالها لسقف جنوني. لا أدري ما الذي يمنع اتخاذ قرار حاسم بإعادة هيكلة الشركة والكشف بصراحة ووضوح عن التجاوزات فيها ومحاسبة المتسببين فيها، ومن ثم تعيين كادر مؤهل قادر على إنقاذ وضعها. والله كل شيء ممكن فقط لو وجدت الإرادة والنية الصادقة. أما في مثل هذا الحال واحتمالية استمراره، فقط أفكر في مصير الـ664 مليون دينار، وكم بيتاً إسكانياً بإمكانها أن تبني للناس؟!