كتب أمين صالح: تجدر الإشارة هنا إلى أن الفيلم عرض في ألمانيا وهو يحمل هذا العنوان الجانبي: قصة أطفال ألمان. بينما لم يظهر هذا العنوان في العروض الخارجية. ويعلق هانيكه قائلاً: «ربما ثمة مفارقة هنا. لقد رأيت أن الجمهور الألماني ينبغي أن يفهم بأن هذا فيلم عن ألمانيا. لكنني لم أرد أن يحدث هذا خارج البلاد. على الجمهور العالمي أن يفهم الفيلم بعيداً عن إطاره الألماني».عالم الفيلم يهيمن عليه الأب ذو الحضور القوي، أو من هو في مكانته، أو من ينوب عنه «الأب البديل». كل وحدة اجتماعية في القرية يحكمها شكل أبوي ما. وكل أب أو ولي أمر أو سيد أو رب عمل يمارس عنفاً بدنياً أو نفسياً أو جنسياً. والأطفال بدورهم يوجهون ما كابدوه واختبروه من عنف بدني ونفسي نحو آخرين لم يرتكبوا إثماً. مع إنهم يفرضون بالقوة الطاعة والامتثال لنظام إلزامي وقسري من السيطرة والتحكم والامتثالية. التفاعلات الأولى في الفيلم بين البالغين الكبار والأطفال ترسم سلسلة متصاعدة من الأمثلة أو الشواهد على التحكم الأبوي البالغ: البارون الإقطاعي، سيد المزرعة، يعظ القرويين كأنهم أبناؤه عارفاً أنهم اقتصادياً يعتمدون عليه كلياً، ولذلك يتحكم في مصائرهم، فيغفر أخطاء البعض ويطرد من غير إبطاء، وبلا سبب، مربية أطفال هي خطيبة المدرس. زوجته البارونة المحبطة تهجره لتعيش مع رجل آخر، وهي بدورها تمارس تحكمها في إجبار معلمها الخاص في الموسيقى على مشاركتها في العزف في الوقت الذي تهمل ابنها الملول طالبة منه بفظاظة أن يغرب عن وجهها لأنها تتوتر عندما يحوم حولها. وكيل أعمال البارون يضرب أطفاله في نوبة من الغضب الشديد. الطبيب يسئ معاملة عشيقته القابلة، ويمارس ضدها عنفاً لفظياً جارحاً وإذلالاً لا يطاق في محاولة منه لقطع علاقته بها، كما ينتهك جنسياً ابنته المراهقة أمام حيرة وارتباك ابنه الصغير الذي يشهد ما يجري من دون أن يستوعبه. القابلة تؤنب التلاميذ الذين لا يرحبون بها. القس يفرض عقاباً جماعياً وفردياً على أفراد عائلته.. حيث يحرمهم جميعاً من العشاء، ويلزم ابنته وابنه المراهقين على وضع الأشرطة البيضاء لإذلالهما.حتى المدرس، الذي هو من أكثر الشخصيات تفهماً وتعاطفاً، يهدد الصغار بممارسة العقاب. وعندما تأتي إليه إحدى الطالبات «إبنة وكيل أعمال البارون» وتسأله دامعة العينين عن الأحلام وما إذا يمكن لها أن تصبح حقيقية، ثم تسرد له ما رأته في الحلم من فعل عنيف يتعرض له ابن القابلة المعاق ذهنياً، هو يطمئنها ويؤكد لها أن هذه الرؤيا لا أساس لها في الواقع. لكن عندما يتحقق هذا الفعل في الواقع، يسارع المدرس إلى اتهامها بأن لها يد في الاعتداء، ويحرض المحقق على استجوابها.عن فعل الاعتراف هذا، يقول هانيكه: «هنا كنت أبحث عن وسيلة لجعل واحدٍ من الصغار يقول شيئاً يترك فينا إحساساً بالشك والريبة، إضافة إلى التشوش. عندما تتحدث الفتاة عن حلمها، نعتقد نحن بأنها تعرف شيئاً عن الحوادث، لكن من المحتمل أنها فعلاً لا تعرف. لقد قررت أن أنفذ المشهد بتلك الطريقة لأنه ذكّرني بتجربة حقيقية عشتها منذ زمن طويل مع امرأة كنت أسكن معها. ذات صباح أيقظتني من النوم وسردت لي حلماً رأت فيه شقيقها واقفاً على نتوء في الجبل وهو يصيح مستغيثاً. بعد ساعات، في ذلك اليوم، اتصلت أمها وأخبرتها أن شقيقها، الذي ذهب لممارسة التزلج في جبال الألب، لم يعد إلى المنزل. بعد ساعات، عثرت فرق الإنقاذ على الشقيق وصديقين له على نتوء في الجبل بعد أن ضلوا طريقهم، وكانوا على وشك الموت من شدة التجمد. كان ذلك مطابقاً لحلم صديقتي، وما كنت سأصدق هذا لو سمعته من آخرين، غير إنني كنت شاهداً على ذلك».الشريط الأبيض: شارة عار يرغم القس ابنه وابنته على ارتدائها لأسابيع بسبب مخالفتهما لقانونٍ من وضعه.. كمثال: التأخر في العودة إلى المنزل، ممارسة ما تفرضه أمارات البلوغ واليقظة الجنسية، وغير ذلك. الشريط، كما يحدده أو يعرفه القس، هو رمز للنقاء والطهارة والبراءة، تذكير بالمثل العليا التي ينشقان عنها، والتي ينبغي أن يجاهدا من أجل بلوغها. أيضاً الغاية من الشريط، كما يشير القس، حث المرء على تجنب الوقوع في الخطيئة، الأنانية، الحسد، البذاءة، الكذب، الكسل. إنه يستخدم الشريط الأبيض كأسلوب تربوي تعليمي، مع أنه في حقيقته عقاب ووسيلة قمع شنيعة. هذا القس الذي يشعر بخيبة أمل دائمة من عدم التزام الناس بالقيم الأخلاقية، نراه يروج للخطايا أو القوى ذاتها التي يعتقد أنه يحاربها «وهذا ما تؤكده زوجة البارون التي تشكو من تفشي الشر والحسد والوحشية وفتور المشاعر في محيطهم، بالتالي هي لا ترغب في شيء غير الرحيل عن القرية». الشريط الأبيض أيضاً يستقطب تداعيات أخرى في الفيلم: هناك الرباط «كأداة كبح وقمع» المستخدم لربط يدي ابن القس ليلاً في محاولة لمنعه من الاستمناء «الذي هو فعل محتوم تفرضه وصوله سن البلوغ» فتغرس فيه المخاوف الوهمية وعقدة الذنب والشعور بالخجل والعار من حاجاته الجسدية ورغباته الطبيعية. هناك كذلك الضمادة التي توضع على العينين المصابتين والتي توحي بالعمى، بعجز المجتمع عن رؤية طبيعته الحقيقية، وبرفض هذا المجتمع لأي تغيير جذري في أسسه الاجتماعية والأخلاقية. في هكذا مجتمع، ثمة تدمير منهجي للحب والبراءة، وهيمنة للشر، ونفي لأي بارقة أمل.