بقلم - الشيخ خالد السعدون:تتمةً لما سبق، حيث تبين أن نصر الله قد يؤخر أو يمنع عن الصالحين، وذلك بسبب العزيمة على الفعل بغير تقييده بمشيئة الله، أو بغير تذليل اللسان لخالقه، فها أنا أسرد ما بقي من ذاكم: -4 ابتلاء الصحابة بكلمة قالوها فرحاً بنعمة الله: روى البخاري عن حذيفة قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس؟ فكتبنا له ألفاً وخمس مائة رجل، فقلنا: نخاف ونحن ألفٌ وخمس مائة؟! فلقد رأيتنا ابتلينا حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائفٌ». وفي رواية لمسلم: «قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا! قال فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً». -5 بل ويحبس الله نصره بميل القلب وقوله: قال تعالى: «لقد نصركم الله في مواطن كثيرة»،فالصحابة قد نصرهم الله في هذه المواطن الكثيرة بإيمانهم، وما انتصروا بكثير عدة ولا عدد، وأما يوم حنين فقد فرحوا بنعمة الله عليهم، فأعجبتهم كثرتهم لأنهم قليلون فيما مضى من المعارك كلها، فلما مالت قلوبهم قليلاً لكثرة الرجال، وليس لرب الرجال، أدبهم ربهم، فقال عن تلك الكثرة: «ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين»: ولما ردهم إلى الله مولاهم الحق قال: «ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين». -6 ومن العجيب أن الله يحبس نصره عن الأنبياء للفظة، ويعطيه الفجار والكفار بلفظة:روى أحمد عن أبي هريرة مرفوعاً: «إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً، فيعودون إليه كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله عز وجل أن يبعثهم إلى الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله، ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع «مخضبةً» وعليها كهيئة الدم، فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء «قوةً وعلوا» فيبعث الله عليهم نغفًا في أقفائهم فيقتلهم بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده، إن دواب الأرض لتسمن «وتبطر» وتشكر شكراً «وتسكر سكراً» من لحومهم ودمائهم». -7 ابتلاء الكريمين يعقوب وابنه يوسف: فأما يعقوب فقال: «قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون» فكان بلاؤه كما ظن بالذئب: «قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين».وأما ولده يوسف فلما راودته امرأة العزيز عن نفسه: «قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين»: فلما رضي بالسجن بدلاً عن الفاحشة، ولم يختر إلا السجن، قال تعالى: «فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم «34» ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين» ولو دعا ربه بغير السجن لوسع عليه، فرحمته وسعت كل شيء، وهو السميع العليم، والله أعلم. فالبلاء موكل بكلامنا: روى ابن أبي شيبة عن عبدالله بن مسعود قال: «البلاء موكلٌ بالقول». وفي رواية وكيع في الزهد: «البلاء موكل بالكلام».لذا فقد كان إبراهيم النخعي راوي الأثر عن ابن مسعود يقول: «إني لأرى الشر أكرهه، فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أبتلى به». رواه وكيع في الزهد.