كتبت - نور القاسمي:شهدت الانتخابات النيابية والبلدية، في دوراتها الثلاث الماضية، بعضاً من مظاهر استغلال طاقات الأطفال والشباب دون السادسة عشر من العمر، من قبل مترشحين أو جمعيات سياسية.وأكدت حالات من الشباب والأطفال، رصدتها «الوطن»، أن الجمعيات والمترشحين أغروهم بمبالغ مالية تتراوح بين 20 و50 ديناراً، أو بمكافئتهم بالرحلات الترفيهية والهدايا التذكارية، وذلك نظير قيامهم بتولي مهام معينة ضمن نطاق الحملات الانتخابية، مثل توزيع نشرات المترشحين، أو تشويه ملصقات ومنشورات المترشحين المنافسين، وإتلاف خيامهم الانتخابية، أو طرح أسئلة محرجة في خيم منافسيهم الانتخابية لإحراجهم أمام الناخبين.وطالب حقوقيون وتربويون، الجهات المعنية، بتشديد الرقابة على الحملات الانتخابية، التي مقرر لها أن تنطلق الشهر المقبل، وإنشاء خط ساخن للإبلاغ عن أي حالة استغلال للأطفال سياسياً في الانتخابات، وإرسال خطابات رسمية لممثلي الحملات الانتخابية وجميع الجمعيات السياسية والمترشحين وإعلامهم بحظر استخدام الأطفال في الممارسات الانتخابية والبرلمانية، حتى لا يتكرر استغلال المترشحين والجمعيات السياسية لعقول الأطفال، ومحاولة تسييسهم لإنجاح أجندتهم وإيصال مترشحيهم للمجلسين النيابي والبلدي.وقالوا، إن المترشحين والجمعيات خالفوا الكثير من قوانين حقوق الطفل والإنسان باستغلال الأطفال، وأن لهذه الحالات الكثير من الآثار النفسية والتربوية السلبية التي انعكست على ثقافتهم التربوية وتحصيلهم الدراسي.وأشاروا، إلى ما حدث بالانتخابات التكميلية 2011، حيث تم استغلال الأطفال وزجهم في أعمال العنف والشغب، ووضع الحواجز التي تعيق المرور، وهو أشد أشكال الاستغلال وأكثرها خطورة على الصحة النفسية والاجتماعية للطفل.قانون الطفل ينص القانون رقم 37 لسنة 2012 بإصدار قانون الطفل في الباب السابع حماية الطفل من سوء المعاملة المادة 60 يحظر استغلال الأطفال في التجمعات والمسيرات والمظاهرات التي يكون الغرض منها سياسياً. وينص الباب الثامن فيها باب العقوبات في المادة 69 دون الإخلال بأي عقوبة أشد منصوص عليها في أي قانون آخر، يعاقب كل من يخالف أحكام المادة 60 من هذا القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تزيد عن ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.تعهد الجمعياتدعا رئيس مجموعة حقوقيين مستقلين، الحقوقي سلمان ناصر، الجمعيات السياسية والمترشحين بإصدار بيان تعهد يعلنون فيه جميعاً الالتزام بعدم استخدام الأطفال واستغلالهم ضمن حملاتهم الانتخابية.وقال ناصر، إنه تم رصد عدد كبير من حالات استغلال الأطفال في الانتخابات النيابية والبلدية السابقة، من خلال توزيع كتيبات ومنشورات تخص مترشح معين، مما يعرض حياتهم للخطر، خاصة أنهم غالباً يوزعون المنشورات على شارع عام أو شوارع فرعية، ومن الممكن تعرضهم للخطر، ناهيك عن ما تم توثيقه في الدورات السابقة للانتخابات من تعرض الأطفال ذو المستوى الطولي القصير إلى الحوادث المرورية، من السائقين الذين لا يرون الطفل خلال قيامه بعملية توزيع المنشورات المعنية بالناخب.وطالب ناصر، المترشحين بأن يراعوا حقوق الطفل، وأن يقدموا سلامته على الأهداف التي يريدون تحقيقها، من خلال توزيع منشوراتهم أو كتيباتهم أو الترويج لأنفسهم، وأن يكون المترشحين على درجة من الوعي للحفاظ على حقوق الطفل، سواء كان بالانتخابات أو خيم المترشحين.