كتبت- رنوة العمصي:إن بعض التواطؤ المجاني الذي تمنحك إياه متصفحات الإنترنت، ومحركات البحث على رأسها Google، عندما تسمح لك بالتخلص من ذاكرة البحث، المواقع التي زرتها، والعناوين أو الكلمات المفتاحية التي بحثت عنها، لهي عربون ثقة وصداقة بينك وبين المتصفح ومحرك البحث، تجعلك ترتاح للتمادي في البحث، وتطمئن أن المحرك سيغض الطرف عن أسرارك وسينسى، عندما –بكبسة زر- تطلب أنت منه ذلك. Google Trends صندوق كبير، يجمع فيه السيد Google أسئلتنا وأسرارنا الصغيرة، يسجلها، يعد متشابهاتها، ويفشيها دفعة واحدة، فلا يعود السر يخص أحدًا، ولا يعود الحرج يشير بإصبعه تجاه أحدٍ بعينه، في Google Trends، تحصل مجاناً على إحصاءات ورسوم بيانية لنسب ومعدلات البحث عن كلمات وموضوعات معينة، مدعمة بخط زمني وخريطة للدول الأكثر بحثاً عن كل كلمة أو موضوع. وكحال أي منا، عندما اكتشفت هذه اللعبة، رغبت في معرفة من يبحث عن ماذا، واستخدمت في هذا كلمات مفتاحية تدور حول المثلث المحرم (الدين، الجنس، السياسة).عندما ظهرت لي فلسطين في مقدمة الدول العربية الباحثة عن مفردة «الله» على Google، ما كان مني إلا أن كتبت كلمة «الجنة» وطلبت من Google Trends، إعطائي الإحصائيات. لم يخيب ظني، كان الفلسطينيون أيضًا هم أكثر الباحثين عن الله، وعن الجنة على Google، ولمزيد من التواطؤ بيننا، كتبت «الحور العين»، فأجابني نعم، فلسطين أيضًا. «إن الإنسان المعرض دائماً لكل مصيبة قد تحمل المفاجأة أو الخير، ليس أكيدًا البتة من أي ضمانة فعلية له أو لذويه، ما عدا تلك التي يؤمنها التمسك بالماورائيات، التقرب من القوى التي تسيطر على الكون، أو تلك التي يؤمنها الرضوخ للسيد»**الدكتور مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربيفي المسافة ما بين الحب والجنس تركت رأس المثلث الأول عند كلمة «الحور العين»، ومنها بدأت البحث عن رأس المثلث الثاني، وهو «الجنس». كتبت الكلمتين هكذا، بفجاجتهما، «جنس» و«سكس»، لكن الذي كان يبحث عنهما في الجنة رفقة الحور العين، لم يكن هو هو الذي يبحث عنهما في Google.لم تكن فلسطين، وبالرغم من تصدر اليمن الشقيق للمشهد هنا، إلا أن هذا ربما يكون غير دقيق نظرًا لسياسات الحجب المعمول بها في عدد من الدول العربية، والتي تدفع المستخدمين للبحث عن هذه الكلمات باستخدام Proxy، تكون مهمته تضليل محرك البحث، وتغيير موقع الباحث لتفادي الحجب.الطريف في هذه النتيجة، هو ثبات معدلات البحث عن كلمة «جنس»، فيما تشهد «سكس» تزايداً ملحوظًا ومستمرًا، يعكس حالة الانفتاح الحضاري والعولمة الثقافية.. والذي منه! لم يكن في «الحب» كما في «الجنس»، ففلسطين التي تحظى بواحدة من أعلى معدلات الزواج والإنجاب في الوطن العربي، لا تبحث عن الجنس، لكنها كانت الباحثة الأولى عن «الحب»، ويبدو أن هذا الذي يبحث عن الجنة وعن الله، هو هو، بطريقة ما، يبحث عن الحب..في مفردتي «الحب» و«الحرب»، تتبادل فلسطين والعراق المقدمة والوصافة، أما في المفردات الأخرى فالأمور تبدو مضلِلة حسب مفردات الشعارات المرفوعة في البلاد العربية، إن كتبتَ«الشعب» تكون مصر، وإن قلتَ«الثورة» تكون سوريا، «الانتخابات» تكون مصر مرة أخرى، «الديمقراطية» تكون فلسطين.اللافت في البحث عن كلمة «الديمقراطية»، أن المراتب الثلاث الأول، لا تظهر فيها دولة من دول «الربيع»، هذا عدا كون المراتب السبع الأول، تخلو من دولة من الدول التي فجرت ما سمي بالربيع العربي، أعني (تونس، مصر، سوريا)، والتي تناولها الإعلام ملحميًا في شأن البحث عن الديمقراطية، في حين تشير الأرقام أن الناس فيها لم يكونوا يبحثون عن ما يسمى «ديمقراطية»، أعني على Google.