15 حياً وأكثر من 800 عائلة بينهم أكثر من 250 طفلا تحت سن السادسة وحوالي 45 رضيعا، و4 مستشافيات ميدانية تكاد تكون خالية من الأدوية الفعالة والحقيقية، يقبعون تحت الحصار منذ سنة كاملة.هناك، في حمص المحاصرة منذ عام كامل أناس منسيون منذ 9 يونيو/حزيران 2012 عندما اقتحمت قوات الأسد حي الغوطة في حمص، اعتمد المحاصرون على المياه الملوثة من الآبار حتى تسمم الكثيرون منهم، واستغنى أهل تلك الأحياء عن الكهرباء بشكل شبه كامل بعد فقدان مادة الديزل التي كانت تساعدهم على تشغيل 20 مولدا كهربائية لثلاث أو اربع ساعات خلال الـ24 ساعة، وبات الحطب هو المادة الوحيدة المستعملة للتدفئة في برد حمص وللطبخ وحالياً للإنارة.حاول أهالي حمص البحث عن وسائل للحياة، فزرعوا بعض البذار علهم يتذوقون أنواع الخضار التي كادوا أن ينسوا شكلها، ولكن شمس الصيف حرقت الأخضر واليابس.حمص المحاصرة تدق ناقوس الخطر لانتشار العديد من الأمراض والأوبئة في الفترة الأخيرة، كان أشدها مرض التهاب الكبد والمعروف باسم "اليرقان" الذي قد يودي بحياة الإنسان الذي لم يتبع حمية غذائية صارمة أو لم يتناول دواءه بشكلٍ صحيح.حدث تحت الحصار"م" حوصر في باب هود، وبقي يراقب طفله الذي يتكون في رحم زوجته عبر السكايب، إذ أنها أخبرته بأنها حامل بعد أن تم الحصار ببضعة أيام، تقول زوجته "عشنا قصة حب لما يزيد عن ثلاث سنوات، وبعد أن تزوجنا أخيراً فرقتنا دبابات الأسد"."م" لم يؤذن في أذن ابنه كما تمنى وتمنت زوجته، ولم يحمله، ولن يشاهده يكبر، كما أنه لن يشتري له ثياباً للمدرسة أو دفاتر أو حتى لعبة.. إذ أن "م" توفي جراء تسمم من المياه وبقيت هي لوحدها مع ابنها ذو الشهرين.حوصرت أنا وبكيت أخي"ض" يبلغ من العمر 22 عاماً فقط، كان من أهم مصوري حمص، دخل ليشارك في إحدى الفعاليات الثورية، عندما أطبق الحصار على القاطنين، فكان من بين المحاصرين.يقول "ض": "بعد أن يئست من الخروج من الأحياء المحاصرة، قررت أن أوثق حصارنا وحياتنا، وبقي قلبي مع عائلتي التي لا تبعد عني سوى بضعة كيلومترات خارج الحصار".أمه عاشت أياما بلياليها وهي تفكر فيه، تعيش رعب موته من جراء القصف ووابل النيران الذي لم يتوقف منذ بداية الحصار، وبقي هو يطمئنها ويحاول تقويتها "اللي بريدو الله لح يصير، سلمي أمرك لله".غصة "ض" لا تعادلها غصة، إذ أنه تجرع كأس المرارة بموت أخيه "لم يخطر ببالي أنني لن أقابل أخي مرة ثانية، ولم أفكر ولا لحظة واحدة أن يخطفه الموت بدلاً مني، وقتلته أيدي رجال الأسد، توفي أخي تحت التعذيب في سجون أولئك الظالمين"."ض" لم يشارك في جنازة أخيه، وبقي لأيام عديدة كما يقول "تغص في قلبي الدموع فأنثرها صورا على صفحات التواصل الاجتماعي ناقلا بعدستي قليلا من ألمي و كثيرا من ألم مدينتي".ابتساماتنا تموتثمة مقولة شائعة في حمص المحاصرة "ابتسم للسكايب، فأنت في حمص المحاصرة"، و"ب" لا يزال منذ عام كامل يصور في النهار أطفال حمص المحاصرين، ويلتقط ابتساماتهم، ويبكي عندما ينشرها، ويعود للابتسام أمام السكايب عندما يتحدث مع عائلته خارج الحصار.ولكن عدسته التي التقطت صور الكثيرين من الأطفال، بدأت تلتقط الدموع فقط "هذه الابتسامات كانت تموت واحدة تلو الأخرى بفعل القصف والرصاص لتترك في قلبي غصة، وفي عدستي دمعة".وكانت آخر دمعة لم تستطع عدسته أن تذرفها هي لأخته ولأولادها الذين نجوا بأعجوبة من هاون وقع بالقرب منهم، وإن لم يستطع أن يعانقهم فإنه أرسل قلبه.يداس العمر هناك"باب هود، باب التركمان، باب الدريب، الباب المسدود، حي الورشة، حي العصياتي، حي بستان الديون، حي الصفصافة، أسواق حمص القديمة "كالسوق الأثري وسوق الخضرة" وجزء من حي وادي السايح، بالإضافة إلى أحياء حي جورة الشياح، حي الخالدية، حي القرابيص، حي القصور، حي الحميدية، طريق حماه، أجزاء من مركز المدينة" يشكلون في تجمعهم حمص المحاصرة والمنكوبة منذ عام، حتى بات اسم "حمص المحاصرة" عابر يمر على نشرات الأخبار ويتجول بين المحطات الفضائية وكأنه اسم المدينة وليس اسم جزء محتل احتلالاً كاملاً، أو كأن ثمة منجنيقات منصوبة خارج أبواب القلعة تتهيأ لاقتحام بيوت ومساكن المنسيين من أي نجدة أو حتى محاولة نجدة من العالم كله.في أحياء حمص القديمة يداس العمر بنعال الألم فتتحول الدقائق لساعات طويلة.