وأكد، أنه في الانتخابات التكميلية لعام 2011 تم رصد وتوثيق عدة حالات بعدة دوائر انتخابية، استغلوا الأطفال بشكل مغاير عن المألوف، من خلال زجهم في عمليات الشغب وقيامهم بإعاقة الناخبين من خلال وضع الحواجز التي تعيق مرور المركبات أو سير الناخب عن طريق رمي الحجارة، وهو أشد أنواع الاستغلال خطورة، خصوصاً لأنه يستغل في أمور لا تتناسب مع أعمارهم، بل تعزز فيهم روح العدائية وتعرضهم للأذى من الناخبين عند دفاعهم على النفس، إضافة إلى حالات استغلال الأطفال في الإساءة للمنافسين أو القيام بأعمال عدائية، مما يؤسس مفاهيم خاطئة عندهم تتعارض مع حقوق الطفل وما تقوم به الدولة من جهود لإعداد جيل قائم على المواطنة وقبول الرأي الآخر.تخصيص خط ساخن طالبت عضو مجلس الشورى المحامية جميلة سلمان، وزارة التنمية الاجتماعية، بإنشاء خط ساخن للإبلاغ واستقبال الشكاوى عن أي حالة استغلال للأطفال سياسيا في الانتخابات، وإرسال خطابات رسمية لممثلي الحملات الانتخابية، وجميع الجمعيات السياسية، والمترشحين لإعلامهم بحظر استخدام الأطفال في الممارسات الانتخابية والبرلمانية.وأوضحت سلمان، أنه وخلال فترة الانتخابات الرئاسية بمصر فتح مركز حماية الطفل التابع لوزارة التنمية خطا ساخنا للإبلاغ من خلاله عن أي تجاوزات واستغلال للأطفال في فترة الانتخابات الرئاسية إدراكاً منه بخطورة ذلك وتعريضه الأطفال لمخاطر جسيمة.وقالت، إن استغلال الأطفال أثناء العملية الدعائية والانتخابية يعد من الأفعال المجرمة في كثير من القوانين، ومنافية للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالطفولة، والتي تنص بشكل واضح وصريح على حماية الطفولة من أي نوع من أنواع الاستغلال.وبينت أن استغلال الأطفال في الدعاية الانتخابية بكل أشكالها يعرضهم للكثير من المخاطر والعواقب، منها الصحية، والتي قد يصاب فيها الطفل بسبب ارتفاع حرارة الجو والإجهاد بالإعياء نتيجة الوقوف فترات طويلة، أو تعرضهم إلى حوادث مرورية أثناء توزيع النشرات الدعائية على سائقي السيارات.وأشارت إلى، أن دستور البحرين الفقرة أ من المادة الخامسة يحمي النشء من الاستغلال وقانون الطفل البحريني الذي صدر عام 2012 أسبق الحماية من أي نوع من أنواع الاستغلال، إضافة إلى التعديل الأخير الذي أجراه المجلس التشريعي على قانون الأحداث بمعاقبة من يتخذ إجراءات قانونية وتدابير في حالة مشاركة الأطفال في أي تجمع سياسي، خصوصاً أن العملية الانتخابية تعتبر من التجمعات السياسية عندما يستغل الأطفال في هذه الفترة.وطالبت سلمان، بتطبيق القانون على كل من يقوم باستغلال الأطفال، ومعاقبة من يتم استغلال الأطفال سواء بمقابل أو دون مقابل، فالطفل في هذا السن إدراكه غير مكتمل، ولا يدرك مصالحه الفضلى وغير مؤهل لإدراك المخاطر التي قد تحيط به جراء ذلك، مبينة أن عقوبات الأفعال تندرج تحت قانون ممارسة الحقوق السياسية ضمن الجرائم الانتخابية.ونصحت سلمان الأهل، بضرورة مراقبة أولادهم وعدم السماح للآخرين باستغلال طفولتهم في تنفيذ أعمال تشكل جريمة يدفع ثمنها الطفل وتؤثر على مستقبله وصحته البدنية والنفسية.القانون يجرم المساعدةقال المحامي فريد غازي، إن قانون الطفولة الصادر عام 2012 في البحرين يمنع الزج بالأطفال في الأمور السياسية، والعمل البرلماني هو عمل سياسي، لذلك يمتنع على المرشحين الزج بالأطفال في ممارسات سياسية يشتبه في أن تكون استغلال للطفولة أو للأطفال بشكل يخالف للطفولة.وأكد أن الممارسات تعتبر خاطئة حتى وإن تم دفع للأطفال مبالغ مالية مقابل أعمالهم ومشاركتهم في الحملات الانتخابية لتعاملنا مع الحالات وفقاً للمبدأ لا الوسيلة.ووسع غازي دائرة تجريم استغلال الأطفال حتى مع الأقارب، مبيناً أنه تم ملاحظة بالدورات السابقة أن يعمل الطفل مع أباه أو خاله أو حتى جده، خصوصاً أن القانون لا استثناءات له، داعياً الأقارب أن يحمون أطفالهم من الطوارئ لأنه قد تنتج ممارسات خاطئة جراء مشاركته في العمل البرلماني.وأشار إلى، أن جريمة استغلال الأطفال لها عقوبة تقدر من النيابة العامة إذا وصل لها التجاوز أو عن طريق شكوى بوجود التجاوز تقدم لمسؤول القضاء.الأمن والسلامة قالت الأخصائية الاجتماعية، د.بنة بوزبون، إن أي عمل يجهد الطفل جسمانياً ويعرض حياته للخطر مخالف، كأن لا يكون وقت عمل الطفل وقت الظهيرة ولا وقت متأخر من الليل، ولا يكون في الطرق العامة أو الفرعية، أو يستخدم أدوات حادة لإلصاق المنشورات أو تقطيعها.وبينت، أن تشجيع الأطفال في الانخراط بالمجتمع مع مراعاة زمنهم العقلي وعدم المساس بكرامتهم أمر إيجابي، مشددة على بعض الشروط والاحتياطات الواجب مراعاتها في هذه الحالة، أولهم علم الأهل وموافقة الوالدين على ذلك.وأضافت، أنه من الجيد أن يساهم الطفل في العمل البرلماني في أماكن تراعي سلامته العقلية والبدنية، كإشراكهم في عمليات الدعاية، والإشراف على الكتيبات في أماكن تتناسب مع عمره وتحميه، ويعمل في أماكن مكيفة ذات تهوية جيدة ويشرف عليه مجموعة من البالغين، مع مراعاة عمله في أوقات فراغه فقط خارج أوقات الدوام الدراسي ولا يتعارض مع واجبات الطفل المدرسية وعلم ودراية الأهل بالموضوع. وأشارت إلى، أن استغلال الأطفال في توزيع عبوات ماء وقت الظهيرة أمر خاطئ تماما، لأنه يجهد الطفل جسديا وعقليا وصحياً ويعرضه لكثير من خطر الحوادث المرورية.إرهاق الطلبة أوضح مشرف تربوي بإحدى مدارس المرحلة الإعدادية، حول تجربته في انتخابات النيابية والبلدية عام 2010، أنه لاحظ انشغال كثير من الطلبة في توزيع منشورات وملصقات تحوي صور المترشحين وبرامجهم الانتخابي بعد الانتهاء من الدوام الرسمي بالمدرسة، مبيناً أن العمل كان يمتد قرابة الساعة وقت الذروة تحت أشعة الشمس لطلاب الأول والثاني والثالث إعدادي، وأعمارهم تبدأ من 14 سنة.وقال المشرف، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، إن العمل المجهد انعكس على الطلاب بالمدرسة، وفي تحصيلهم العلمي، وبدا عليهم الخمول والإرهاق بالفصل الدراسي على عكس بقية أقرانهم، لأنهم يبذل مجهود كبير بعد المدرسة، وأثر على إنهائهم لواجباتهم ودراستهم بالمنزل.وحول ردة فعل أولياء الأمور، قال إن أولياء الأمور بعضهم على دراية بالأمر والبعض الآخر لا، ولم يشهد استياء من النوعين، لافتاً إلى أن تلك الحالات خالفت عدد من قوانين حقوق الطفل والإنسان باستغلال الأطفال، مبيناً أن لهذه الحالات الكثير من الآثار النفسية والتربوية السلبية التي انعكست على ثقافتهم التربوية وتحصيلهم الدراسي.